أكد مواطنون ومختصون، ضرورة وضع حلول سريعة وناجزة للمشكلات التي تواجه بناء «منزل العمر» للمواطنين، مشيرين – من خلال ردود أفعال واسعة على تحقيق نشرته «الإمارات اليوم»، أمس، حول المعوقات وأسباب الخلافات – إلى ضعف الدور الرقابي، فضلاً عن ارتفاع رسوم التحكيم، مع الوضع في الاعتبار تفاوت حجم المشكلة بين منطقة وأخرى.

وكشف مواطنون عن تأخر تسليمهم «منزل العمر» لأعوام عدة، عازين المشكلة إلى «اتفاق ضمني» بين فئة من الاستشاريين ومقاولين، على حساب المواطن مالك المنزل، مجددين مطالبتهم بضرورة تفعيل دور إشرافي ورقابي من قِبل جهة حكومية تحسم الخلاف مبكراً، دون الحاجة إلى الدخول في إجراءات تقاضٍ مكلفة.

وقال مواطنون إنهم لا يقرأون العقود من الأساس، بسبب كثرة بنودها وعدد صفحاتها، ويكتفون بالنظر إلى الكلفة الإجمالية والتوقيع، اعتماداً على أن الاستشاري يتحمل عنهم مسؤولية التدقيق والمتابعة والإشراف، مطالبين باتخاذ إجراءات صارمة حيال المقاولين المتلاعبين أو المخالفين، فيما كشف مقاول وخبير عقاري أن ثمة إشكالية أخرى تتعلق بطرف ثالث يتمثّل في مكاتب تتولى الدور الإشرافي، وتعتمد على دعاية مضللة، تعزز دورها كوسيط بين المالك والاستشاري والمقاول، وتقتطع جزءاً كبيراً من الميزانية دون القيام بدور يذكر، بل إنها تكون معوقاً وسبباً في التلاعب في كثير من الأحيان.

ولخص اختصاصيون عقاريون وقانونيون توصياتهم لحل هذه المشكلات المتكررة، بضرورة استحداث عقد من قانون «الفيديك» يكون موحداً وملزماً لجميع الأطراف، مع تخصيص جهة تتولى التحكيم ويكون قرارها ملزماً، وتشكيل لجنة – على غرار لجنة تسوية المنازعات التأمينية – تتولى حسم النزاعات مبكراً.

وتفصيلاً، أثار تحقيق نشرته «الإمارات اليوم» أمس، تحت عنوان: مواطنون يطلبون عقداً موحداً وإشرافاً رسمياً لتفادي مشكلات «منزل العمر»، ردود أفعال واسعة سلطت الضوء على جوانب إضافية، شملت غياب الرقابة على الاستشاري، وضعف تأثيره في حال وقوع أزمة مع المقاول.

وشكا أحد المتضررين من المغالاة في أسعار البناء وتحميلها للمالك، لافتاً إلى أنه كلما ارتفعت قيمة القرض الذي يحصل عليه المواطن من الحكومة، يرفع المقاول والاستشاري قيمة الكلفة، بما يدفعه في النهاية إلى الاستدانة، والدخول في دوامة لا تنتهي بسبب عدم الالتزام من قبل المقاول.

وقال آخر إن الرد المعتاد حين يتسبب المقاول والاستشاري في مشكلة للمالك، أن يطلبا منه الذهاب إلى المحكمة.

وطالب ثالث بدور أكثر فاعلية للبنوك، بحيث لا يُترك المواطن تحت رحمة الاستشاري والمقاول، لأنه أقل خبرة ودراية بما يتعرض له من مشكلات بسببهما.

وشرح آخر أن أغلبية المقاولين يستعينون بمقاولين من الباطن، وينتقلون من مشروع إلى آخر دون مراعاة مصلحة المالك، ما يؤدي غالباً إلى تأخير الاستلام ورداءة المواصفات.

وشكا مواطن عدم التزام المقاول بتسليم منزله قائلاً، إنه كان يفترض أن يتسلم منزله عام 2020، لكن المقاول لم يلتزم حتى الآن، فيما أشار ثالث إلى أن المستفيديْن من هذه التعاقدات هما الاستشاري والمقاول، فيما يصعب على المواطن الحصول على حقه منهما.

وفي المقابل يرى أحد متابعي «الإمارات اليوم» أن المالك يتحمل جانباً من المسؤولية في كثير من الحالات (إذ يؤسس ملاك شركات مقاولات لأنفسهم)، معتقداً أنه يوفر بهذه الطريقة، ويتعاقد مع استشاري صوري دون إشراف، لكن بعد حدوث المشكلة يشكو خداع المقاولين.

ولخص اختصاصي متابع للصحيفة أسباب المشكلات في عدم التخطيط الجيد المسبق، أو اختيار الاستشاري المناسب حسن السمعة، واللجوء إلى مقاول رخيص على حساب الجودة أو كثرة التعديلات التي يجريها المالك، وعدم توافر سيولة كافية لديه، بسبب بناء مساحات كبيرة لا تتناسب مع إمكاناته، وعدم اعتماد تصميم داخلي من بداية المشروع.

وأفاد صاحب رأي آخر بأن هناك تحاملاً على المقاول، بينما يتحمل الاستشاري مسؤولية كبيرة، لأنه يقنع المالك بأن مشروعه سينتهي في فترة بعينها، فيما يدرك جيداً أنها ليست كافية لإنجاز البناء، كما أن هناك ملاكاً متعنّتين لا يملون من التعديل على التصميم الأصلي أو ما ينجز من أعمال.

بدوره عزا الخبير العقاري، المهندس أحمد عبدالعزيز أبوعجيلة، المشكلة إلى عدم وضوح التعاقد، لافتاً إلى أن هناك طرفاً ثالثاً يلعب دوراً سلبياً في تعقيد العلاقة بين المالك والاستشاري والمقاول، وهي مكاتب تتولى دوراً إشرافياً بزعم تمثيلها للمالك.

وشرح أن ما يحدث ببساطة هو قيام هذه الشركات أو المكاتب بالترويج لدورها في تولي مسؤولية الإدارة والمتابعة نيابة عن المالك، وتنفذ نوعاً من الدعاية الجذابة المضللة، فيقرر المالك التخلص من الصداع واللجوء إليها، لتكون وسيطاً بينه وبين الاستشاري والمقاول، بينما تعطل هي الأعمال وتحصل على مبالغ كبيرة دون تقديم شيء يذكر، لأنها ليست مسؤولة قانونياً في حال حدوث خلاف.

وقال أبوعجيلة إن هذه الشركات أو المكاتب لديها حصة كبيرة من منازل المواطنين، وبدلاً من أن يتعامل المواطن بنفسه مع الاستشاري والمقاول يضع وسيطاً لا يهمه سوى مصلحته، وفي النهاية يضطر الاثنان إلى توقيع عقود غير مناسبة، ويحدث إخلال بالالتزامات التعاقدية. وحول الحلول المناسبة لتفادي هذه الخلافات، أوضح أن الأمر يعتمد على السمعة، فعلى المواطن سؤال أصدقائه وذويه ومعارفه عن الاستشاري المناسب، ولاشك في أن كثيراً منهم لديه تجارب إيجابية مع استشاريين ومقاولين جيدين وملتزمين، لكن من الخطأ اللجوء إلى البدائل الرخيصة غير المنطقية.

بدوره، أكد الخبير سعيد الفهيم، أن هذه مشكلة معقدة وتحتاج إلى تدخل حاسم لأن كثيرين يعانونها فعلاً، لافتاً إلى أن المواطنين يعانون سواء في المتابعة أو في حالة حدوث خلاف، إذ إن هناك مقاولين غير ملتزمين، يماطلون ويتأخرون في التسليم دون مبرر، رغم التزام الملاك بسداد الدفعات في موعدها.

وقال الفهيم إن التأخر في التسليم من قِبل مقاول البناء تترتب عليه مشكلات أخرى يعانيها المواطن، سواء مع مقاولين آخرين مثل مقاولي الألمنيوم والزجاج، أو استهلاك فترة ضمان أنظمة التكييف، أو تحمّل كلفة إضافية للحراسة والصيانة، وغير ذلك من تبعات يتحملها بمفرده.

ورأى أن الوضع يزداد تعقيداً حين يتطور الخلاف ويتحول إلى نزاع قضائي، لأن هذا هو المسار الوحيد المتاح أمام المواطن، فأمامه أولاً أن يسلك طريق التحكيم وهذا مكلف للغاية ولا يمكن أن يتحمله المواطن، خصوصاً في ظل أنه غير مضمون النتيجة، وثانياً اللجوء إلى محامٍ لرفع قضية ضد المقاول، وهذا يستلزم تعيين خبير، وغالباً يتم حسم النزاع بتكليف مقاول آخر، وتصفية أعمال ومستحقات المقاول القديم المتأخر دون إلزامه بسداد كلفة التأخير أو تعويض المالك.

وحول درجة الوعي بالعقود، أكد الفهيم أن العديد من الملاك لا يقرأون العقود التي يوقعون عليها، فالعقد يتكون عادة من عدد كبير من الصفحات، مثل عقود البنوك وغيرها من الوثائق التي تستلزم خبرة قانونية ودراية واسعة، مشيراً إلى أن مالك المنزل لا ينظر في معظم الأحيان إلا إلى المبلغ المطلوب منه، ويوقع على هذا الأساس معتمداً على الاستشاري.

وتابع أن الحل الوحيد هو عقد ثابت غير متغير يضمن حقوق جميع الأطراف، وأن يكون هناك إشراف من جهة موحدة تتابع التكليف والإنجاز، كما يتحتم إلزام المقاول بتوفير غطاء مالي ضماناً لالتزاماته التعاقدية مع الملاك.

وحول الجانب القانوني، قال المحكّم والمستشار القانوني، محمد نجيب، في إطار متابعة «الإمارات اليوم»، إن هناك قانوناً دولياً يعرف بـ«الفيديك» معتمداً من الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وهو ملزم وجامع، مشيراً إلى أهمية استحداث عقد يناسب طبيعة الأعمال الإنشائية في دولة الإمارات، خصوصاً ما يتعلق بمنازل المواطنين، يكون ملزماً ويتوافر خبراء قانونيون ومحكمون لديهم دراية كافية بتطبيقه، إذ إنه كفيل بإغلاق الباب أمام كل هذه المشكلات.

وحول شكوى البعض من تبعات عدم التزام المقاولين بمواعيد التسليم، أوضح أن هناك ما يعرف قانوناً بالتعويض عن «الكسب الفائت»، وعلى المالك في هذه الحالة إثبات الضرر الذي وقع عليه من التأخير، مثل أن يكون اضطر إلى استئجار منزل آخر خلال الفترة التي كان يفترض أن ينتقل فيها إلى منزله، أو ما ترتب عموماً على عدم التزام المقاول.

وأشار إلى ضرورة استحداث لجنة تحسم هذا النوع من المنازعات، على غرار لجنة تسوية المنازعات التأمينية التي تتخذ قرارات ملزمة، وإذا لم يرتضِ الطرفان قرارها يتم اللجوء إلى المحكمة، وتشكل عضوية هذه اللجنة من خبراء ومهندسين من أصحاب الشأن، بحيث لا تحتاج المحكمة إلى تعيين خبير أثناء التقاضي.

وذكر المحامي محمد العوامي المنصوري، أن الحكومة تقوم بدورها على أكمل وجه لخدمة مواطنيها بمنح الأرض والقرض الميسر للبناء، ومن هنا يأتي دور جهة رسمية للرقابة وتصنيف المقاولين وتحديد قائمة أسعار ومواصفات تناسب احتياجات المواطن وإمكاناته، وتتدخل في توفير المواد المستخدمة في البناء حتى تضمن جودتها وتراقب أسعارها.

وقال إن هذا الدور يجب أن يسند إلى مختصين لديهم الخبرة والدراية، كما يتحتم أن يتحمل الاستشاري دوره في الإشراف والمتابعة، ومن ثم التحكيم في الخلاف إذا اقتضى الأمر، وفي حالة حدوث نزاع بين المالك والمقاول يحال الملف مباشرة إلى قاضي التنفيذ.

قال أحد المواطنين الذين عانوا هذه المشكلات لـ«الإمارات اليوم»، إنه تعاقد على بناء «منزل العمر»، وكان يفترض أن يتسلمه قبل نحو عام من الآن، لافتاً إلى أنه ملتزم بسداد الدفعات في موعدها المحدد، لكن المقاول يماطل، ويقدم أعذاراً وتبريرات، فتارة يرسل إليه صورته في المستشفى باعتباره مريضاً، ومرة بسبب الأمطار وأخرى بسبب تأخر توريد مواد.

وأضاف أنه متعاقد مع مقاولين آخرين لتنفيذ أعمال أخرى في الفيلا، لكنهم لا يستطيعون إنجازها بسبب تأخر المقاول الرئيس، ما يدفعهم إلى تحميله كلفة أعمال إضافية، أو يخبرونه بارتفاع أسعار المواد أو الأجهزة المطلوب توريدها، مثل باب خارجي أبلغه المقاول الفرعي بأن كلفته زادت 20 ألف درهم على السعر المحدد سلفاً، بسبب تأخر التركيب.

وأشار إلى أنه قام بتركيب أنظمة التكييف في المنزل، ومر عام كامل دون أن يستخدمها، وهذا يعني إهدار سنة من الضمان الخاص بها، فضلاً عن أعمال صيانتها.

وتابع: «الغريب في الأمر أن المقاول المتأخر طلب مني سداد قيمة فاتورة تشغيلية رغم عدم التزامه، وذلك نظير توفير حارس في المكان، وحين استنكرت ذلك رد عليّ بأنه سيسحب الحارس، وبالطبع لا أستطيع كمالك تحمل تبعات ذلك، لأن هناك أغراضاً ومواد تم تركيبها مثل الأدوات الصحية وأجهزة التكييف والأسلاك الكهربائية يمكن أن تتعرض للسرقة»، مؤكداً أن هذه الممارسات تنفذ بسبب ضعف الرقابة على هؤلاء المقاولين.


4 أسباب

لخص الخبير والمقاول، طاهر سرتاوي، في رسالة لـ«الإمارات اليوم» مشكلات بناء منزل العمر في أربعة أسباب: أولها عدم وجود تصنيف موضوعي للمقاولين الأصليين ومقاولي الباطن من قِبل أصحاب المشروعات المنجزة.

والثاني عدم قيام الاستشاريين بدورهم المتعلق بالإشراف واقتصارهم على التصميم والحصول على الموافقات من الجهات الحكومية، إضافة إلى حرق الأسعار بين المقاولين للحصول على أكبر عدد من المشروعات، فضلاً عن عدم الالتزام بالفترة المحددة لإنجاز المشروع، لأسباب خاصة بالمالك أو المواطن، ما يكبدهما خسائر فادحة.

. مطالب بفاعلية أكبر للبنوك، بحيث لا يُترك المواطن بين الاستشاري والمقاول، لأنه أقل خبرة ودراية بما يتعرض له من مشكلات بسببهما.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version