حدّد أطباء وقانونيون ومستشارون اجتماعيون ثمانية أسباب رئيسة تدفع الشباب اليافعين إلى طريق التعاطي وإدمان المخدّرات، هي: المشكلات الأسرية، وأصدقاء السوء، وإهمال الآباء والأمهات، والشعور بالوحدة، وضعف الرقابة، وضعف الوازع الديني، والخجل الاجتماعي، وعدم الثقة بالنفس، ما يتطلب علاجاً طبياً ونفسياً واجتماعياً، وعلاجاً وظائفياً، وإرشاداً دينياً، وإعادة بناء شخصية المدمن.
وتفصيلاً، أكد أطباء وقانونيون ومستشارون اجتماعيون أن إدمان المخدّرات يُعد إحدى أبرز المشكلات التي تهدد مستقبل الشباب، إذ إن تأثير المخدرات السلبي لا يقتصر على الصحة الجسدية فحسب، بل يمتدّ أيضاً ليشمل الجوانب الاجتماعية والنفسية والعقلية، مشيرين إلى تنوّع الأسباب التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات وإدمانها، ويُعزى هذا التنوّع إلى شخصياتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية المتباينة، مشيدين بالجهود التي تبذلها الدولة في مكافحة الإدمان لدى المراهقين، وتوفير العلاج، وبرامج شاملة لإعادة الدمج المجتمعي لدعم الأفراد المتعافين، بجانب الخطط التوعوية من مخاطر المخدرات، التي تشمل المدارس والجامعات والفعاليات على مستوى الدولة.
شباب ومراهقون
وأظهرت دراسات حديثة، كشفت عنها دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، أن فئتَي الشباب والمراهقين من بين الشرائح والفئات الأكثر عُرضة لخطر الشروع في تعاطي المواد المخدرة والإدمان عليها، وذلك لأسباب عدة، مثل ضعف مهارات الوالدين، وإهمال احتياجات الطفل العاطفية في مرحلة الطفولة المبكرة والمراهقة، والمشكلات الأسرية، إضافة إلى قلة وضعف المهارات الاجتماعية والحياتية، كما يشير العديد من الدراسات إلى دور ضغط الأقران السلبي في زيادة احتمالية الشروع في التعاطي، ومن هذا المنطلق تركّز الاستراتيجية على إكساب الأسرة والأطفال والمراهقين المهارات اللازمة لمواجهة ضغط الأقران.
أسباب التعاطي
وحدّد مدير مركز أبوظبي للتوعية القانونية والمجتمعية «مسؤولية»، الدكتور محمد راشد الظنحاني، أن الأسباب المؤدية إلى تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، تنقسم إلى ثلاثة أنواع، الأول أسباب فردية مثل ضعف الوازع الديني والقيم الأخلاقية، ودافع الفضول والتجربة ورفقاء السوء، ووقت الفراغ والشعور بالملل، والنوع الثاني أسباب مجتمعية، منها عدم الوعي بالقوانين والتشريعات، والدور السلبي لنشر المعتقدات غير الصحيحة عن تعاطي تلك المواد، فيما يختص النوع الثالث بالأسباب الأسرية مثل الصراعات الأسرية والتفكك الأسري، وغياب مهارات التواصل والحوار مع الأبناء، والتعامل بقسوة، وعدم الإدراك بالآثار المترتبة على التعاطي.
وقال لـ«الإمارات اليوم»: «توجد تغيرات تطرأ على المتعاطي، ويتم من خلالها اكتشاف إدمان الشخص، منها تغيرات سلوكية مثل التغير المفاجئ بالأصدقاء، وتدني المستوى الدراسي، وتقلبات مزاجية مفاجئة، وطلب الأموال بشكل غير مبرر، والتغير في أنماط النوم والسهر خارج المنزل، إضافة إلى تغيرات جسدية تتمثل في نقصان الوزن المفاجئ، والضعف العام في الحركة، وفقدان النشاط، وتنميل الأطراف، وارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب».
دور الأسرة
وأكد الظنحاني أهمية دور الأسرة الوقائي والتوجيهي للإسهام في الوقاية من المواد المخدرة، الذي يبدأ بغرس المبادئ والقيم، وبناء علاقة قوية مع الأبناء ترتكز على الحب والاحترام والثقة والحوار، وتنمية مهارات الرفض لتلك المواد، ومعرفة المؤشرات التي يستدل منها على المتعاطي، والمتابعة والتدخل المبكر في حال اكتشاف التعاطي.
وشدّد على ضرورة شَغل وقت فراغ الأبناء بما هو مفيد وفق الأنشطة التي يستمتعون بها، ومشاركتهم هواياتهم ومساعدتهم على تحديد وتحقيق أهدافهم، ومساعدتهم على اختيار الأصدقاء الصالحين وإرشادهم نحو التصرف الصحيح معهم، وتثقيفهم حول عدم الانجراف وراء السلوكيات الخاطئة.
ضعف الشخصية
فيما أشار أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، الدكتور أحمد السيد، إلى أن بعض الشخصيات تكون معرّضة للإدمان بشكل أكبر من غيرها نتيجة قصور في الشخصية، ومن دون مرور الشخص بمرحلة بناء الشخصية السليمة سيكون معرضاً للتعاطي والإدمان مستقبلاً، مشيراً إلى أن المراهق أو اليافع المعرض للإصابة بالإدمان هو الشخص الذي تعرض لصدمات نفسية أدت إلى ضعف بنائه النفسي، وتحوله إلى شخصية اتكالية، وهذه الشخصية تكون معرّضة بشكل أكبر للإدمان.
وأرجع سبب استمرار المدمن في تعاطي المادة المخدرة إلى تغيرات الدماغ التي تحدث بمرور الوقت بسبب استخدام المؤثرات العقلية، حيث يحدث خلل في عملية ضبط النفس لدى المدمن، ويتعارض مع قدرته على مقاومة الحوافز القوية لتعاطي المخدرات، إضافة إلى شعوره الزائف بالسعادة واللذة وتعويض القصور في شخصيته، لذا يُعد الإدمان «مرضاً انتكاسياً»، مشيراً إلى أن مضاعفات الإدمان تشمل مضاعفات صحية ونفسية، منها التسمم الدماغي، وأمراض القلب والكبد، وأنواع مختلفة من السرطان، والإيدز، والتهاب الكبد الفيروسي، وأمراض عقلية، وفقدان الذاكرة المبكر، والاكتئاب النفسي، بجانب انفصام الشخصية و«الذهان».
ولفت إلى وجود مضاعفات اجتماعية ومالية، منها العنف، والجريمة، وفقدان المأوى، والتفكك الأسري، والتكاليف الطبية، وفقدان العمل، والاستدانة، إضافة إلى احتمال الوفاة بسبب جرعة زائدة أو بسبب المضاعفات الصحية الخطيرة.
تفكك أسري
من جانبه، أوضح الأخصائي الاجتماعي، محمد ياسر، أن الحياة الأسرية لدى المدمن دائماً ما تكون مُهمَلة، إما بسبب الصراعات الأسرية التي تتسبب في الإهمال وعدم تحمل المسؤولية، أو بسبب التدليل الزائد وعدم متابعة تصرفات الأبناء ومنحهم حرية مطلقة من دون أي متابعة، وهو نوع آخر من الإهمال، داعياً إلى ضرورة اهتمام الأسر بالأبناء ومراقبتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لأنها ساحة للإغراءات، مع الاعتدال وعدم التشدّد في الرقابة حتى لا ينقلب الشيء لضده، وتشجيع المراهقين على الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية والموثقة حتى لا يقعوا فريسة لمعلومات مضللة، مع ضرورة تنمية مهارات الأبناء في ممارسة الهوايات والأنشطة المفيدة، مثل الرياضة والفنون، لشغل وقتهم وإبعادهم عن رفقاء السوء.
التعامل مع المدمن
فيما أكد أخصائي تأهيل مكافحة الإدمان، حاتم عيسى، أهمية معرفة الطريقة الأفضل للتعامل مع مريض الإدمان، عبر فهم طبيعة مرضه وتشجيعه بكلمات تحفيزية، وعدم جرح مشاعره وتذكيره بما مضى، وتنمية مهاراته وهواياته، وعدم مراقبته بشكل صارم ومنحه المسؤولية والثقة بالنفس، وتقوية الترابط بين الأهل وإعادة إشراكه تدريجياً في الأنشطة الأسرية، إضافة إلى احتواء المتعافي والتقرب منه وبث روح الأمان في جو عائلي مستقر.
وقال: «المراهقون أكثر عرضة لتجربة المواد المخدرة للمرة الأولى أثناء قضاء وقت ممتع مع أصدقاء جدد، وقد يكون الكحول والنيكوتين أو التبغ من أولى المواد التي يسهل حصول المراهق عليها، وإذا كان أقرانه يتعاطون المواد المخدرة، فسيتطلع المراهق إلى مشاركتهم التجربة للإحساس بالشعور نفسه، بجانب الشعور بالقبول ومزيد من الثقة مع أقرانه».
وأشار إلى وجود مسببات عدة توقع بالشباب في مصيدة المخدرات والإدمان تشمل غياب مهارات التعامل مع الضغوط، وإساءة استخدام أدوية الوصفات الطبية، وانتشار المعتقدات الخاطئة التي تزيد من خطر التعاطي والإدمان على سبيل المثال: تعاطي بعض المواد يساعد على رفع المستوى الذهني أو الطاقة لدى الفرد، بجانب البطالة، والعلاقات غير الصحية، إضافة إلى المشكلات الأسرية والمالية.
إعادة الدمج
تنفذ دائرة تنمية المجتمع – أبوظبي نموذجاً شاملاً لإعادة الدمج المجتمعي لدعم الأفراد المتعافين من الإدمان، وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية وجمعيات النفع العام المعنية بمكافحة الإدمان، وتطوير برامج منظمة للعلاج بالفن والموسيقى للمرضى، كما توفر برامج رياضية منظمة للمرضى المتعافين، وتنشر ثقافة مجتمعية حول مرض الإدمان مبنية على الأسس العلمية، إضافة إلى تطوير برامج تركّز على المختصين والمهنيين بالتعامل مع المدمنين من غير العاملين في الرعاية الصحية.
«بيوت منتصف الطريق»
يقدمّ مشروع «بيوت منتصف الطريق»، الذي تنفذه دائرة تنمية المجتمع – أبوظبي، أكثر من 35 برنامجاً متخصّصاً في إعادة التأهيل والدمج المجتمعي، مع تطبيق سياسة السرية والخصوصية، للحفاظ على سرية
معلومات المستفيدين وأُسرهم، والمشروع يُعدّ الأول من نوعه في المنطقة، لتلبية احتياجات الأفراد الذين يعانون مرض الإدمان في رحلتهم نحو التعافي الكامل.
ويقدّم المشروع خدمات تأهيلية واجتماعية ونفسية متخصّصة، بجانب مجموعة واسعة من الخدمات لمتعافين وأسرهم، منها جلسات الاستشارات الأسرية لمعالجة الاضطرابات النفسية والتحديات الاجتماعية، وغيرها من التحديات التي تواجههم خلال فترة التعافي من مرض الإدمان، بجانب مجموعة البرامج الترفيهية داخل المنشأة وخارجها، منها العلاج بالفن، والعلاج بالتغذية، والعلاج بالخيول، وجلسات الطبخ، واللياقة البدنية، وجلسات تأمل واسترخاء.
دراسة: الشباب والمراهقون من بين الفئات الأكثر عُرضة لخطر الشروع في تعاطي المواد المخدرة والإدمان عليها.
• 35 برنامجاً لإعادة التأهيل.