وقع اختيار، كمالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي ومرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الأميركية، على تيم والز، حاكم مينيسوتا، رغم التوقعات التي رجحت اختيار حاكم بنسلفانيا، جوش شبيرو، ليساعدها في الفوز بالولاية المتأرجحة التي يطمح لكسبها كلا الحزبين، وسط تساؤلات فيما لو كان قرارها هذا قد أثر على حظوظها هناك.
وتعد هذه الولاية الغنية بالأصوات الانتخابية أساسية في الانتخابات المقبلة، فهي التي رجحت كفة الانتخابات لصالح جو بايدن في عام 2020، وتعتبر محورية وتحظى بمنافسة عالية من جديد هذا العام أيضا.
وبعد أن كانوا قد صوتوا لبايدن، الذي ولد في مدينة سكرانتون بولايتهم، وحظوا باهتمام الرئيس الأميركي بشكل واسع خلال السنوات الماضية، لكن باختيار والز، يواجه المصوتون في بنسلفانيا واقعا جديدا يخلو فيه السباق الرئاسي من أي نجم ذي صلة بولايتهم.
تشير صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الديمقراطيين قد يعبرون عن استيائهم تجاه قرار هاريس باختيار والز في حال خسارتهم بنسلفانيا بهامش ضئيل، إلا أنه، إلى الآن، تظهر مقابلات مع أكبر مؤيدي شابيرو في بنسلفانيا أن معظم الديمقراطيين الذين يركبون موجة زخم جديد، لم يظهروا اطمئنانهم لخيارها فحسب بل أيضا اعتنقوه كليا.
وقال النائب السابق ورئيس الحزب الديمقراطي في فيلادلفيا، روبرت برايدي، أحد أبرز مؤيدي شابيرو: “كنا نود أن يكون ابننا المفضل هناك، بطبيعة الحال”، وذلك قبل اختيار المرشح لنائب الرئيس، يوم الثلاثاء.
وبعد الإعلان عن اسم والز، لم يعبر برايدي عن رفضه، بل قال لدى سؤاله ما إن كان السباق في بنسلفانيا أصعب بالنسبة للديمقراطيين دون حاكمها، أجاب بالقول: “ليس وفق ما رأيناه يوم الثلاثاء.. المنافسة ستكون شديدة، لكن هناك طاقة رائعة”.
ولكن في الولايات الرئيسية التي تشهد معارك انتخابية حامية الوطيس، يؤكد مسؤولو الحزب أن الانتخابات العامة لا تزال على وشك أن تكون متقاربة وغير متوقعة، حيث يشعر الناخبون بالقلق إزاء قضايا مثل تكاليف المعيشة والاقتصاد الأوسع والمشهد العالمي المتقلب. وتدل المؤشرات على أن تعديل البطاقة الرئاسية، بانسحاب بايدن ودخول هاريس السباق قد أعاد الديمقراطيين إلى اللعبة، ولكن الطريق أمامهم طويل وصعب، وفق تعبير “نيويورك تايمز”.
أهمية بنسلفانيا
وتعد بنسلفانيا بمثابة مفتاح الفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية، إذ يعتقد الجمهوريون والديمقراطيون أن الرئيس المقبل هو من سيفوز بأصوات هذه الولاية.
على مدى أكثر من قرنين، أُطلق على ولاية بنسلفانيا لقب “حجر الزاوية في الاتحاد الفيدرالي”، مما يعكس مكانتها المحورية في السياسة الأميركية.
وفي احتفال بفوز الرئيس، توماس جيفرسون، في انتخابات 1802، أكد المتحدثون على أهمية الولاية، التي كانت ولا تزال تحتل مكانة مركزية في الحملات الانتخابية الأميركية.
ومنذ الأيام الأولى لتأسيس الولايات المتحدة، كانت بنسلفانيا في قلب الأحداث السياسية، مستضيفة المؤتمر القاري في فيلادلفيا في سبعينيات القرن الثامن عشر، وآخر ولاية تصادق بالإجماع على إعلان الاستقلال في يوليو 1776.
ولم تكن بنسلفانيا دائما ولاية متأرجحة، لكنها كانت دائما مؤثرة في الانتخابات الرئاسية. ودعمت الولاية المرشحين الجمهوريين بشكل ثابت من عام 1860 حتى 1932.
ومع ذلك، بدأت بنسلفانيا في الأربعينيات من القرن الماضي، في التحول نحو دعم الديمقراطيين.
وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، استعاد الجمهوريون الأمل في الفوز بأصوات بنسلفانيا، وأصبحت الولاية واحدة من الولايات المتأرجحة الرئيسية التي تعتمد عليها الحملات الانتخابية لتحقيق الفوز بإدارة البيت الأبيض.
وتعكس بنسلفانيا اليوم التوازن بين التنمية الاقتصادية والسياسة البيئية. وأثارت سياسات الرئيس جو بايدن، المتعلقة بحظر تصدير الغاز الطبيعي المسال، انتقادات واسعة من العاملين في قطاع الطاقة، الذين يرون في هذه السياسات تهديدا لوظائفهم واستثماراتهم في الولاية.
ورغم أن بايدن سعى لتحقيق التوازن بين حماية البيئة والحفاظ على الوظائف، إلا أن هذا التوازن يظل مصدر جدل كبير بين الناخبين في الولاية.
وتتميز بنسلفانيا بتنوع سياسي كبير. فالناخبون في فيلادلفيا يميلون إلى الليبرالية، بينما يميل سكان المناطق الريفية إلى الاتجاهات المحافظة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
في المقابل، تشهد بعض المناطق الرئيسية انقساما في الآراء السياسية، مما يجعلها مناطق متأرجحة حقيقية داخل الولاية المتأرجحة أساسا.
حظوظ هاريس في الولاية عقب استبعاد شابيرو
في ضوء ما سبق، رجح العديد أن يقع اختيار هاريس على شابيرو كونه “الخيار الأوضح”.
وأظهر مسح أجرته شبكة “فوكس نيوز” أن شعبية حاكم الولاية، شابيرو، بلغت 61 في المئة، وهو رقم مرتفع نسبيا في ولاية منقسمة كبنسلفانيا، وفي سباقاته الماضية نحو منصب الحاكم والمدعي العام، كسب تأييدا في المناطق الريفية التي تحظى بأغلبية محافظة في حين ظهر على الهوامش في الضواحي.
لكن لاري سايزلر، المدير التنفيذي للعلاقات العامة للحزب الديمقراطي في بنسلفانيا، يقول إنه “لو كان جوش (شابيرو) على اللائحة، لم تكن لتضمن أن تتمكن من جلب كل أولئك الأشخاص إلى جانبك.. لكن كان من الممكن أن تضمن أن يتمكن من فتح الباب ليستمعوا إليك في حجة مقنعة”.
وفي خطابه الحماسي في التجمع الانتخابي يوم الثلاثاء، وعد شابيرو بأنه “سيعمل بكل ما أوتي من قوة” من أجل تحقيق الفوز. ورغم أنه معروف بطموحه، فقد أكد أيضاً أنه سعيد بصفته الرئيس التنفيذي لولايته، وهو الدور الذي شغله لأقل من عامين. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أشخاص مطلعين على عملية اختيار نائب الرئيس أن شابيرو بدا في السر، أكثر حذراً بشأن احتمالات توليه منصب نائب الرئيس مقارنة بغيره من المرشحين الآخرين، حيث سأل عن دوره ومسؤولياته.
وقال أحد مستشاري شابيرو إن الحاكم يخطط لمساعدة الديمقراطيين في التصويت، مشيرا إلى أنه يقضي وقتا كثيرا في أجزاء من الولاية تندر فيها رؤية الديمقراطيين، وهو النهج الذي استلهمه جزئيا من الرئيس السابق، باراك أوباما، وفق ما أكده لصحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي.
أما تاريخيا، لم يتمكن مرشحو نائبي الرؤساء من ضمان ولاياتهم لأحزابهم، كما أن استطلاعات أجراها فريق هاريس لم تشر إلى أن اختيار شابيرو سيجلب فوزا مؤكدا في بنسلفانيا.
ورغم أن استطلاعات أجريت عقب فوزه بمنصب حاكم الولاية عام 2022 أظهرت تأييدا بنسبة 16 في المئة بين الجمهوريين، و64 في المئة بين المصوتين المستقلين، فإن سباقات الولايات تتسم بكونها ذات طابع حزبي أقل مقارنة بالانتخابات الفيدرالية التي تحدد الكفة التي ترجح إليها القوة في واشنطن.
وفي المناطق التي يغلب عليها الانتقادات من الطبقة العاملة بشأن سياسات الطاقة التي اتبعتها إدارة بايدن، قد لا يكون لشابيرو أثر ملحوظ حيث يؤكد الجمهوريون أنهم لن يصوتوا للديمقراطيين مهما اختلف مرشحوهم، وأن هاريس ستعكس سياسات بايدن في هذا الملف، بحسب “نيويورك تايمز”.
وتنوه الصحيفة إلى أن المرشح الذي اختارته هاريس، والز، قد يتمكن من الحصول على اهتمام الطبقة العاملة وأن “يتحدث بلغة” الطبقة المحافظة في بنسلفانيا.
وهو مدرس سابق للمرحلة الثانوية ومدرب كرة قدم كان قد مثّل منطقة ريفية إلى حد كبير في مجلس النواب المحلي في ولايته قبل أن يصبح حاكما لمينيسوتا.
وقال دان كانينين، مدير الولايات المتأرجحة لحملة هاريس-والز، في مذكرة صدرت يوم الأربعاء: “سيكون الحاكم والز رسولا رئيسيا في هذه المناطق الريفية حيث نركز على الحد من هوامش الجمهوريين”.
وأضاف أن الحملة تعمل “على تحقيق تقدم في المناطق الجمهورية الآمنة تاريخيا” من خلال إنشاء عمليات في مقاطعات يونيون ولانكستر وكامبرلاند ويورك في بنسلفانيا، وهي جميع الأماكن التي فاز بها دونالد ترامب بأرقام مزدوجة في عام 2020.
وذكر أحد المشرفين على الحملة أن الفريق كان يفكر في إرسال والز إلى مباريات كرة القدم المحلية، وقال نائب حاكم ولاية بنسلفانيا، أوستن ديفيس، إنه يعتقد أن حاكم ولاية مينيسوتا سيتواصل مع الناخبين من الطبقة العاملة في الولاية، بما في ذلك في مدن الصلب القديمة، رغم أنه أقر بأن سكان بنسلفانيا لا يعرفون الكثير عنه حتى الآن.
وقال ديفيس “سيكون هذا سباقا متقاربا”. وأكد على أهمية التنظيم الميداني للحملة على الأرض، مضيفا “يتعين علينا أن نفرض سيطرتنا على الميدان. يتعين علينا أن نكون في مجتمعات في جميع أنحاء بنسلفانيا، في مجتمعات حيث ليس من السهل فيها أن تكون ديمقراطيا”.