ليلةٌ طويلة تعيشها تركيا وسط ترقب للإعلان النهائي الرسمي عن نتائج الانتخابات الرئاسة والبرلمانية.
ورغم تقدم مرشح التحالف الحاكم، رجب طيب إردوغان، على منافسه المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، خلقت النبرة التي يطلقها المسؤولون في المعارضة جوا من “التشكيك والريبة”، ولاسيما بعدما بدأت عملية فرز الأصوات.
وتُنشر نتائج الانتخابات منذ الساعة السادسة مساء الأحد، على الموقع الرسمي لوكالة “الأناضول”، وتشير أحدث الأرقام التي تتيحها هذه المنصة إلى أن إردوغان حظي بنسبة 49.36 بالمئة من الأصوات، بعد فرز أكثر من 97 بالمئة من صناديق الاقتراع.
أما منافسه كليتشدار أوغلو حصل على نسبة 44.96 بالمئة من الأصوات، والمرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان 5.27 بالمئة.
في غضون ذلك، تظهر النتائج الأولية لانتخابات البرلمان “مفاجآت لم تكن متوقعة”، إذ حصل “حزب العدالة والتنمية” على نسبة 35.55 بالمئة من الأصوات (268 مقعدا)، ويليه “حزب الشعب الجمهوري” بنسبة 25.11 (167 مقعدا).
وكانت المفاجأة الأبرز حصول حليف إردوغان “حزب الحركة القومية” على المرتبة الثالثة في كسب الأصوات، حيث بلغت نسبتها 10.21 بالمئة حتى الساعة الواحدة والنصف ليلا (51 مقعدا)، وبعده “حزب الجيد” بنسبة 9.89 بالمئة (44 مقعدا)، وفي المرتبة الخامسة “حزب اليسار الأخضر” بنسبة 8.75 بالمئة (62 مقعدا).
وأشارت جميع استطلاعات الرأي قبل عملية الانتخاب إلى أن “الحركة القومية” لن يتخطى نسبة 7 بالمئة (العتبة الانتخابية لدخول البرلمان) لكن النتائج كانت مغايرة لذلك، فيما احتل المرتبة الثالثة بعدما كانت من صالح “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد خلال الأعوام الماضية.
“لن تنام الليلة”
وبينما تتركز الأنظار بعد إغلاق أبواب مراكز الاقتراع على ما تنشره وكالة “الأناضول” والبيانات التي تتيحها “الهيئة العليا للانتخابات”، بدا لافتا، خلال الساعات الماضية، نبرة التشكيك في النتائج من جانب أحزاب المعارضة، وخاصة مسؤولي “حزب الشعب الجمهوري”، الذي يقوده كليتشدار أوغلو.
ونتيجة لذلك بدأ “الشعب الجمهوري” بنشر نتائج مغايرة إلى حد ما عن تلك التي تنشرها “الأناضول”، في الوقت الذي كان فيه مسؤولو كليتشدار أوغلو، وعلى رأسهم عمدة أنقرة، منصور يافاش، وإسطنبول، أكرم إمام أوغلو، يعلنون أنهم يتقدمون في السباق، وحتى أن مرشحهم المنافس نشر تغريدة كتب فيها “نحن في الصدارة”.
وقال كليتشدار أوغلو في بيان مخاطبا أنصاره: “لن ننام الليلة يا شعبي. أحذر الهيئة العليا للانتخابات. عليكم توفير إدخال البيانات في المقاطعات”.
بدوره قال رئيس “الهيئة العليا”، أحمد ينير، إنهم “يشاركون البيانات مع الأحزاب السياسية على الفور، ولا يوجد أي انقطاع أو تأخير في عملية إدخال البيانات”.
أما الحزب الحاكم، فقد قال الناطق باسمه، عمر جيليك، ردا على اتهامات المعارضة لوكالة “الأناضول”: “إنهم يعدون تبريرا للهزيمة ويعلنون أن بياناتهم الخاصة هي الفائز. سيصابون بالحرج عندما يواجهون الحقائق”.
وأضاف أن “تحالف الشعب وحزب العدالة والتنمية يتقدمان بأغلبية ساحقة”.
ومن جانبها، نشرت وكالة “الأناضول” بيانا جاء فيه: “ستستمر الوكالة في العمل بشكل مستقل عن أي نقاش سياسي”.
وأضافت: “نرفض جميع أنواع الاتهامات والادعاءات التي لا أساس لها. نعلن أننا سنمارس حقوقنا القانونية على أكمل وجه ضد جميع الاتهامات والادعاءات التي تحتوي على معلومات مضللة”.
وفي حين لم يعلن عن النتائج النهائية حتى الآن، وسط استمرار عملية فرز الأصوات، خاصة المتعلقة بالخارج توقع المرشح الرئاسي الثالث، سنان أوغان، أن تذهب الأمور إلى جولة إعادة.
وقال أوغان: “لم نقرر بعد من سندعم في الجولة الثانية المحتملة من الانتخابات. القوميون الأتراك والكماليون سيكونون محددو الجولة الثانية”.
وتابع: “لا نقول حاليا إننا سندعم هذا أو ذاك. لن نفعل ذلك. سنتخذ قرارا نتيجة المشاورات”.
وفي حال لم يحصل أحد من المرشحين على نسبة 50+1 من الأصوات، ستنتقل البلاد إلى جولة ثانية للمنافسة على كرسي الرئاسة، في 28 مايو الجاري.
ومن المتوقع أن تعلن “الهيئة العليا للانتخابات”، في الساعات المقبلة النتائج الأولية، على أن تقدم الطعون، صباح الاثنين، ابتداءا من الساعة الثامنة وحتى الخامسة عصرا، وصولا إلى إعلان النتائج النهائية، مساء الاثنين.
ويواصل مسؤولو كليتشدار أوغلو التأكيد على أنهم “سيفوزون بالانتخابات”، رغم أن النتائج لا تصب في صالحهم حتى الآن.
وفي المقابل، لم يعلق الرئيس التركي على ما أدلت به المعارضة حتى الآن، وبعدما قضى، الأحد، في إسطنبول، انتقل إلى أنقرة، منتصف الأحد.
ونشر إردوغان تغريدة عبر “تويتر” جاء فيها: “بينما لا يزال فرز الأصوات جاريا، فإن محاولة إعلان النتائج على عجل تعني اغتصاب الإرادة الوطنية”.
ومع ذلك، شهدت عدة مناطق في مدينة إسطنبول والعاصمة أنقرة احتفالات وحشود من قبل منصاريه، في أجواء تشي بـ”ضمان الفوز” قبل الإعلان عن الانتهاء من عملية فرز الأصوات.
“صعود لافت للقوميين”
وتوضح النتائج الأولية الخاصة بسباق البرلمان والرئاسة الصعود اللافت للقوميين على عكس التوقعات.
وزاد حزب “الحركة القومية”، حليف حزب العدالة والتنمية، أصواته في البرلمان وحجز المرتبة الثالثة كأكبر حزب يحصل على الأصوات.
كما حصل القومي الآخر مرشح “تحالف الأجداد”، سنان أوغان، على أصوات أكثر مما كان متوقعا في السباق الرئاسي.
وبات أوغان أكثر الأسماء التي تم الحديث عنها في ليلة انتخابات 14 مايو. ويبدو أن هذا السياسي القومي، الذي دخل الانتخابات كمرشح رئاسي غير حزبي، سيكون مفتاح النتائج في حال إعادة انتخابات الرئاسة في 28 من مايو الحالي.
وكان أوغان قد كشف، قبل أيام، عن استراتيجياته للجولة الثانية في بث مباشر، وكشف أيضا عن مطالب وشروط.
وفي حديثه على قناة “يوتيوب” للصحفي بهار فيزان، في 11 مايو ، قال أوغان “سنناقش مطالبنا مع الأطراف التي نجلس معها على الطاولة. بالطبع لن نكون شركاء بالمجان. ستكون لدينا مطالب مثل الوزارات”.
كما زعم أوغان أنهم سيقررون نتيجة الجولة الثانية، وأعلنوا أنهم سيتشاورون مع قواعدهم حول الاسم الذي سيدعمونه.
وفي سبتمبر 2022، أعلن أوغان ترشحه عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارة “المرشح الرئاسي المستقل للقوميين الأتراك”.
وينطلق أوغان في حملته الانتخابية تحت شعار “تلك اللحظة قادمة (أوغان قادم)، ويعد بالكثير لتركيا ما بعد الانتخابات، وعلى رأسها طرد اللاجئين السوريين، و”حل المشاكل الديمغرافية التي سببتها هجرات الشعوب الأخرى باتجاه تركيا”، حسب رأيه.
وولد أوغان، في 1 سبتمبر 1967، في بلدة مليكلي في إغدير، لأسرة تركية أذربيجانية.
وتخرج أوغان من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة مرمرة، وأكمل درجة الماجستير في نفس الجامعة.
وحصل على الدكتوراه في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية (MGIMO)، وبحسب سيرته الذاتية يتكلم اللغة الروسية المتقدمة والإنجليزية الأكاديمية.
وعمل كمساعد باحث في معهد الدراسات التركية بجامعة مرمرة، وكمحاضر ونائب عميد في جامعة أذربيجان الحكومية للاقتصاد، وله رصيد في الأوسمة، إذ حصل على “وسام الدولة” من قبل رئيس أذربيجان، عندما كان في تلك البلاد.
أسس أوغان ويترأس مركز TÜRKSAM، وله 3 كتب منشورة وأكثر من 500 مقالة، وهو عضو في مجموعات الصداقة البرلمانية بين تركيا وألبانيا وتركيا والنيجر والأمين العام لمجموعة الصداقة البرلمانية التركية الأذربيجانية.
“الجذور قومية”
وفي عام 2011، انتخب أوغان نائبا لإغدير، وهي المحافظة الوحيدة التي فاز بها “حزب الحركة القومية” في انتخابات 2011، وعلى إثر ذلك دخل البرلمان.
وأعلن ترشحه لرئاسة “حزب الحركة القومية” عام 2015، لكنه طرد بعد ذلك.
وظل يغرّد منفردا إلى أن انخرط في “حزب النصر” الذي يتزعمه، أوميت أوزداغ، بينما أعلنه الأخير بنفسه كمرشح رئاسي عن “تحالف الأجداد”، بعد تمكنه من جمع أكثر من 100 ألف توقيع، كشرط للترشح لمنصب الرئيس.
وفي الوقت الحالي لا يزال أوغان رئيس مركز “تركسام” ويواصل عمله السياسي الأخير “بما يتماشى مع المثل الأعلى للقومية التركية”.
ويصرح بأنه “لن يترك القوميين الأتراك من دون مرشح رئاسي”، وفق ما يرد في سيرته الذاتية.