لم يكن مشهد مئات آلاف الفلسطينيين عائدين لشمال قطاع غزة مشيا على الأقدام تأكيدا على تمسكهم بأرضهم وحسب ولكنه كان أيضا كسرا لمشروع الاستعمار الذي كان معدا للقطاع، برأي محللين سياسيين.

ففي مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، عاد 300 ألف نازح من وسط وجنوب قطاع غزة إلى شماله في أول يوم لانسحاب قوات الاحتلال من محور نتساريم تنفيذا لاتفاق وقف أطلاق النار.

وكان هذا المشهد دليلا على نهاية مشروع استعمار شمال القطاع الذي خطط له اليمين الإسرائيلي، كما أنه أحيا حلم العودة الكبير لكافة الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم على مدار الصراع، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى.

ووفقا لما قاله مصطفى في برنامج “مسار الأحداث”، فقد كان الإسرائيليون يتوقعون عودة عدد قليل جدا من النازحين إلى شمال غزة الذي تم تدمير كافة مقومات الحياة فيه، لكنهم صدموا بعودة مئات الآلاف بينما لم يعد سكان الغلاف إلى مستوطناتهم رغم عدم وجود أي خطر يهددهم.

كما أن تفكيك محور نتساريم وانسحاب قوات الاحتلال منه كان له وقع كبير على الإسرائيليين نظرا لما يمثله هذا المحور من قيمة بالنسبة لهم، على حد قول مصطفى.

أول عودة للفلسطينيين

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الصراع، التي يعود فيها مئات آلاف الفلسطينيين إلى بيوتهم التي خرجوا منها، كما يقول الباحث السياسي سعيد زياد.

وعكست هذه العودة -وفق مصطفى- تمسك الفلسطينيين بأرضهم على نحو يتعارض مع النظرة الإسرائيلية التي كانت تعتقد أن الفلسطينيين يمكنهم التفريط في أرضهم لو أنهم وجدوا فرصة للسفر.

ولعل هذه الصدمة هي التي دفعت الشارع الإسرائيلي للصمت عن هذه المشاهد لأنه أصبح الآن مهتما بعودة الأسرى، وهي أيضا سبب في عدم خروج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي.

ومن بين الأمور التي صدمت إسرائيل -كما يقول مصطفى- المظاهر التي أكدت منذ اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تزال قوية سياسيا بعد 15 شهرا من الحرب.

آلاف النازحين يعودون لشمال غزة مشيا على الأقدام (وكالة الأناضول)

مشهد غير متوقع

وبسبب هذه المشاهد التي لم تكن إسرائيل تتوقعها سياسيا وعسكريا واجتماعيا، لم يجد نتنياهو نفسه قادرا على الخروج والحديث اليوم، خصوصا أنه تجاوز الخطوط الإسرائيلية الحمراء المتمثلة في إطلاق سراح الأسرى والانسحاب من أرض بعد احتلالها، حسب مصطفى.

في المقابل، لا يوجد في غزة من يلوم المقاومة لما فعلته في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لأنهم يدركون أن الاحتلال وليست حماس هي المسؤولة عن قتلهم وتدمير بيوتهم ومحاولات تهجيرهم، برأي زياد.

وبغض النظر عن الخلافات السياسية بين الغزيين وحماس، إلا أن السكان مؤمنين بأن المقاومة أنجع من السلام الذي يقضم 20% من القطاع بينما التهجير يتم في الضفة الغربية من دون أي اكتراث.

وقد خلقت هذه الحرب صورة جماعية للمقاومة وللشعب الفلسطيني بينما كانت إسرائيل تصور الصراع على أنه معركة بينها وبين حماس فقط.

وقالت القناة الـ14 الإسرائيلية إن الجنود الإسرائيليين غادروا محور نتساريم (مفرق الشهداء)، الذي أقامه جيش الاحتلال ليفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب قطاع غزة، وهم يذرفون الدموع ويشعرون أن ما فعلوه لأكثر من عام بغزة “يذهب هباء”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version