القدس المحتلة- في جولة للجزيرة نت في النفق الغربي أسفل المسجد الأقصى، بالقدس المحتلة، لوحظ كثافة الرواية الإسرائيلية التي تُمرر لزواره عن المكان.
ويستخدم الاحتلال العروض الضوئية البصرية والمسموعة والفعاليات التي تحاكي بناء الهيكل المزعوم، وتبرير كل هذه الحفريات بحجة التمسك بأرض وتراث الأجداد في المكان.
وكان افتتاح مخرج للنفق في مثل هذا اليوم من عام 1996 الشرارة التي أدت إلى انطلاق ما عرفت بـ”هبة النفق”.
ويتجول عشرات اليهود والسيّاح في آن واحد داخل النفق الضخم وتجذب قاعاته الزوّار الذين يمرون في إحدى محطات جولتهم بكنيس أنشئ في قاعة واسعة، وتؤدى فيه كافة الصلوات والطقوس التوراتية، ويلاحظ أيضا وجود عدة مستويات من الحفريات التي تشعبت على مدار السنوات من أجل توسعة النفق أفقيا وعاموديا.
حفريات مستمرة
لم تتوقف الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد الأقصى منذ عام 1968، ولعل أبرز محطاتها ما نجم عنها من الهبّة الشعبية التي اندلعت عام 1996 بعد افتتاح باب للخروج من النفق الغربي لأن زوار النفق قبل ذلك العام كانوا يدخلون ويخرجون من الباب ذاته، فتم افتتاح باب استخدم كمخرج لتسهيل حركة زوار النفق ومنع اكتظاظهم في ممراته الداخلية.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 1996، خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية وانطلقت المواجهات مع افتتاح باب النفق، وامتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها وارتقى خلال المواجهات التي أطلق عليها “هبّة النفق” 63 شهيدا 32 منهم في الضفة الغربية و31 في قطاع غزة، بينما أصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.
وفي الذكرى الـ28 لاندلاع تلك الهبّة ما زالت هناك حفريات قديمة تتجدد بشكل أفقي وعامودي في محاولة للعثور على ما لم يُعثر عليه في الحفريات السابقة.
وبهذه المناسبة سألت الجزيرة نت عبد الله معروف أستاذ دراسات بيت المقدس بجامعة إسطنبول 29 مايو، ومسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى، عن عدد الأنفاق والحفريات التي تطوق المسجد من الأسفل.
حفريات لا حصر لها
وقال معروف إن هناك عددا كبيرا من الحفريات والأنفاق التي حفرت على مدار 56 عاما أسفل المسجد وحوله يصعب حصرها، لكن يمكن القول إن هذه الأنفاق تمتد تحت أسوار المسجد كافة ولعل أطولها وأكثرها شهرة هو نفق “الحشمونائيم” الذي افتتح بابه عام 1996 والذي أدى لاندلاع هبّة النفق آنذاك.
وأضاف أن هذه الأنفاق تستخدم حاليا لخلق فضاء تحتي أسفل المسجد بحيث يستعمل هذا الفضاء لتثبيت الرواية الصهيونية حول تاريخ الأقصى، إضافة لكون هذا الفضاء تعبديا تقام فيه الطقوس الدينية للجماعات المتطرفة أسفل المسجد.
وبالتالي فإن هذه الأنفاق تخدم هدفا أكبر من مجرد زعزعة استقرار المسجد كما كان يقال عنها سابقا، فهي تسهم فعليا في إقامة شعائر دينية معينة في محيطه وأسفله، ونحن نعلم أن كل ما أسفل المسجد هو جزء منه وبالتالي تخترق الأنفاق جزءا من الأقصى، وفق معروف.
وأشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أن الحفريات نفسها ليست الخطر الأكبر، وإنما هي نتيجة للخطر الأكبر الذي يحيط بالأقصى وحل به فعليا عام 1967 وهو الاحتلال نفسه.
فرض السيادة
وعن أسباب استمرار المس الخطير بالوضع القائم بالمسجد أكد معروف أن سلطات الاحتلال لم تعد تحفل به أبدا، وتعتبر أنه ينبغي إنهاؤه تماما والانتقال لمرحلة جديدة عنوانها فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الأقصى.
وتابع أنه بالإضافة لعدم التفات إسرائيل للوضع القائم بشكل عام فإن أتباع تيار الصهيونية الدينية الذي يسيطر حاليا على وزارة الأمن القومي بزعامة إيتمار بن غفير ووزارة المالية بزعامة بتسلئيل سموتريتش، لا يؤمن أصلا بالوضع القائم، وبما أن هذه الجماعات أصبحت تسيطر وتملك القدرة على تغيير الحكومة الإسرائيلية والتحكم بمسارها، فهي رأت أن هذه الفرصة مناسبة وذهبية لتغيير الوضع القائم بالكامل وفرض رؤيتها بالمسجد الأقصى.
ومن ناحية أخرى أشار مسؤول الإعلام السابق في الأقصى، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يحفل هو الآخر كثيرا بالوضع القائم، لأن الأولوية بالنسبة إليه استمرار حكومته وثباتها وهذا يعني تسليمه الأمور بالكامل لجماعات المعبد المتطرفة التي يمثلها تيار الصهيونية الدينية في الحكومة الإسرائيلية.
وفي إجابته على سؤال عن كيفية نصرة الأقصى وإيقاف الانتهاكات الإسرائيلية في ساحاته وأسفلها، قال معروف إن المسجد يحتاج أولا لإنهاء المشكلة الأساسية فيه وهي الاحتلال، لأن احتلاله هو الأصل في كافة المشكلات والحل الجذري هو تحريره.
واجب عربي وإسلامي
ويتابع “إضافة لذلك فإن العمل يوميا شعبيا ورسميا على منع هذه الاعتداءات الدائمة وإعادة الردع الشعبي للمسجد واجب على جميع الشعوب العربية والإسلامية وليس فقط الشعب الفلسطيني، وأهل القدس بالذات هم الحاضنة الأولى وخط الدفاع الأول عنه وينبغي عليهم أن يعملوا للحفاظ عليه لأن هذا هو واجب الوقت الأول الذي لا يمكن لأحد أن يكون بديلا عنهم فيه”.
ولم يغفل الأكاديمي معروف في ختام حديثه التطرق إلى أهمية كشف وفضح الانتهاكات الإسرائيلية اليومية في المسجد، وعرضها على العالم كله مما يسهم في خلق الردع الداخلي النفسي في حكومة الاحتلال.
وفي حديث سابق للجزيرة نت تطرق الباحث في تاريخ القدس إيهاب الجلاد لمعالم الأقصى التي تضررت بسبب الحفريات، وأبرزها معالم المنطقة الغربية من المسجد بدءا من أساسات المتحف الإسلامي والمدرسة العثمانية التي سلبت بئرها وأصبحت جزءا من النفق الغربي، بالإضافة لرباط الكُرد الذي تشققت أرضيته وأقواسه ودعاماته، ولم تسلم المدرسة التنكزية أيضا من التشققات.