غزة- “القتل والتجهيل والتهجير”، يتفق مسؤول حكومي وخبير حقوقي على هذه الأهداف الثلاثة في تفسيرهما لاستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للمدارس في قطاع غزة، التي تحولت إلى مراكز إيواء تؤوي مئات آلاف الفلسطينيين غالبيتهم من النساء والأطفال.
وبحثا عن الأمان وهربا من حمم نيران الاحتلال، لجأت أُسر غزية لمدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومدارس حكومية وخاصة، بعدما أُجبروا على النزوح ومغادرة منازلهم مرارا جراء الحرب الدائرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وشهدت الأيام القليلة الماضية ارتكاب الاحتلال مجازر مروعة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، جلهم من النساء والأطفال، باستهداف مدارس مأهولة بالنازحين في مدينة غزة، وسبقتها مجازر مماثلة طالت مدارس في مخيم النصيرات للاجئين وشرق مدينة خان يونس وسط القطاع وجنوبه.
واقع مرير
وبحسب توثيق “المكتب الإعلامي الحكومي” و”الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني”، فإن الاحتلال استهدف 172 مركز إيواء منذ اندلاع الحرب، من بينها 152 مدرسة تابعة للأونروا، وحكومية وخاصة، مأهولة بالنازحين، وقد تجاوز عدد الشهداء من النازحين داخلها أكثر من 1040 شهيدا.
وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن الحرب تسببت في تشريد زهاء مليوني فلسطيني يمثلون 90% من سكان القطاع الساحلي الصغير المقدر تعدادهم بنحو 2.2 مليون نسمة، وقد لجأ مئات آلاف النازحين إلى المدارس، التي تحولت لمراكز إيواء مكتظة و”بائسة” تفتقر للخدمات الأساسية وتنتشر بها الأمراض.
ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة -للجزيرة نت- إن الواقع المرير للنازحين في المدارس والمرافق العامة والخيام، وانتشار الأمراض بفعل الاكتظاظ وانهيار الخدمات الصحية، تسبب في مضاعفة أعداد الوفيات الطبيعية 6 مرات عما كان عليه قبل اندلاع الحرب.
وأضاف أن شهور الحرب العشرة الماضية شهدت 9 آلاف حالة وفاة، فضلا عن تسجيل مليون و800 ألف إصابة بأمراض مختلفة نتيجة ظروف الحرب والنزوح.
واستنادا لتوثيق المكتب، فإن الاحتلال تعمد تدمير 15 قطاعا حيويا، من بينها التعليم، ويوضح الثوابتة أن الاحتلال دمر بشكل ممنهج 117 مدرسة وجامعة تدميرا كليا، و332 مدرسة وجامعة تدميرا جزئيا، إلى جانب قتل 500 معلم ومدير مدرسة، و100 عالم وباحث وأستاذ جامعي، و9 آلاف طالب مدرسة وجامعة.
سياسة ممنهجة
يقول رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي -للجزيرة نت- إن الاحتلال ارتكب خلال الحرب أكثر من 4650 مجزرة بحق المدنيين، الذين “تعمد” قتل غالبيتهم داخل منازلهم ومراكز الإيواء في المدارس والمستشفيات.
ونتيجة لهذه المجازر، استشهد قرابة 50 ألف فلسطيني (نحو 40 ألف شهيد، و10 آلاف مفقود جلهم تحت الأنقاض)، وجُرح أكثر من 91 ألفا، ويقدر عبد العاطي أن 70% من بين الشهداء والجرحى هم من أطفال ونساء، ومن بينهم 500 من الأطقم الطبية.
منهم أيضا 200 شهيد من موظفي الأونروا، و165 صحفيا، و600 من المعلمين والأكاديميين، و89 من طواقم الدفاع المدني، و140 من المحامين ونشطاء حقوق الإنسان، ومئات الشهداء من الفنانين والكتاب والرياضيين.
ويضع عبد العاطي قصف النازحين البسطاء الذين يعصف بهم الجوع والأمراض داخل مراكز الإيواء في مدارس تتبع بغالبيتها للأونروا، ومحمية بموجب القوانين الدولية، في سياق سياسة إسرائيلية تهدف إلى جعل غزة غير قابلة للحياة. ويوضح أن قوات الاحتلال دمرت خلال الحرب 85% من المنازل والممتلكات والأعيان المدنية والبنية التحتية، من ضمنها التعليمية.
ويتفق معه الثوابتة، ويعتقد أن الاحتلال ينتهج “خطة مدبرة ومخططة بهدف القتل وإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا المدنيين”، عبر تركيز استهداف مراكز الإيواء وتجمعات المدنيين في المدارس وساحات المستشفيات والخيام. ويؤكد أن هذا يثبت -مرة تلو الأخرى- أن “قطاع غزة بأكمله تحت النيران ولا يوجد به مكان آمن”.
ووفقا لهما، فإن إسرائيل تسعى من وراء استهداف المدارس وتدميرها إلى “التجهيل والتهجير”، وهي بذلك ماضية في جريمة الإبادة الجماعية ضمن إستراتيجية باتت واضحة هدفها “تدمير كل سبل الحياة في غزة”، ومن بينها قطاع التعليم.
وقد حرمت الحرب 800 ألف طالب وطالبة من التعليم، من بينهم 39 ألفا فاتتهم امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) المؤهلة للالتحاق بالجامعات.
أهداف سياسية
وبرأي مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، فإن إسرائيل ترتكب المجازر وتستهدف كل سبل الحياة في غزة، ومنها مدارس ومستشفيات، في سياق “الضغوط العسكرية لتحقيق أهداف سياسية”.
ولتحقيق ذلك، يقول الثوابتة إن الاحتلال يستخدم “ورقة المدنيين” بالقتل وإجبارهم على النزوح المتكرر في ظروف خطرة وقاسية، إضافة إلى خنقهم بالحصار المطبق وتجويعهم وتعطيشهم، “وهي جرائم مرفوضة بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
وتندرج جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال على مدار الشهور العشرة الماضية ضمن “خطة ممنهجة”، بحسب وصف الثوابتة، وهدفها “قتل الفلسطيني بالصواريخ والقذائف والأمراض، وتجهيله وتهجيره”.
ويقدر المكتب الإعلامي الحكومي الخسائر الأولية المباشرة جراء الدمار الذي طاول مناحي الحياة في غزة بنحو 33 مليار دولار حتى اللحظة، إضافة إلى عشرات مليارات الدولارات كخسائر غير مباشرة.
وقال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني إن “دولة الاحتلال تمارس جرائم الإبادة بتصاعد مستمر في إصرار منها على إهلاك وإبادة سكان قطاع غزة، وتهجيرهم قسرا إلى خارجه وحرمانهم من حقوقهم الوطنية المشروعة”.