بغداد- لم يتوقع أكثر المتشائمين أن يصبح العراق واحدا من مناطق انتشار وتجارة وتعاطي المخدرات في وقت كان فيه من البلدان القليلة البعيدة نسبيا عن هذا الخطر.
واصطفت اليوم تلك الآفة جنبا إلى جنب “الإرهاب” كي يصبحا آلة للقتل وتمزيق فئات مختلفة من المواطنين من دون تمييز، رغم الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لمطاردة واستئصال تلك الآفة والمتعاملين معها، وآخرها تفكيك 25 شبكة دولية لتجارة المخدرات وإصدار 30 حكما بالإعدام والسجن.
وفي مايو/أيار الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها “تهديد إرهابي”، مشيرا إلى أنها “وضعت إستراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات”.
تحرك أمني
وغالبا ما تعلن بغداد ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة، أبرزها الكبتاغون الذي يتمّ تهريبه بشكل أساسي من سوريا “التي باتت المصدر الرئيس لتصنيع تلك الحبوب المخدرة”.
وشهد النصف الأول من العام الحالي اعتقال أكثر من 6 آلاف متورط بجرائم ترتبط بالمخدرات بين تجار ومتعاطين، وضبط 10 أطنان من المخدرات والمؤثرات العقلية، وفقا لإحصائيات المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الداخلية العراقية.
وفي بيان لها الخميس، أعلنت المديرية أن محاكم الجنايات أصدرت حكم الإعدام بحق 13 متهما بتجارة المخدرات والسجن المؤبد ضد 17 آخرين.
من جانبه، كشف رئيس “لجنة إتلاف المخدرات والمؤثرات العقلية” القاضي صهيب دحام المعاضيدي، الخميس، عن إتلاف 226 كيلوغراما و744 غراما من المواد المخدرة المختلفة، و340 قرصا من مادة “أمفيتامين” المضبوطة وفق محاضر قانونية، وتم تخزينها بالتنسيق مع وزارة الصحة بالغرف الحصينة في الطب العدلي بالعاصمة بغداد.
أسباب
وأشار رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي إلى جملة من الأسباب التي تقف خلف رواج تجارة المخدرات في البلاد، داعيا إلى تعديل جميع القوانين التي تتصدى لهذه الظاهرة “المخيفة”.
ومن هذه الأسباب، يقول للجزيرة نت، ضعف التوعية والرادع الديني وما يتعلق بالظروف الاقتصادية والبطالة، والاستهداف الممنهج من عصابات الجريمة المنظمة تجاه الشباب، والاستخدام السيئ للإنترنت.
وتابع أن العنف داخل الأُسر، والتراكمات الحاصلة نتيجة الحروب، والسلوك الجمعي، ومظاهر تقليد أصدقاء السوء والتأثر المباشر بالإعلام ومواقع التواصل والسلوكيات غير النمطية، جميعها قد تؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات.
وحسب المتحدث، تحول العراق -خلال الفترة الأخيرة- من كونه طريقا لمرور المخدرات إلى ساحة رائجة لتجارتها، كما استُهدف -برأيه- لعدة أسباب أهمها موقعه الجغرافي ووجود ممرات هشة تستخدمها عصابات الجريمة الدولية لتهريب المخدرات، مما يهدد المجتمع العراقي.
ويشير إلى وجود حاجة عاجلة إلى معالجة الخلل عبر تعديلات جوهرية للقوانين المتعلقة بالمخدرات، وإيجاد معالجات واقعية والتعامل مع المتعاطين على أنهم مرضى وضحايا وليسوا مجرمين وتحويلهم إلى مؤسسات تأهيلية قادرة على معالجتهم.
وقُدرت أعداد الموقوفين بتهمة حيازة وتجارة المخدرات في إحصائيات عام 2023 بـ14 ألفا، في حين بلغ عددهم 17 ألفا سنة 2022، حسب آخر إحصائية رسمية أُعلنت نهاية العام الماضي بشأن أعداد المعتقلين بتهمة المخدرات والكميات المضبوطة منها.
كما تم خلال العام نفسه ضبط 360 كيلوغراما من المواد المخدرة و14 مليون حبة مخدرة، في حين تتراوح أعمار أكثر المتعاطين بين 15 و30 عاما، وفق المصدر نفسه.
الكبتاغون والكريستال
كما أشارت إحصائيات دولية إلى أن أكثر المخدرات تعاطيا في العراق تنوعت بين حبوب الكبتاغون، والكريستال، وأنواع أخرى.
وحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة، فإن السلطات العراقية صادرت عام 2023 رقما قياسيا بلغ 24 مليون قرص كبتاغون تقدَّر قيمتها بين 84 مليون دولار و144 مليونا حسب سعر الجملة.
وأشار إلى أن مضبوطات هذه المادة زادت بنحو 3 أضعاف بين سنتي 2022 و2023، لافتا إلى أن المضبوطات العام الماضي “أعلى بمقدار 34 مرة” من المسجلة في 2019.
وأفادت الخبيرة في علوم الأدلة الجنائية زينب ساطع البيروتي بأن عدد الموقوفين بقضايا المخدرات -وحسب إحصائيات رسمية للداخلية- بلغ 12 ألف شخص بينهم 4500 تاجر ومروّج، والبقية من المتعاطين أو ناقلي وحاملي كميات من المواد المخدرة.
وفي تصريحها للجزيرة نت، أوضحت أن المخدرات الأكثر انتشارا تكون من التي تنشّط الجهاز العصبي المركزي وهي الكريستال وحبوب الكبتاغون، مضيفة أن مادتي الكريستال والحشيشة تنتشران بالمحافظات الجنوبية، أما الكبتاغون فينتشر بالمحافظات الغربية والشمالية.
وتسبب هذه المواد المخدرة التسمم العصبي، ويبدأ مفعولها بعد 20 دقيقة في حال تناول جرعتها عبر الفم، وبعد نصف دقيقة في حال استخدامها في صورة حُقن، وهي تُعتبر من النوعيات الخطيرة كونها تسبب الإدمان من الجرعة الأولى، وفق البيروتي.
وتحدثت الخبيرة عن وجود 7 مشافي، 3 في بغداد والبقية في بابل والأنبار وذي قار والبصرة، ونصحت المدمنين بالذهاب إليها للعلاج على اعتبار أن المادة 40 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2017 “أسقطت أي عقوبات على من يسلّم نفسه للعلاج من المخدرات بغية العلاج والتأهيل”.