علمت صحيفة “أفريكا ريبورت” أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وجهت دعوة رسمية لزعيم الانقلاب في الغابون، بريس أوليغي نغيما، لزيارة واشنطن لمناقشة استعادة الحكم المدني في البلاد. وينظر الأميركيون إلى التركيز على المحادثات مع الغابون، على أنها قد تكون نموذجًا للدول الأخرى في منطقة الساحل، التي شهدت انقلابات، للعودة إلى الحكم المدني.
وقد وجه الدعوة كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية، خلال رحلته إلى الغابون وغانا والسنغال الشهر الماضي. في ليبرفيل، التقى كامبل بالجنرال نغيما وأعضاء آخرين من الحكومة الانتقالية وكذلك زعماء المجتمع المدني لمناقشة الانتقال السياسي في البلاد.
وقالت مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، لصحيفة “أفريكا ريبورت” إن “الهدف الأساسي هو مناقشة علاقتنا الثنائية وكيفية المضي قدمًا بها، ومعالجة المصالح المشتركة. التفاصيل لا تزال قيد العمل، لكننا ناقشنا ذلك كخيار إيجابي للطرفين”.
الخطة الأميركية هي استضافة نغيما بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، مع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وأكد مسؤول غابوني أن “الزيارة قيد الدراسة بالتأكيد”، مشيرًا إلى أن “الاجتماع مع نائب وزير الخارجية، كامبل، كان مثمرًا جدًّا”.
بينما يأمل بعض المراقبين في الولايات المتحدة، أن تكون المحادثات الناجحة مع نغيما نموذجًا للتعامل مع انقلابيين آخرين، خصوصًا في منطقة الساحل.
في الفترة الأخيرة، شهدت بوركينا فاسو وتشاد وغينيا ومالي والنيجر جميعًا انتقالات غير ديمقراطية للسلطة.
وقال جوزيف ساني، نائب رئيس مركز أفريقيا في معهد السلام الأميركي بواشنطن “تحوُّل الاجتماع إلى نموذج للتعامل مع باقي الدول هو شيء بعيد المنال حاليًا، لكن أعتقد أنه يظهر أن الولايات المتحدة يمكن أن تتعامل بمسؤولية مع السلطات الانتقالية في تلك الدول، بطريقة تسمح باستكشاف مسارات جديدة”.
وأضاف “سيعتمد ذلك، بطبيعة الحال، على أجندات المجالس العسكرية المختلفة ومدى رغبتها في التعامل مع الولايات المتحدة” مشيرا إلى أن الزيارة تظهر أن العلاقات الدبلوماسية ليست ميتة، وأن هناك طريقا يمكن اعتماده، لكن يجب أن تكون هذه الدول مستعدة للتعامل مع الولايات المتحدة، دون أن تجبر على ذلك على حد تعبيره.
بحسب مولي في، فإن دعوة نغيما “يمكن أن تكون نموذجًا للدول الأخرى، لكن تلك الدول عليها أن تقرر بنفسها المسار الذي ستتخذه”.
تحسن العلاقات بعد الانقلاب
أطاح نغيما بعائلة بونغو التي حكمت لمدة 56 عامًا في أغسطس/آب 2023 بعد انتخابات مزورة أعلن على إثرها فوز الرئيس علي بونغو. وعلى الرغم من محاولاتها لتأطير التدخل العسكري على أنه “انقلاب من أجل الحرية للإطاحة بزعيم مستبد مدعوم من الغرب”، سارعت الولايات المتحدة إلى تعليق مساعدات خارجية بما يتماشى مع القيود المفروضة من الكونغرس ضد الانقلابات.
كما جردت الولايات المتحدة الغابون من حق الوصول المعفي من الرسوم الجمركية إلى السوق الأميركية بموجب قانون النمو والفرص الأفريقي (آغوا).
وشهدت العلاقات تحسنًا تدريجيًا في الأشهر الأخيرة، حيث تواصل الغابون المضي قدمًا في خطط الانتقال إلى الحكم المدني، واستضافت البلاد حوارًا وطنيًا وتعمل على صياغة دستور جديد.
وعلى عكس دول أفريقية أخرى شهدت انقلابات واتجهت نحو روسيا وطردت القوات الغربية، تبرز الغابون بجهودها لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة والقوة الاستعمارية السابقة فرنسا، وكلا البلدين حريصان على تعويض خسارة نفوذهما في غرب أفريقيا.
ورغم خفض حضورها العسكري في البلاد، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجنرال نغيما في قصر الإليزيه مع مراسم عسكرية في نهاية زيارة استمرت 6 أيام في أواخر مايو/أيار، وأوائل يونيو الماضيين.
وقال ساني “نغيما اختار مقاربة مختلفة لإصلاح العلاقة مع القوة الاستعمارية، فرنسا، ومع الولايات المتحدة، بطريقة أكثر بنائية وأقل تصادمية”، وأضاف أن “هذا يظهر مرة أخرى استعداد نغيما لاستكشاف طرق مختلفة للتعامل”.
تعزيز الشراكة
استجابت الولايات المتحدة لمقاربة الغابون في مايو/أيار الماضي، عندما أرسلت البحرية الأميركية سفينتها الوحيدة المخصصة بشكل دائم لقيادة أفريقيا الأميركية (أفريكوم) إلى ليبرفيل للمشاركة في مناورة بحرية متعددة الجنسيات، “أوبانغام إكسبريس 2024”.
وشاركت في المناورة بنين وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغانا وغينيا وليبيريا ونيجيريا وجمهورية الكونغو وسيراليون وتوغو – لكن ليس الغابون. وقالت البحرية الأميركية آنذاك، إن “هذه الزيارة للميناء، كجزء من المناورة، تعزز الشراكة الأميركية الغابونية بينما تعمل الدولتان معًا من أجل خليج غينيا وغرب أفريقيا مستقر وآمن ومزدهر”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في بيان في 16 يوليو/تموز “تلقى كامبل تحديثًا حول الانتقال الديمقراطي في الغابون وأكد التزام الولايات المتحدة بدعم جهود الغابون لتنفيذ عملية سياسية شاملة وشفافة تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة”.
وأضاف “اتفق المسؤولان على اتخاذ خطوات ملموسة لتعميق وتوسيع العلاقة الثنائية على أساس الأولويات المشتركة، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأمن البحري والحدودي، والحفاظ على البيئة والتعاون الأمني”.