لندن– بمجرد الإعلان عن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأميركية، عاد هاجس العلاقات الأوروبية الأميركية ليخيم على مراكز القرار في القارة العجوز، التي لا تحتفظ بالكثير من الذكريات الجيدة مع ترامب خلال ولايته الرئاسية السابقة.
ولا تَخفى حالة التوجس من فوز ترامب من خلال سلسلة تغريدات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن مباشرة بعد إعلان فوز ترامب، أنه اتصل بالمستشار الألماني أولاف شولتس من أجل التباحث في موضوع التعاون الأوروبي، قبل أن يعلن ماكرون أن أوروبا بحاجة للبحث عن طرق لتحقيق مصالحها المشتركة والاعتماد على نفسها.
ويعلم الأوروبيون أن ترامب لم يغير موقفه بخصوص إصراره على ضرورة دفعهم للمزيد من الأموال مقابل استمرار واشنطن في توفير الدعم العسكري داخل القارة الأوروبية، فضلا عن سياسته الحمائية ونيته رفع الرسوم الجمركية على البضائع القادمة من أوروبا.
ويبقى ملف الحرب الأوكرانية من الملفات التي قد تشعل الخلافات بين الأوروبيين وإدارة ترامب، الراغبة في إنهاء الحرب لكن دون تقديم تفاصيل عن طريقة إنهائها، ويريد الأوروبيون ألا يكون وقف الحرب على حساب أمنهم القومي.
لا داعي للذعر
يدعو مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الدول الأوروبية إلى عدم الوقوع في فخين كبيرين، وهما الذعر المبالغ فيه وحالة الإنكار والتجاهل، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية الأكثر اهتماما بأمنها وملفها الدفاعي سوف تصاب بالذعر وتُسارع بالذهاب إلى واشنطن لمحاولة عقد صفقات ثنائية خاصة بعيدا عن التنسيق الأوروبي.
وقال الخبير الأوروبي وعضو مركز “هنري كيسنجر” للجزيرة نت، إنه من المهم “أن يبقى الأوروبيون هادئين وأن يستخدموا الأسابيع القليلة المقبلة للاتفاق على مصالحهم المشتركة في مجال الأمن وأوكرانيا والتجارة، والعمل على كيفية الدفاع عنها خلال التفاوض مع الولايات المتحدة”.
وأكد الخبير أن على الأوروبيين الوصول إلى قناعة مفادها أنه “إن كان لزاما فيجب أن نعتمد على أنفسنا في مجال الدفاع وسيكون المفتاح هو حماية أنفسنا من الضغوط الاقتصادية أو الأمنية من خلال التفكير والعمل المشترك، وتحتاج أوروبا إلى تعلم كيفية الدفاع عن نفسها بأقل قدر من المساعدة من أميركا”.
ولفت مارك ليونارد إلى أن فوز ترامب سوف يغير تماما سياق العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، حيث “سيكون على بروكسل الآن العمل لتقديم عرض كبير وجريء للمملكة المتحدة لبناء شراكة جديدة، وفي المقابل يجب أن يرقى كير ستارمر لمستوى اللحظة ويسعى لبناء مشروع أوروبي قوي وأكثر اتحادا، وعليه أن يضع ورقة الردع النووي في خدمة الأمن الجماعي الأوروبي”.
تحديات غير مسبوقة
من جهتها، تقرّ سيليا بلين، الخبيرة في العلاقات الأوروبية الأميركية في معهد “بروكينغز” أن الولايات المتحدة بقيادة ترامب ستفرض تحديات غير مسبوقة على أوروبا بشأن مجموعة كبيرة من القضايا العالمية، مثل أوكرانيا، وحلف شمال الأطلسي، والصين، والتجارة العالمية، والمناخ.
وقالت الخبيرة، في حديث مع الجزيرة نت، إن أوكرانيا “ستكون أول اختبار حقيقي للطرفين، فكما وعد ترامب ناخبيه بإنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة، سيتعين على الأوروبيين اتخاذ قرارات بشأن ما إذا كانوا سيشاركون في المفاوضات، وما النتيجة المقبولة”.
لكنها لفتت إلى أنه “في وقت طرح فيه نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس أفكار الحياد لأوكرانيا والاعتراف بالمكاسب الإقليمية لروسيا، يتعين علينا أن نتوقع انقسامات عميقة بين الأوروبيين”.
وقالت الخبيرة الأوروبية التي سبق أن عملت مستشارة لدى الخارجية الفرنسية، إن السياسة الخارجية لترامب غير منتظمة ويصعب التنبؤ بها، “وسيعمل داخل نظام معقد في حزبه وسيتعين عليه التعامل مع عقائد مختلفة للسياسة الخارجية، فهناك العنصريون الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تحافظ على سياسة خارجية مهيمنة، وهناك الذين يريدون من الولايات المتحدة أن تركز على القضايا الداخلية”.
وفي الوقت نفسه، هناك معسكران صاعدان من “أصحاب الأولويات” الذين يريدون من الولايات المتحدة التركيز على الصين. والمعسكران الأخيران، بحسب بلين، “هما الأكثر نفوذا في فلك ترامب، ومنظورهما هو أن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن أولوية أوروبا وتنفصل عن تحالفاتها التقليدية”.
وتضيف الخبيرة الأوروبية أنه في ظل هذه الظروف، ليس أمام أوروبا خيار آخر سوى إعداد استجابة موحدة وقوية بشكل جماعي.
وقالت إنه يتعين على القادة الأوروبيين تجنب إغراء المعاملات الثنائية، التي من شأنها أن تضعف قوة الدول الأوروبية وبدلًا من ذلك، يتعين عليهم بناء رسالة منسقة لتقديمها إلى واشنطن. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضع إستراتيجية للتعامل مع الولايات المتحدة”.