طهران- بانتظار ساعة الصفر، ينادي طيف من الإيرانيين باستغلال القنوات الدبلوماسية وعدم الوقوع بالفخ الذي خطط له “الكيان الصهيوني” باغتياله رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، في حين تتعالى أصوات غالبية المسؤولين بضرورة “تقليم أظافر العدو لانتهاكه سيادة البلاد”.

ومنذ لحظة اغتيال هنية، وجه الإيرانيون أصابع الاتهام نحو “العدو الإسرائيلي” وتوعدوا بالثأر للضيف الفلسطيني، رافضين جميع الرسائل والوساطات التي تقوم بها دول غربية وشرقية وإقليمية.

وقد يجمع المتابعون للشأن الإيراني أنه لا تراجع عن الوعد الذي قطعه المرشد الإيراني علي خامنئي بالثأر لدماء هنية “لأن الاغتيال وقع على الأراضي الإيرانية”، مما يرجح كفة “الميدان” على حساب “الدبلوماسية الغربية” الرامية لثني طهران عن تنفيذ انتقامها، بيد أن مدى تأثير هذه السياسة على طبيعة الانتقام يبقى محل نقاش في الأوساط الإيرانية.

الكلمة للميدان

يعتقد العضو البارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني والقيادي في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل كوثري أن مغامرة إسرائيل باغتيال هنية في قلب طهران “قربت ساعة الصفر في المنطقة” وأنه لا تراجع عن القرار الذي اتخذه محور المقاومة بالثأر.

ويعتبر الجنرال كوثري في حديثه للجزيرة نت أن التحركات الدبلوماسية الغربية والشرقية لمحاولة التأثير على قرار طهران تنبع من إيمان المجتمع الدولي بقدرة إيران وحلفائها على الرد القاطع، مؤكدا أن بلاده هي أول من “فعّلت الدبلوماسية لتعبيد الطريق أمام الميدان ومساندته للقيام بواجب الانتقام”.

ورأى أن الميدان يمتلك اليد العليا في صد التهديدات وضمان المصالح الوطنية الإيرانية، وأنه يشكل محركا قويا لدفع الدبلوماسية إلى الأمام، مؤكدا أنه كان الأحرى بالأطراف التي تقود حملة وساطات هذه الأيام بذريعة خفض التوتر أن تضع حدا للمجازر الصهيونية.

وخلص كوثري إلى أنه “لا كلام يعلو على الميدان في التوقيت الراهن”، وأن الرد الإيراني آت لا محالة، مستدركا أن بلاده “لم ولن تستعجل الرد ولا أحد يعرف طبيعة الانتقام وتوقيته”، لكنها لن تضبط الساعة إلا وفق توقيتها وحساباتها وبالتأكيد ستجعل تل أبيب تندم على فعلتها.

إيران مصرة على الرد على جريمة الاغتيال بحكم أنها استهدفت ضيفا دبلوماسيا على أراضيها حسب ما يرى محللون (رويترز)

دور الدبلوماسية

من جهة أخرى، يشير العضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني نوذر شفيعي إلى أن بلاده تتصرف دائما بحكمة، وترتب أوراقها قبل الإقدام على أي خطوة، وترسم خططا بديلة للتعامل مع شتى السيناريوهات، مؤكدا أن “طهران لن تسمح للصهيونية بجني ما زرعته جراء اغتيال هنية”.

وبرأي شفيعي، فإنه لا بد من الرد على “اغتيال الضيف الذي قصد الجمهورية الإسلامية بجواز سفر دبلوماسي”، لأن عدم تنفيذ التهديد سوف يعني تراجع قدرة الردع، ويفتح الباب على مصراعيه للأعداء لاستباحة السيادة الوطنية، محذرا في حديثه للجزيرة نت من تحوّل العملية إلى حرب شاملة بالمنطقة.

وتابع أن بلاده لم تغلق الباب بوجه الوساطات الدولية الرامية لخفض التوتر، لكنها توظّف دبلوماسيتها -في الوقت ذاته- للدفاع عن سيادتها من جهة، والحيلولة دون الوقوع في الفخ الذي نصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لاستدراج إيران إلى حرب مع حلفاء تل أبيب، ظنا منه أنها ستنقذه من مستنقع غزة.

وخلص البرلماني السابق إلى أن نتنياهو يعيش حالة ارتباك وتخبط منذ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، “ويكاد يجن جنونه من خطاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وعزمه حلحلة القضايا الشائكة مع القوى الغربية”، مما جعله يقدم على اغتيال هنية، لإفشال سياسة الحكومة الإيرانية الجديدة، “لكنه لن يظفر بذلك”.

“غلطة الاغتيال”

من ناحيته، يرى السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا، عبد الرضا فرجي راد، في التنافس الجيوسياسي بين إيران وإسرائيل عاملا أساسيا في تحديد طبيعة الرد الإيراني وحجمه، مؤكدا أن قوة الردع تشكّل اليد العليا في التنافس بين الجانبين، وأن تقويضها لدى الآخر كفيل بخسارته المنافسة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح فرجي راد أن اغتيال هنية قد زعزع حالة الردع الإيرانية، مما يجعل استعادتها ووضع قواعد اشتباك جديدة أولوية لطهران، ذلك أن التطورات الإقليمية قد زادت مؤخرا من حدة التنافس المتواصل منذ عقود بينهما.

ويعتقد أنه خلافا لما يشاع في وسائل الإعلام عن الرد الإيراني للثأر لدماء هنية، فإن طبيعته وحجمه يختلف تماما عن عملية الوعد الصادق السابقة، وأن طهران تتعمد نهج سياسة غامضة بشأن الرد من داخل أراضيها أو خارجها، وعما إذا كانت ترد بمفردها أو بمساعدة الحلفاء في محور المقاومة، ولا أحد يعرف شيئا عن الفترة الزمنية المحددة.

ويضيف فرجي راد أن بلاده لا تخشى تعزيز التحشيد الغربي للدفاع عن إسرائيل بسبب تأخير الرد، لأنه سيكون مدروسا ويأخذ جميع الجوانب والسيناريوهات بعين الاعتبار، مستبعدا أن تتحول العملية الانتقامية إلى حرب شاملة، بسبب التنسيق بين الدبلوماسية والميدان في إيران.

ولدى إشارته إلى وجود عدد من بؤر التوتر في بعض مناطق العالم، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين والإقليميين الذين يحشدون هذه الأيام أساطيلهم الجوية والبحرية لصد الهجوم الإيراني، سيجدون أنفسهم أمام واقع جديد يحتم عليهم العزف على وتر التهدئة، والوقوف أمام إسرائيل لثنيها عن القيام برد متقابل.

وتحرص إيران على استخدام مصطلح “الرد على انتهاك السيادة” انطلاقا من عقيدتها العسكرية التي تتبنى عنصر “الضربة الثانية”، لكن رغم ذلك فإنها ترى “رياح غلطة الاغتيال مواتية وتصب في مصلحة الميدان”، إثر استنزاف الطاقات الإسرائيلية بسبب عدوانها المتواصل منذ 10 أشهر على غزة، وضغط الرأي العام العالمي على الأوساط السياسية والدولية لوضع حد للمجازر هناك.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version