مع مرور نحو 10 أشهر على العدوان الإسرائيلي على غزة وفي ظل تفاقم عمليات القتل والتدمير والاغتيالات ومحاولات التهجير وفي الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى يبقى السؤال عن “اليوم التالي” أو ما بعد الحرب هو الشغل الشاغل لجميع الأطراف.
وفي هذا الشأن، نشر موقع فورين أفيرز الأميركي مقالا مطولا للكاتب دانييل بايمان الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون وزميل أول في برنامج الحرب والتهديدات غير النظامية والإرهاب في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية.
يرى بايمان أنه عندما تنتهي الحرب المدمرة في قطاع غزة ستكون هناك حاجة لمن يتولى إدارة القطاع الذي توالت عليه سطات عدة، ففي عام 1967احتلت إسرائيل مدينة غزة حتى عام 1994، وبناء على مفاوضات أوسلو نقلت السيطرة الرسمية إلى السلطة الفلسطينية على الرغم من أن إسرائيل حافظت على 21 مستوطنة هناك حتى عام 2005.
وفي عام 2006 فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وفي 2007 سيطرت الحركة على غزة وحكمت القطاع رغم العديد من القيود الإسرائيلية حتى فجر 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى هاجمت إسرائيل القطاع وتوغلت فيه ردا على “طوفان الأقصى”.
وعندما يتوقف إطلاق النار سيبقى قطاع غزة أرضا قاحلة، فحتى منتصف يوليو/تموز قُتل أكثر من 38 ألفا من السكان ونزح نحو 1.9 مليون، أي نحو 80%، ودُمر أو تضرر قرابة 80% من البنية التحتية لمدينة غزة، وفقا لإحصاءات رسمية دولية.
ويشير بايمان إلى أنه وإن كان الاقتصاد في قطاع غزة راكدا قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي فاليوم لا يوجد ما يمكن الحديث عنه، وسيكون السكان أكثر اعتمادا على المساعدات الخارجية عن ذي قبل، وسيكون من الصعب إصلاح هذه المشاكل حتى لو اتفقت إسرائيل وحماس والولايات المتحدة على شكل مستقبل غزة.
ويقول إن لكل طرف رؤية مختلفة، فالمقاومة تريد البقاء واستعادة قوتها في غزة، أما إسرائيل فهي تريد حكومة في القطاع ليس لها صلة بحماس، ولكن تل أبيب متشككة في المنظمات الفلسطينية الأخرى التي قد تتولى الحكم.
وتأمل الولايات المتحدة أن تحكم السلطة الفلسطينية غزة، وأن تصبح في النهاية شريكا أكثر مصداقية في المفاوضات من أجل “حل الدولتين المأمول”.
ويقول بايمان إن هناك 7 خيارات محتملة على الأقل لمستقبل غزة، فبعضها يترك حماس قوية للغاية، والآخر يتطلب احتلالا مكلفا للمنطقة من جانب إسرائيل أو قوى أجنبية، وأفضل هذه الخيارات بالنسبة للكاتب هو أن تدير السلطة الفلسطينية غزة، ولكن نظرا لمعارضة حماس وإسرائيل فإن هذا الخيار يبدو بعيد المنال.
لذا، يشير الكاتب إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يزيدوا احتمالات تشكيل حكومة تديرها السلطة الفلسطينية من خلال الضغط على إسرائيل بقوة أكبر لحملها على قبول هذا الخيار والمطالبة بتنحي القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية.
لكن من المؤسف أن المستقبل الأكثر ترجيحا -وفقا لبايمان- هو أن يتحول قطاع غزة إلى دولة تحتفظ فيها حماس ببعض السلطة في الوقت نفسه الذي تغزوها فيه القوات العسكرية الإسرائيلية بانتظام لقمعها.
ويقول إن هذا السيناريو يعني استمرار معاناة سكان غزة، ولكنه أيضا يعني تراجع حدة الاحتجاج الدولي، إذ يصبح الناس في مختلف أنحاء العالم غير مبالين بالعنف.
الاحتلال الإسرائيلي مرة أخرى
إن أحد الاحتمالات المستقبلية المحتملة بالنسبة لقطاع غزة -كما يقول الكاتب- هو أن تعيد إسرائيل احتلال قطاع غزة بالكامل، صحيح أنها تحتفظ بوجود عسكري كبير الان في القطاع لكنها لا تديره بشكل فعلي.
ورغم أن العديد من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية مثل اليونيسيف وأطباء بلا حدود تقدم بعض الخدمات فإنها عاجزة عن القيام بذلك بسبب القتال الدائر والقيود الإسرائيلية على دخول البضائع إلى غزة وتدمير البنية الأساسية الصحية في القطاع.
ويرى بايمان أنه إذا عاودت إسرائيل احتلال غزة فإن الفلسطينيين في القطاع سيفقدون السيادة على أرضهم، ولكنهم قد يتمكنون من التمتع ببعض السلام والخدمات الأساسية، وربما تقوم إسرائيل في نهاية المطاف بتسليم بعض السلطات للفلسطينيين المحليين، ولكن هذه العملية سوف تكون تدريجية حتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلا.
كما أن إسرائيل ستطارد أعضاء حماس بشكل روتيني لمنع الحركة من الظهور مرة أخرى، وهو ما يتطلب عمليات عسكرية متكررة، ولهذا واستنادا إلى الحسابات التي أجراها المحلل جيمس كوينليفان من مؤسسة راند لتحديد حجم عمليات الاستقرار فإن الاحتلال سيضطر إلى الاحتفاظ بنحو 100 ألف جندي وشرطي أو أكثر في مدينة غزة إلى أجل غير مسمى، نظرا لأن المدينة حضرية في معظمها، وهو ما يجعل العمليات العسكرية صعبة بشكل خاص.
ويعد هذا عددا ضخما بالنسبة لإسرائيل، فهي دولة صغيرة يعتمد جيشها بشكل كبير على الاحتياط، خاصة بالنظر إلى أنها تواجه أيضا اضطرابات في الضفة الغربية وحربا محتملة مع حزب الله المدعوم من إيران.
وإذا أعادت إسرائيل احتلال غزة بعدد أقل من القوات فقد تعود حماس إلى أجزاء من القطاع، وقد حدث هذا بالفعل في يناير/كانون الأول 2024، عادت المقاومة إلى مدينة غزة بعد أن سحبت إسرائيل الجزء الأكبر من قواتها من هناك، ثم عادت إلى مناطق أخرى اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنها خالية من المقاومين.
ويقول بايمان إن حماس لن تقف مكتوفة الأيدي، فمن المحتم أنها ستشن تمردا منخفض المستوى ضد الجيش الإسرائيلي، وستقوم بعمليات اختطاف باستمرار.
ويتابع أن ذلك سيلحق ضررا كبيرا بسمعة إسرائيل إذا ما حدث، فصورتها أصبحت ممزقة بالفعل، بما في ذلك بين جيل الشباب في الولايات المتحدة حليفتها الأكثر أهمية.
ومن غير المرجح حينها أن تظهر أعمال العنف المستمرة التي يرتكبها الاحتلال في الأخبار بقدر ما ظهرت أعمال القتال في الأشهر التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الأمر الذي قد يمنع إسرائيل من إصلاح الضرر الذي لحق بسمعتها.
أما الفلسطينيون فيشير بايمان إلى أن إعادة احتلال غزة ستزيد كراهيتهم لإسرائيل، وستكون تلك بمثابة خطوة إلى الوراء تجاه الدولة الفلسطينية.
وسوف تعارض واشنطن أيضا هذا الخيار حسب بايمان، فهي لا تريد أن يُنظَر إليها باعتبارها شريكة في احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية على المدى الطويل، كما أن القتال المستمر سيصرف الانتباه عن أهداف أخرى للولايات المتحدة في المنطقة، مثل توحيد الحلفاء ضد إيران.
حماس تعود إلى السلطة
وعلى الطرف الآخر، ومن جملة الخيارات هناك احتمال عودة غزة إلى الوضع الراهن قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو استمرار حكم حماس للقطاع.
ويرى بايمان أن ذلك سيكون بصعوبة أكبر من ذي قبل، فقد ضربت حملة إسرائيل حماس بشدة، فدمرت الكثير من بنيتها التحتية العسكرية وقتلت العديد من عناصرها.
لكن حماس تظل أقوى جهة فلسطينية في القطاع وقد تستعيد السيطرة عليه، ومن الممكن أن تستخدمه قاعدة لإعادة بناء قواتها المسلحة وشن هجمات على إسرائيل واستعادة مصداقيتها ككيان حاكم، حسب تعبير بايمان.
وسوف تستمر إسرائيل في شن ضربات منتظمة على حماس، في محاولة لقتل قادتها ومنعها من إعادة تجميع صفوفها، وستفرض هي ومصر قيودا شديدة على النشاط الاقتصادي في القطاع، بحسب بايمان.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن عودة حماس إلى الحكم أمر غير وارد، إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارا وتكرارا أن إسرائيل تسعى إلى “النصر الكامل”، وأيضا ستبدي الولايات المتحدة تحفظا إزاء احتمال عودة الحركة إلى السلطة علنا.
وفي سيناريو أكثر معقولية بالنسبة للكاتب فإن حماس قد تمارس سلطتها خلف الكواليس كما يفعل حزب الله في لبنان، فرغم أنه هو القوة الأكثر نفوذا في البلاد فإنه يحافظ على واجهة مفادها أنه ليس المهيمن ويتجنب أن يصبح الوجه العام للبنان.
وحتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول كان حكم غزة في ظل العزلة الدولية صراعا مستمرا، وحاولت حماس السعي مع السلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ورغم أنهما وقعتا بعض الاتفاقيات التي تدعم هذه الفكرة فإنه لم تفلح أي منها.
وفي هذا الدور التي تحكم فيه من خلف الكواليس -كما يقول بايمان- يمكن لحماس أن تقاتل إسرائيل عندما تريد، وأن تترك المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء غزة وتقديم الخدمات لشخص آخر.
اتصل بالسلطة الفلسطينية
ونأتي إلى النهج المفضل لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو أن تتولى السلطة الفلسطينية زمام الأمور كما كانت قبل عام 2007، ولسنوات عملت قوات الأمن التابعة للسلطة مع إسرائيل لمحاربة حماس في الضفة الغربية.
وعلى الورق تتمتع السلطة الفلسطينية بالفعل بحضور بيروقراطي في غزة، دفعت رواتب بعض الموظفين المدنيين هناك، وهو ترتيب لا يزال قائما من فترة ولايتها السابقة في السلطة، ولديها حكومة ظل تدعي إدارة التعليم والأمن على الرغم من أنها في الواقع لا تفعل شيئا.
وإذا تولت السلطة الفلسطينية المسؤولية فإن بايمان يرى أنه “سوف يكون من الأسهل على الدول العربية العمل مع إسرائيل لإعادة بناء غزة، إذ إن العديد من الحكومات العربية تكره حماس بسبب علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين وإيران، وكلتاهما تمثلان تهديدا سياسيا لمصر والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة خصوصا”.
وفي الوقت نفسه، يقول بايمان إنه من الخطير سياسيا أن تعمل الحكومات العربية مع إسرائيل لأنها غير شعبية للغاية بين مواطنيها، خاصة عندما تقتل الفلسطينيين بشكل يومي.
وإذا قدمت تل أبيب تنازلات للسلطة الفلسطينية ووعدت بالتقدم نحو حل الدولتين فإن الكاتب يرى أنه يمكن للقادة العرب حينها تبرير العمل مع إسرائيل لأنهم يستطيعون أن يظهروا لشعوبهم أنهم لا يتخلون عن الفلسطينيين.
ويبدو توحيد قيادة غزة والضفة الغربية خطوة إيجابية نحو إنشاء دولة فلسطينية، وهو الهدف الذي تدعمه الولايات المتحدة أيضا ولكنه غير شعبي بين الإسرائيليين، حسب بايمان.
لكن بايمان يرى أن تنصيب السلطة الفلسطينية لن يكون الحل السحري، إذ إن سجلها في الضفة الغربية ضعيف، وتعد منظمة فاسدة وتفشل في تقديم العديد من الخدمات الأساسية، ولم تجرِ انتخابات حقيقية منذ عام 2006 لأن قادتها وداعميها الأجانب يخشون أن تخسرها.
ومن جهة أخرى، يريد ما يقارب 90% من الفلسطينيين استقالة الرئيس محمود عباس (88 عاما)، والأمر الأكثر أهمية هو أن العديد منهم ينظرون إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها أداة في يد إسرائيل لأنها تتعاون مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وتزداد صورة السلطة الفلسطينية سوءا في كل مرة يبني فيها المتطرفون اليهود مستوطنة جديدة أو يهاجمون الفلسطينيين.
وكانت السلطة الفلسطينية تنسب إليها في الماضي الحفاظ على بعض مظاهر النظام، والآن مع تنامي العنف في الضفة الغربية لا تستطيع حتى أن تزعم ذلك، ففي الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 15 يوليو/تموز 2024 هاجم المستوطنون الإسرائيليون الفلسطينيين أكثر من 1100 مرة، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ويقول بايمان إنه على الرغم من تعاون السلطة الفلسطينية مع إسرائيل فإن العديد من الساسة الإسرائيليين يعارضون فكرة سيطرة السلطة على غزة، ويزعمون أنها تعمل على تطرف الفلسطينيين.
ويشعر العديد من الإسرائيليين بالاستياء من فكرة أن الفلسطينيين بشكل عام قد يستفيدون من 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تلاه.
ووفقا لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي (مؤسسة بحثية)، يعارض معظم اليهود الإسرائيليين الآن حل الدولتين ويعتقدون أن السلطة الفلسطينية لن تصلح، ويعتقد 44% أن الإرهاب سوف يزداد إذا كانت هناك دولة فلسطينية.
والواقع أن أقصى اليمين -وهو أحد المكونات الأساسية في الائتلاف الحاكم الذي يرأسه نتنياهو- معاد بشكل خاص للسلطة الفلسطينية، فمنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول رفضت إسرائيل إرسال بعض عائدات الضرائب التي تجمعها من الفلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية.
كما هدد زعماء إسرائيل -بمن في ذلك وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش– بحجب الإعفاء الذي يسمح للبنوك الإسرائيلية بإرسال المدفوعات إلى البنوك الفلسطينية، وبدون ذلك قد ينهار النظام المالي للسلطة الفلسطينية.
وأوضح نتنياهو معارضته سيطرة السلطة الفلسطينية قائلا إن الدولة الفلسطينية سوف تتحول إلى “ملاذ للإرهاب”، وإنه “ليس مستعدا لتسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية”.
قوى خارجية أو شخصيات مستقلة
ولم يقدم القادة الإسرائيليون سوى القليل من التفاصيل بشأن الطريقة التي يعتقدون أنه ينبغي أن يحكم بها قطاع غزة.
لكن البعض طرح فكرة تولي زعماء فلسطينيين محليين أو تكنوقراطيين غير منتمين إلى أي جهة المسؤولية بدلا من حماس أو السلطة الفلسطينية.
وقد تكون مثل هذه الحكومة لامركزية، حيث يتولى زعيم عشيرة المسؤولية في جزء من غزة وسياسي محلي في جزء آخر، وقد تسيطر إسرائيل بنفسها على مناطق معينة وتساعد زعماء غزة المحليين في إدارة بقية القطاع والإشراف على إعادة الإعمار بدعم دولي وتقديم يد العون للحكومة في المهام اليومية.
وفي نهاية المطاف قد تتولى الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الأجنبية الدور الذي تلعبه إسرائيل.
وفي الأمد القريب ربما يرحب بعض الفلسطينيين بحكومة قادرة على توفير الخدمات الأساسية، وهو ما يشكل خطرا أقل في إثارة المزيد من الحروب مع إسرائيل، وفقا لبايمان.
لكن هذا النهج -بحسب الكاتب- هو في الأساس مجرد حلم بعيد المنال، وفي ضوء نقاط الضعف التي تعيب البدائل الفلسطينية المختلفة لحماس فإن هناك خيارا آخر يتمثل في سيطرة جهات خارجية على غزة في هيئة وصاية بحكم الأمر الواقع كما حدث في كوسوفو وتيمور الشرقية.
فقد تولت إدارة الأمم المتحدة الانتقالية في تيمور الشرقية -والتي تأسست عام 1999- تعيين القضاة وتنظيم الاقتصاد وتدريب الموظفين الحكوميين، إضافة إلى مهام أخرى، وإذا تم إنشاء هذه الترتيبات في غزة فقد تكون نتيجة في حد ذاتها أو تستخدم للانتقال إلى سيناريو آخر.
وربما يكون بوسع الوصي -الذي يتألف ربما من مسؤولين وقوات من بلدان عربية وأوروبية تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة- أن يوفر الأمن ويدير الخدمات.
ويشير بايمان إلى أن سيطرة طرف ثالث قد تسهل محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية في نهاية المطاف إذا رعى الوصي مجموعة من الزعماء السياسيين الفلسطينيين الذين يتمتعون بالشرعية المحلية والدولية.
لكن في الممارسة العملية فإن الوصاية من المرجح أن تفشل، ولا أحد يتطوع للقيام بهذه المهمة، حسب بايمان.
تجهز للأسوأ
وفي النهاية، يرى بايمان أنه إذا لم تظهر أو تفرض حكومة جديدة في غزة فمن المرجح أن تسود الفوضى حتى بعد توقف القتال، وقد تنتهي إلى ما يشبه الصومال.
ويشير إلى أن اقتصاد غزة أصبح في حالة خراب، وسوف تحتاج المنطقة إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة إعمارها، ولن يسمح الإسرائيليون بعد الآن لسكان غزة بالعمل في إسرائيل، وسوف يتوخون الحذر في السماح بدخول أي سلع قد تكون ذات طابع عسكري إلى القطاع.
وبالنسبة لبعض الإسرائيليين قد تبدو غزة بدون حكومة أفضل من حكم حماس، ولكن الفوضى تجلب مخاطر هائلة.
ويخلص الكاتب إلى أن “كل الخيارات المتاحة لمستقبل غزة سيئة، ولكن من أجل منع الفوضى الصريحة فمن الجدير أن نركز بشدة على السيناريو الأقل سوءا، وهو عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، فهو حل أكثر معقولية من فرض حكومة تسيطر عليها جهة دولية أو فلسطينيون غير منتمين إلى أي جهة، وهو خيار أقل كارثية”.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة قادرة على بذل المزيد من الجهود لضمان نجاح السلطة الفلسطينية في التغلب على الصعاب وحكم غزة، ويجب على السلطة مساعدة نفسها من خلال تغيير قيادتها، ويتعين على الجهات المانحة أن تحد من بعض المساعدات إذا قاوم عباس التغيير، وأن تزيدها إذا تم جلب زعامة جديدة.
لكن بايمان يرى أن دعم السلطة الفلسطينية لن يعني الكثير إذا لم تتمكن واشنطن من إقناع الإسرائيليين باحترام سلطتها وقبول حقيقة مفادها أن وجود سلطة فلسطينية قوية يصب في مصلحتهم.
ورغم أن نتنياهو يقول إنه يعارض حكومة تديرها السلطة الفلسطينية في غزة فإن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين يدركون على نحو متزايد أن تدمير حماس بالكامل لن يحل مشكلة البلاد في الأمد البعيد، وأنهم لا بد أن يجدوا حكومة بديلة في غزة إذا كان لإسرائيل أن تهزم الحركة.
ويبدو أن شخصيات المعارضة البارزة -بمن في ذلك عضوا مجلس الوزراء السابقان في الحرب يوآف غالانت وبيني غانتس– أكثر انفتاحا أيضا على دور السلطة الفلسطينية في غزة، ففي يونيو/حزيران قال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري “إذا لم نجلب شيئا آخر إلى غزة فسوف نهزم حماس في نهاية المطاف”.
ويختتم بايمان مقاله بالإشارة إلى قول محلل الشرق الأوسط إيهود يعاري إن “حماس تعمل بالفعل على خطة خاصة بها لليوم التالي”، لذا فالطريقة الوحيدة لهزيمتها برأيه هي أن تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية بشكل جماعي على وضع خطة أفضل.