طهران – بعد مرور أيام على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، كشف الحرس الثوري نتائج التحقيقات التقنية في العملية التي قال عنها إنها “تمت بتخطيط وتنفيذ من جانب إسرائيل ودعم أميركي”.
وفي بيان نشره أمس السبت، أعلن الحرس الثوري الإيراني أن اغتيال هنية نفذ بمقذوف قصير المدى يزن رأسه نحو 7 كيلوغرامات، أطلق من خارج مكان إقامة هنية الخاضع لكافة البروتوكولات الأمنية، مما أثار تساؤلات عن طريقة إدخال المقذوف إلى البلاد وتجهيزه وتنفيذ الاغتيال.
في هذا السياق، كشف ممثل حركة حماس في طهران خالد القدومي، الذي كان مرافقا لهنية وكان موجودا ليلة الاغتيال في الطابق الثاني من المبنى ذاته، أنه كان من أول الأفراد الذين تمكنوا من دخول غرفة الشهيد، مؤكدا تدمير أجزاء من سقف الغرفة وجداريها الخارجيين المطلين على الشارع جراء العملية.
مشاهدات
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح القدومي أنه وجد أنقاض الجداريْن والسقف متراكمة داخل الغرفة الواقعة في الطابق الرابع، ولم تتطاير الأحجار باتجاه الخارج، مما يؤكد أن جسما خارجيا اصطدم بالمبنی واندفع نحو الداخل، وأضاف أن مشاهداته عقب الاغتيال ترجح نتائج التحقيقات الإيرانية، واصفا ما ورد في بيان الحرس الثوري بأنه “أقرب إلى المنطق”.
وكشف القدومي أن الحادث وقع نحو الساعة 1:37 بعد منتصف الليل بتوقيت طهران، حيث هرع إلى خارج الغرفة بعد سماعه صوتا مدويا، وشعر باهتزاز المبنى، وظن للوهلة الأولى أنه ناتج عن زلزال خفيف أو صوت رعد، مضيفا أنه شاهد دخانا كثيفا جراء انفجار المقذوف مصحوبا بوميض.
ويؤكد ممثل الحركة أنه لم يتمكن من مشاهدة شظايا أو بقايا المقذوف عقب الانفجار بسبب انقطاع الكهرباء جراء الحادث، وأنه لا يستطيع كذلك تأكيد ما إذا كان الجسم الخارجي -الذي كان سريعا ويتمتع بقدرة تخريبية كبيرة- قد اخترق الغرفة من السقف أو من الجدران والنوافذ.
مقذوف أرضي
من جانبه، يرجح القيادي السابق بالحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم أن إطلاق المقذوف تم من منصة صغيرة متحركة نحو مقر إقامة هنية، مؤكدا أن دلالة لفظة “المقذوف” المستخدمة في بيان الحرس الثوري تتراوح بين القذائف والصواريخ الصغيرة القابلة للإطلاق من على الكتف أو عبر المنصات الأرضية المتحركة.
وبرأي الباحث العسكري الإيراني، فإن المقذوف المستخدم لاغتيال هنية يبدو صغيرا، موضحا أن شدة انفجاره كانت محدودة لم تؤد إلى تدمير المبنى، وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن مثل هذه المقذوفات متوفرة لدى العديد من الجهات المصنعة للأسلحة، ولا تحتاج إلى تكنولوجيا معقدة ولا حصرية.
وأوضح أنه على الرغم من إمكانية إطلاق المقذوفات الصغيرة عبر الطائرات المسيرة، فإنه يرجح فرضية إطلاق المقذوف المستخدم في اغتيال هنية من على الأرض، أو المرتفعات الجبلية المطلة علی المبنی، مؤكدا أن عدم تفعيل المضادات الجوية الإيرانية يدحض فرضية إطلاق المقذوف عبر مقاتلة أو طائرة مسيّرة.
وتابع كنعاني مقدم أنه من غير المعروف ما إذا كان المقذوف صُنع أو تم تركيبه داخل إيران أو هُرّب من الخارج، موضحا أن “تجهيزه وإطلاقه لم يعد مهمة عصية على العناصر المدربة علی يد الأجهزة الأمنية الصهيونية”.
رصد التحركات
وأشار الباحث العسكري إلى أن هنية قدم إلى إيران بجواز سفر دبلوماسي، وقد مدت إيران له السجاد الأحمر كونه زعيما فلسطينيا ورئيس وزراء سابقا، بل حظي وصوله إلى العاصمة طهران ولقاءاته الرسمية بتغطية إعلامية واسعة، وبذلك لا يعد اغتياله إنجازا استخباراتيا.
ورجح أن يكون الاغتيال تم نتيجة “تعقب ورصد استخباري مشترك بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة عبر الأقمار الفضائية، أو الترددات والإشعاعات الصادرة عن الهواتف المحمولة”، مضيفا أن إسماعيل هنية تردد خلال العقود الماضية على العديد من الدول الإقليمية، “لكن اغتياله في طهران جاء بضوء أخضر وتعاون استخباري أميركي مع العدو الصهيوني”.
ورغم صمت إسرائيل المطبق حيال اغتيال هنية، فإن بيان الحرس الثوري يؤكد أنه لا يوجد أي شك في أن تل أبيب تقف وراء تنفيذ العملية والتخطيط لها، وتوعد “بمعاقبة الكيان الصهيوني على هذه الجريمة”، في حين ذهب طيف من الأوساط الإيرانية إلى أن جميع إشارات المصادر المحسوبة على الولايات المتحدة وإسرائيل تتبنى العملية.
ففضلا عن تغريدة ريتشارد غولدبرغ، كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية المعروفة بتبنيها مواقف حزب الليكود الإسرائيلي، والتي سبقت اغتيال هنية بساعات، وكتب فيها على منصة إكس أن “سلاح الجو الإسرائيلي سيستعرض قدراته الليلة”، تبنت بعض الأصوات العبرية العملية كذلك.
من ناحيته، حمّل وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب إسرائيل مسؤولية الاغتيال، وقال في رسالة تعزية وجهها إلى عائلة هنية وحركة حماس إن “العملية تمت بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية”.
وفي السياق، نشرت كل من صحيفة نيويورك تايمز وموقع أكسيوس الأميركيين رواية تؤكد مسؤولية إسرائيل عن اغتيال هنية، لكنهما يزعمان أن الاغتيال تم بعبوة ناسفة زرعها عملاء للموساد في غرفته، وتم تفجيرها عن بُعد.