عمّان- من المنتظر أن تغير الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في الأردن الشهر المقبل، شكل العلاقة ما بين الأحزاب والعشائر، على ضوء تعديلات طالت قانونيْ الأحزاب والانتخاب، قلصت من حصة المكون العشائري تحت قبة البرلمان لصالح الأحزاب، إذ ستجري الانتخابات المقبلة -لأول مرة- بموجب القانون الانتخابي الجديد.
وتمثل العشائر في الأردن ركيزة أساسية في النظام السياسي والاجتماعي في البلاد، كما لعبت العشائرية دورا محوريا ومؤثرا في مختلف المحطات التي مرت بها المملكة.
تم الانتهاء من التسجيل للانتخابات البرلمانية، وهناك أرقام متعلقة بحصة الأحزاب في الانتخابات القادمة والتي ستجرى لأول مرة وفق قانون انتخابي جديد يهدف لإنصاف الأحزاب، لكن السؤال عن دور العشيرة التي دائما ما تكون حجر الرحى في توجهات الناخبين بالأردن وسط مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري.
ودأبت العشائر الأردنية عبر عقود مضت على عقد انتخابات داخلية لضمان فرص فوز ممثليها وعدم تشتت الأصوات، بهدف الحصول على تأثير وحضور قوي لها في البرلمان.
تحديث سياسي وانتخابي
ويعتبر الطابع العشائري سمة بارزة في الانتخابات البرلمانية والبلدية في الأردن، في حين شهدت المملكة تغييرات جذرية ومهمة على بنيتها السياسية من خلال ما عرف بمنظومة التحديث السياسي التي هدفت إلى تعزيز المشاركة الشعبية والحزبية، والعمل على تطوير الحياة السياسية.
وتضمنت التعديلات الانتخابية تخصيص 41 مقعدا برلمانيا من أصل 138 لقوائم الأحزاب في انتخابات مجلس النواب المقبلة، على أن يرتفع العدد المخصص للأحزاب تدريجيا خلال الدورات الانتخابية اللاحقة حتى يصل إلى ما يعادل 65% من إجمالي المقاعد، وصولا إلى تشكيل حكومة برلمانية.
أمام هذه المعطيات، يرى الكاتب والمحلل السياسي والوزير السابق محمد أبو رمان أن ثمة تفاوتا في المناخ الانتخابي بالأردن، وهذا التفاوت يختلف بجغرافية المناطق، موضحا -في حديثه للجزيرة نت- بأن محافظات الجنوب في المملكة تقدم العشائرية على الحزبية، بينما المناطق الوسطى في البلاد على العكس تماما.
وأضاف أبو رمان “لا تستطيع أن تترشح حزبيا وسط بنية اجتماعية عشائرية تعتقد أن الأحزاب كائنات فضائية، وتريد بعد ذلك أن تحقق الفوز”.
وبشأن مستقبل الحالة الانتخابية في المملكة، أكد المحلل السياسي أن “السيناريو المثالي يتمثل في انتقال العملية السياسية بالتدريج من خلال إعطاء الأحزاب دورا مؤثرا في المرحلة القادمة تستطيع من خلاله إقناع العشائر بجدوى التغييرات الجذرية في بنية الحالة السياسية بالمملكة، لافتا إلى أن العلاقة ما بين الأحزاب والعشائر في الانتخابات علاقة تاريخية منذ حكومة سليمان النابلسي في عام 1956”.
أرقام انتخابية
وبلغة الأرقام والإحصاءات، أكد الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب محمد الرواشدة ترشح 199 قائمة انتخابية، تضم 1651 مترشحا، بينهم 82 نائبا سابقا، في حين بلغت نسبة النساء المترشحات 24%.
وقال الرواشدة للجزيرة نت إن الهيئة المستقلة للانتخاب اعتمدت 174 قائمة انتخابية مرشحة عن الدوائر الانتخابية المحلية، و25 قائمة مرشحة عن الدائرة الانتخابية العامة المخصصة للأحزاب.
وكشف الرواشدة أن عدد المرشحين الحزبيين في القوائم المحلية بلغ 269 مرشحا بنسبة بلغت 28% من بين القوائم المرشحة، فيما ترشح 58 مرشحا عن المقاعد المخصصة للمسيحيين، و19 عن المقاعد المخصصة للشركس والشيشان، و170 عن المقاعد المخصصة للمرأة، في حين أن 25 امرأة ترشحن خارج مسار المقاعد المخصصة للنساء.
من جانبه، قال المدير العام لمركز راصد لمراقبة الانتخابات الدكتور عامر بني عامر إن عدد القوائم الحزبية المترشحة للانتخابات النيابية على الدائرة العامة وصل 25، منها 5 تمثل تحالفات حزبية، و20 قائمة تمثل أحزابا منفردة.
وأوضح بني عامر -في حديثه للجزيرة نت- أن حزبي ميثاق وإرادة هما الوحيدان اللذان سجلا 41 مرشحا في الدائرة العامة، مبينا أن توزيع المجلس المقبل في القائمة الوطنية سيكون محصورا ما بين 8 و9 قوائم برلمانية، وقال إن الائتلافات الحزبية التي تم تشكيلها مؤخرا بعضها جاء نتيجة تقارب فكري أيديولوجي، وبعضها الآخر كان لأجل مصالح انتخابية فقط.
وأضاف أن 129 نائبا في البرلمانات السابقة ترشحوا للانتخابات في الدوائر المحلية لعدم انخراطهم في الحياة الحزبية وما زالوا يعتمدون تقنيات العمل الفردي، مرجحا خسارة الكثير منهم مقاعدهم الانتخابية.
وردا على سؤال بشأن أبرز التحديات التي تواجه الانتخابات البرلمانية القادمة، قال بني عامر إن المزاج الشعبي العام غير متفائل كثيرا، نظرا لارتفاع نسبة البطالة، وتدني الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، وكذلك ما يرتبط بالعدوان على قطاع غزة، بالإضافة إلى ضعف الثقة بالعملية السياسية بشكل عام.
بداية التحول
ورأى المدير العام لمركز راصد أن دوافع المشاركة في الانتخابات القادمة تتمحور ما بين العشائرية والبرامج السياسية، حيث هناك مرشحون من عشيرة واحدة في أحزاب مختلفة، مما يعني أن سيطرة العشيرة لم تعد مطلقة كما السابق، مبينا أن تأثير العشيرة لا يزال موجودا، لكن الأحزاب أخذت حصة كبيرة في الانتخابات المقبلة.
وبرأيه، فإن التحول في شكل الحالة السياسية في المملكة قد بدأ، من خلال وجود مرشحين من العشائر على قوائم الأحزاب.
وفي أبريل/نيسان الماضي أصدر عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني مرسوما ملكيا بإجراء انتخابات لاختيار مجلس نواب جديد، بعد انقضاء مدة المجلس الـ19، في حين حددت الهيئة المستقلة للانتخاب، يوم العاشر من سبتمبر/أيلول المقبل، موعدا لانتخاب المجلس النيابي الـ20 في البلاد.