إسلام آباد- لطالما كان حقل السياسة والسلطة في باكستان مزروعا بألغام “الإيذاء السياسي” والإقصاء والنفي والاعتقال وحتى الإعدام؛ فقد شهدت البلاد منذ استقلالها عام 1947 وقيام الدولة 3 انقلابات عسكرية، ولم تكمل أية حكومة مدنية طيلة هذه العقود فترتها القانونية.
وفي الأيام القليلة الماضية، عادت باكستان لتشهد واحدة من أخطر المنعطفات السياسية في تاريخها بعد اعتقال رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب إنصاف عمران خان، وانزلاق البلاد إلى دوامة من العنف والاشتباك المباشر بين مؤيديه وقوات الأمن.
ويعيد اعتقال عمران خان إلى الأذهان تاريخا من الاعتقالات في صفوف القادة السياسيين بباكستان، وبشكل خاص رؤساء الوزراء الذين تعرضوا للاعتقال والملاحقات في قضايا قانونية حتى وهم على رأس السلطة.
وفي ما يلي أبرز رؤساء الوزراء الباكستانيين الذين اعتقلوا على مدار تاريخ البلاد:
حسين شهيد سهروردي
خامس رئيس للوزراء في باكستان قبل انفصالها عن بنغلاديش، وشغل قبل ذلك منصب رئيس وزراء البنغال عام 1946، وتولى رئاسة الوزراء في باكستان عام 1956، لكنه بقي في الحكم عاما واحدا فقط واستقال تحت ضغط الرئيس إسكندر ميرزا في فترة من عدم الاستقرار السياسي التي انتهت بانقلاب الجنرال أيوب خان عام 1958.
رفض سهروردي انقلاب أيوب خان على الحكومة ورفض الأحكام العرفية ورفع الأهلية عن الهيئات الانتخابية في البلاد؛ فتم منعه من ممارسة السياسة، واتهم لاحقا بانتهاك قوانين الهيئات الانتخابية عام 1960.
تم اعتقال سهروردي عام 1962 وإيداعه في العزل الانفرادي بالسجن المركزي في مدينة كراتشي بتهمة القيام بأنشطة وأعمال ضد الدولة، وهي تهم عُدت ملفقة.
ذو الفقار علي بوتو
رئيس الوزراء التاسع لباكستان (1974-1977)، وكان شغل منصب وزير الخارجية (1963-1966) خلال حكم الجنرال أيوب خان، ثم أول رئيس مدني للأحكام العرفية في (1971-1973) خلال حكم الجنرال يحيى خان بعد الانفصال عن بنغلاديش، وهو المؤسس والأب الروحي لحزب الشعب الباكستاني.
شهدت الفترة الأخيرة من حكمه صراعا حادا مع المعارضة واضطرابات سياسية شملت تفكك تحالفه الاشتراكي، واستياء الشارع من الأوضاع المعيشية والاقتصادية وحالة الاضطراب التي عمت البلاد.
في يوليو/تموز 1977 انقلب الجنرال ضياء الحق على حكومة بوتو وأمر باعتقاله مع أعضاء حكومته، وبقي بوتو معتقلا شهرا، وبعد خروجه لم يتوقف عن الحشد والخطابات مع الجماهير حتى تم القبض عليه في سبتمبر/أيلول 1977 بتهمة التآمر لقتل خصم سياسي عام 1974.
أُطلق سراحه من قبل محكمة لاهور العليا لأن اعتقاله غير قانوني، ليعاد اعتقاله بعد 3 أيام فقط بموجب الأحكام العرفية واتهامه بتهديد أمن البلاد، لتنتهي مسيرته بالإعدام في أبريل/نيسان 1979.
بينظير بوتو
هي ابنة ذو الفقار علي بوتو، وزوجة الرئيس السابق آصف علي زرداري، وكانت من أهم الشخصيات المعارضة لحكم الجنرال ضياء الحق الذي أعدم والدها.
شغلت بوتو منصب رئيسة الوزراء مرتين: الأولى (1988-1990)، والثانية (1993-1996) في فترة كانت المنافسة على أشدها بين حزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه بوتو، وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الذي يتزعمه نواز شريف.
كانت تجربتها الأولى مع الاعتقال عام 1985، حيث وضعت قيد الإقامة الجبرية 90 يوما، والثانية بعدها بعام خلال تجمع سياسي في كراتشي.
وصدرت بحقها عدة أحكام توقيف من هيئات حكومية وقضائية عام 1998، وفي عام 1999 حكم عليها بالسجن 5 سنوات وتجريدها من الأهلية السياسية بتهمة تلقي رشوة من شركة أجنبية. وتم إلغاء الحكم من محكمة أعلى في ما بعد، لكن حكما آخر صدر بسجنها في العام نفسه بسبب عدم المثول أمام المحكمة.
في عام 2007، وضعت بوتو رهن الإقامة الجبرية لمدة أسبوع لمنعها من قيادة مسيرة طويلة ضد حكم الجنرال برويز مشرف، وبعدها بفترة قصيرة تعرضت للاغتيال في مدينة روالبندي.
نواز شريف
زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف)، وهو الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الحالي شهباز شريف. تولى رئاسة الوزراء 3 مرات من دون أن يكمل فترته القانونية لأي منها والمقررة بـ5 سنوات.
انتهت فترة حكمه الثانية عام 1999 بانقلاب الجنرال برويز مشرف على حكومته بعد خلافات حادة بينهما، وقام إثر ذلك مشرف بنفي نواز شريف إلى السعودية لمدة 10 سنوات. وعاد شريف عام 2007 قبل استكمال فترة نفيه، لكنّه اعتقل خلال ساعات وأعيد إلى السعودية لإكمالها.
عاد شريف إلى الحكم عام 2013 عبر الانتخابات، لكن تمت إزاحته بتهم فساد عام 2017. واعتقل في يوليو/تموز 2018، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات مع ابنته مريم نواز بعد اتهامه بالفساد من قبل هيئة المساءلة الوطنية. وأطلق سراحه بعد شهرين عندما علقت المحكمة الأحكام بانتظار حكم نهائي من المحكمة العليا.
في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، سُجن شريف مرة أخرى وحكم عليه بالسجن في قضايا فساد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وسُمح له بمغادرة البلاد لتلقي العلاج في لندن، ولم يعد بعدها إلى البلاد.
شاهد خاقان عباسي
تولى رئاسة الوزراء خلفا لنواز شريف ولمدة عام ونصف العام لاستكمال فترة الحكومة، وكان قبل ذلك وزيرا للبترول والموارد الطبيعية في الفترة بين (2013-2017).
تم اعتقاله من قبل هيئة المساءلة الوطنية بتهمة الفساد، ثم أفرج عنه بكفالة وأطلق سراحه في فبراير/شباط 2020.
عمران خان
رئيس الوزراء 22 لباكستان، وأول رئيس وزراء يتم إسقاط حكومته من خلال التصويت على حجب الثقة في البرلمان في أبريل/نيسان 2022.
بعد ذلك، بدأ خان مشواره مع الملاحقات القانونية باتهامات مختلفة، حتى تجاوزت القضايا المرفوعة ضده حتى الآن حاجز 100 قضية.
وفي التاسع من مايو/أيار الجاري، تم القبض عليه في قضية حملت اسم “القادر ترست” بتهمة غسيل أموال برفقة زوجته، وتم إيداعه في مركز للشرطة بإسلام آباد.
وأثار اعتقال خان اضطرابات واسعة على مستوى البلاد، لكن قرار المحكمة العليا بعدم قانونية الاعتقال قلل إلى حد ما من هذه الاضطرابات وأطلق سراحه بعدها بيوم.
شهباز شريف
رئيس الوزراء الحالي وزعيم تحالف المعارضة السابق ضد عمران خان تولى رئاسة الوزراء بعد انتخابه من البرلمان في أعقاب إسقاط حكومة عمران خان، وهو يقود ما يشبه حكومة تسيير أعمال تشكلها عدة أحزاب حتى عقد انتخابات خلال العام الجاري.
تم القبض عليه قبل توليه رئاسة الوزراء في سبتمبر/أيلول 2020 بتهمة الفساد وغسيل الأموال من قبل هيئة المساءلة الوطنية، وأطلق سراحه بعد 7 أشهر.
“لعبة سياسية معقدة”
في وصف حالة الاعتقالات لرؤساء الوزراء الباكستانيين، يقول مدير معهد إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه إن المؤسسة العسكرية تتحكم في هذه اللعبة من وراء الكواليس.
ويضيف شاه أن من ضمن الأسباب التي تدفع إلى ذلك الخلافات التي تحدث بين الجيش والحكومة، وأحد أسباب ذلك هو عدم تخلي الجيش عن المميزات التي يملكها؛ مثل الميزانية المفتوحة التي تُمنع الحكومة المدنية من الاطلاع عليها.
ويضيف شاه في حديث للجزيرة نت أن “الجيش يفتح الباب على مصراعيه لرؤساء الوزراء حتى يقعوا في الفساد، ثم إذا دبّت الخلافات بينهما تخرج القضايا إلى الواجهة”.
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد مهدي أن لكل رئيس وزراء حالته الخاصة؛ فمنهم من كانت تهم الفساد مثبتة عليه ويتردد صداها بشكل واسع جدا، مثل عمران خان، ومنهم من تم إقصاؤه لدواع سياسية بحتة مثل: حسين سهروردي وذو الفقار علي بوتو.
ويضيف مهدي للجزيرة نت أن الأمر لا يتعلق بالفساد فقط؛ فنواز شريف تم إقصاؤه أول مرة بسبب خلافه مع مشرّف، وفي المرة الثانية بسبب الانطباع السائد بأنه غير مستعد لقبول اليد العليا للمؤسسة العسكرية.