بيروت- فاقمت مخاوف اللبنانيين من حرب واسعة قد تشنها إسرائيل من الفجوة بين الأطراف السياسية والطائفية، حيال الموقف من حزب الله. ويترقب الجميع تداعيات رد الحزب على اغتيال قياديّه فؤاد شُكر بالضاحية الجنوبية لبيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، وما سيتبعه من ردٍ إسرائيلي.
وبينما تتعاظم تهديدات إسرائيل التي تخرق جدار الصوت -بوتيرة شبه يومية- في سماء بيروت، يبدو المشهد السياسي منقسما ومعقدا، وإن كان امتدادا طبيعيا لواقع قائم منذ سنوات سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
كما أرّخت حرب الإسناد شللا مضاعفا في الاستحقاقات الكبرى، وأبرزها الفراغ الرئاسي المستمر منذ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
فكيف تتشكل مواقف القوى السياسية والطائفية مما جرى منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟ ومن يترقب تبعات التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟
الثابت والمتغير
عمليا، تتجلى قراءة المواقف السياسية بين ثابت ومتغير:
- في الثابت يحظى حزب الله بشبه إجماع داخل بيئته الشيعية، وكذلك حليفته حركة “أمل” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتدعمه سياسيا وعسكريا وشعبيا.
كما يلعب بري دورا محوريا بتسويق موقف الحزب في المباحثات والمراسلات مع الوفود الأجنبية والعربية، وعلى رأسها المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين الذي تنقل طوال الفترة الماضية بين إسرائيل ولبنان حيث يلتقي ويتواصل مع بري دائما.
- ولعل المتغير الأبرز نجاح حزب الله في تسجيل خرقٍ كبيرٍ كان مستعصيا عليه قبل الحرب، بالساحتين الدرزية والسنية. فمن جهة، شكّل موقف الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط تمايزا عن حلفائه السابقين من خصوم الحزب، فأعلن تأييدا واضحا للمقاومة ضد إسرائيل، وتجلّى موقفه أكثر بعد حادثة قرية مجدل شمس. وأعلن جنبلاط وقوفه خلف حزب الله، تكريسا لموقع الدروز المعادي لإسرائيل، بعد محاولتها انتزاع هوية أبناء القرية من العرب السوريين الدروز.
- بالتوازي، عزّز انخراط “قوات الفجر” -التابعة للجماعة الإسلامية بحرب الإسناد- البيئة الحاضنة سُنّيا لخيار حزب الله. ورغم قدرات القوات المحدودة، التي تأسست عام 1982 إبان الاجتياح الإسرائيلي، حمل دورها دلالة رمزية مهمة سياسيا وميدانيا وطائفيا.
- في 18 يوليو/تموز 2024، اغتالت إسرائيل محمد جبارة أحد قادة الجماعة البارزين بقوات الفجر، لترتفع حصيلة شهدائها لنحو 11.
دعم المقاومة
يقول الكاتب والباحث السياسي وائل نجم إن غالبية الشارع السُني تؤيد المقاومة بغزة، وتجلى ذلك بمواقف المرجعيتين السياسية -أي الحكومة- برئاسة نجيب ميقاتي، والدينية. وموقف ميقاتي، رغم المفردات التي تفرضها الدبلوماسية الرسمية -وفق نجم- يدعم المقاومة ويعكس مستوى التنسيق مع حزب الله.
أما المرجعية الدينية السُنية فتدعم المقاومة بغزة ولا تعارض جبهة الإسناد اللبنانية بدليل أن مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان كلف مفتي المناطق مرارا بإقامة الصلاة على “شهداء الحرب” كما يضيف للجزيرة نت.
ويلحظ الكاتب تأييدا واسعا للمقاومة بالمناطق ذات الغالبية السُنية، خصوصا بعد انخراط الجماعة الإسلامية عسكريا بحرب الإسناد. ويقرّ بوجود فجوة كبيرة بين المكونين السني والشيعي تعاظمت بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، ثم أحداث “غزو بيروت من حزب الله” في مايو/أيار 2008، ثم الحرب السورية ابتداءً من عام 2011.
وبرأ الباحث، لم تتحول هذه الأحداث كلها إلى فتنة سنية شيعية، وقد ردمت الحرب الحالية الفجوة بينهما لحد كبير، دون إلغاء التباينات السياسية.
وهذا الرأي لا ينسحب كليا على الموقف من حزب الله بعد نحو عامين على تشتت الساحة السياسية السنية، عقب اعتكاف تيار المستقبل -بزعامة سعد الحريري– عن العمل السياسي وانسحابه من انتخابات 2022.
الموقف السُني
من ناحيته، يعتقد المحلل السياسي محمد نمر أن أزمة السُنة تتجلى بغياب قيادة قوية تعبّر عنها، وكانت ممثلة -برأيه- بالراحل الحريري ثم نجله سعد. ويضيف للجزيرة نت أن فكرة القيادة السُنية تقوم على الاعتدال بلبنان، وما يحدث حاليا محاولة كل طرف -وعلى رأسهما حزب الله والقوات- هو “خطف الجمهور السني لمصلحة أجندته السياسية”.
أما الموقف الضمني -وفق الباحث- فينقسم إلى اثنين:
- الأول: يرتبط بالتضامن مع غزة كقضية عربية.
- الثاني: ترفض شريحة كبيرة الانجرار إلى الصراع المسلح “ضمن مشروع حزب الله وخلفه إيران”.
ورئاسة الحكومة -حسب المتحدث نفسه- مقيدة بخيارات الحزب، ولا تملك تأثيرا بمجريات الحرب مع إسرائيل.
ويعتبر الكاتب أن غياب شخصية سُنية قيادية ممثلة بالبرلمان فاقم تدهور الوضع “ولو كان الحريري موجودا مثلا، لزار واشنطن وباريس ومصر والرياض والدوحة وتركيا وغيرها، ووظف علاقاته لاجترار حل أو تسوية تمنع الحرب عن لبنان”. أما المجتمع الدولي اليوم، فـ”يستخدم واجهة الدولة اللبنانية للتواصل مع الحزب”.
أما وضاح صادق، وهو أحد نواب المعارضة بالبرلمان، فيقول للجزيرة نت إن معظم الشعب “ضد حرب واسعة مع إسرائيل لأن لبنان غير مجهّز أساسا، ولا يوجد فيه ملجأ حقيقي واحد للناس، خلافا لإسرائيل”. كما أثبتت تجربة 10 أشهر -برأيه- أن “وحدة الساحات” “لم تثمر نتائج إيجابية على غزة وصارت غير صالحة للعيش، ولم يخفف حزب الله الضغط عنها”.
ويخيم التعقيد على موقف الشارع المسيحي، ويميل شعبيا إلى رفض انخراط حزب الله بحرب الإسناد “لأنها تشكل خطرا وجوديا وتهدد تركيبة لبنان”.
ويُعد حزب القوات اللبنانية رأس حربة ضد خيارات حزب الله، ومن خلفه حزب الكتائب وقوى أخرى، بينما يتمتع حزب الله بتأييد نسبي من التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل كثاني أكبر حزب مسيحي مع القوات.
كذلك، يحظى حزب الله بتأييد تلقائي من حليفه التاريخي زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية، وستكون بلدته “زغرتا” شمال لبنان من أبرز الوجهات للنازحين، إذا شنت إسرائيل حربا واسعة على البلاد.
خصومة القوات
يذكر رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب القوات شارل جبور -للجزيرة نت- أن موقف حزبه -منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- يعارض انخراط حزب الله بالحرب، لأنه “لا يمكن ضبطها بمساحات وقواعد اشتباك، والأمور تنزلق إلى الهاوية”.
وما فعله أمين عام الحزب حسن نصر الله -في نظر جبور- “خطيئة كبرى ويتعامل مع لبنان كمحافظة إيرانية واتخذ قرار الحرب بمعزل عن الدولة، بعدما تسببت حربه مع إسرائيل بدمار كبير عام 2006”.
ويؤكد جبور على الموقف العدائي من إسرائيل، ويرى أن اغتيال شُكر انتهاك إسرائيلي للسيادة “لكن حزب الله يجر لبنان لذلك”. كما كشفت الحرب أن من غطى هذا الحزب منذ 2006، أي التيار الوطني الحر، أخطأ بحق المسيحيين “لأنهم يريدون الدولة، بينما مشروع الحزب يناقض مفهومها”.
وبرأيه، فإن “قرار الحرب وضعه حزب الله بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولانتزاعه منه يجب تطبيق القرار رقم 1701، وأن تنسحب قوة الرضوان من الحدود وتسلمها للجيش اللبناني”.
وتتعارض مقاربة تيار باسيل مع القوات، ويقول عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر إن ما يجمعهم مع حزب الله -راهنا- رغم الخلافات السياسية الداخلية هو حماية حدود لبنان، لأن إسرائيل تبحث عن حجة لتصعيد الموقف مع الحزب، ونتنياهو يريد انتصارا معنويا لشعبه لو بدمار لبنان.
ويضيف -للجزيرة نت- أن إسرائيل صعدت باغتيالي الضاحية وطهران، وهم يترقبون الرد ويقفون مع الحزب حفاظا على سيادتهم وحدودهم.
ويتحدث الأشقر عن معارضة تياره لمبادرة حزب الله بدخول الحرب، وأنهم ضد مبدأ “وحدة الساحات” لكنهم مع المقاومة ضد الاعتداء الإسرائيلي، مشددا على أن إسرائيل تنتهك قواعد الاشتباك، وتتحمل مسؤولية تبعات ذلك.
ويرجّح التصعيد في الضربات “بلا حرب” مؤكدا أنهم ليسوا محرجين من موقفهم “الوطني” ضد إسرائيل بالشارع المسيحي، وواضحون على مستويي انتقاد حزب الله وتأييده.