أصدرت محكمة الجرائم الدولية البنغلاديشية في داكا مذكرات اعتقال بحق رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة ونحو 50 شخصية أخرى من قادة حزب رابطة عوامي الحاكم سابقا، وشخصيات حكومية عديدة، وذلك على خلفية مقتل مئات المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي سبقت استقالتها وفرارها من البلاد.

وكانت الشيخة حسينة غادرت بنغلاديش إلى الهند مساء الخامس من أغسطس/آب الماضي، وانقطعت أخبارها لأسابيع، كما ورد ذلك في تصريحات رسمية. وقال صحفيون بنغلاديشيون إنه لا يعرف ما إذا كانت مستقرة في مكان ما في الهند أم غادرت إلى وجهة أخرى، لكن وزير الخارجية البنغلاديشي محمد حسين توحيد عاد ليؤكد في تصريحات له اليوم الخميس أنه علم بوجودها حتى الآن في نيودلهي.

وتم إصدار مذكرات الاعتقال اليوم عقب بدء الإجراءات القضائية رسميا، بناء على طلب فريق الادعاء في المحكمة التي تسمى بـ”الدولية”، لأنها تقوم بتحكيم القانون الإنساني الدولي في مداولاتها إلى جانب القوانين البنغلاديشية، ولأنها تسمح بالتحقيق ومحاكمة الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

استعادة حسينة

وتلقت هذه المحكمة نحو 60 شكوى حتى الآن، تختص بالإخفاء القسري والقتل أو القتل الجماعي، وما حصل من جرائم خلال أسابيع المظاهرات بين 16 يوليو/تموز والخامس من أغسطس/آب الماضيين، ضد الشيخة حسينة وعشرات من قادة حزبها والأحزاب الـ 14 المتحالفة معها ومسؤولي حكومتها الأمنيين والقانونيين.

وطلب فريق الادعاء استصدار قرارات حظر سفر بحق المتهمين جميعهم، كما ستطلب المحكمة مساعدة الإنتربول لاسترجاع الذين تركوا البلاد من المتهمين بمن فيهم الشيخة حسينة، حسبما قال كبير المدعين العامين تاج الإسلام في داكا للصحفيين.

ورغم وجود اتفاقية لتسليم المطلوبين قضائيا بين بنغلاديش والهند، ويمكن بموجبها أن تطلب داكا من نيودلهي تسليم الشيخة حسينة وغيرها من المطلوبين للمحاكمات، حسب تصريحات لوزير العدل البنغلاديشي آصف نذرول، فإن تسليمها لا يبدو سهلا، لا سيما في ظل المكانة التي تتمتع بها في الهند وحساسية العلاقة بين البلدين.

يذكر أن الشيخة حسينة وشقيقتها الشيخة ريحانة كانتا قد لجأتا إلى الهند لعدة سنوات بعد عام 1975 إثر حادثة اغتيال والدهما وجميع أفراد أسرتهما تقريبا في 15 أغسطس/آب من ذلك العام، كما أن للهند تقاليد معروفة في استضافة بعض الشخصيات السياسية من الدول المجاورة في جنوب آسيا.

أما بخصوص الشخصيات الأخرى المطلوبة للعدالة في بنغلاديش، فقد ذكرت صحيفة “براتموم آلو” البنغلاديشية أنه من بين 126 شخصا تم التعرف عليهم في حوادث إطلاق النار خلال المظاهرات -ومن أولئك شخصيات ونشطاء من حزب رابطة عوامي وغيرهم- تم إلقاء القبض على 19 منهم فقط في 12 مقاطعة.

تحقيقات واسعة

لكن التحقيقات فيما حصل خلال عهد الشيخة حسينة لن تتوقف عند أحداث الأسابيع القليلة التي سبقت استقالتها، فقد استقبلت لجنة تحقيق مختصة بالإخفاء القسري جميع الشكاوى بخصوص أي حالة إخفاء قسري وقعت منذ بدء عهد الشيخة حسينة في 2009 وحتى 2024.

وستستمر اللجنة -التي يرأسها معين الإسلام تشودري وهو قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا ويشغل عضويتها قاضيان آخران وناشط حقوقي وجامعية- باستقبال الشكاوى والتقارير من المواطنين حتى 31 من الشهر الجاري، مع وعد بالتحقيق في دور الأجهزة الأمنية بهذا الخصوص.

وحسب تقرير لمنظمة “أوديكار” الحقوقية البنغلاديشية، وما نقله عنها تقرير للاتحاد الدولي لحقوق الإنسان و”هيومن رايتس ووتش”، فإن 709 أشخاص أُخفوا قسريا بين يناير/كانون الثاني 2009 ويونيو/حزيران 2024، وتتهم المنظمة في ذلك الأجهزة الأمنية والسلطات ذات العلاقة بإنفاذ القانون.

وظهر منهم 471 أحياء أو في قاعات المحاكم، في حين وجد 83 منهم مقتولين أو متوفين، وظل 155 منهم مختفين حتى ما قبل سقوط حكومة الشيخة حسينة بشهرين، وكثير منهم ساسة ونشطاء وصحفيون وأكاديميون، ولم يظهر بعض هؤلاء إلا بعد سقوط حكم حسينة، بعد سنوات من الإخفاء.

تحقيق أممي

وكانت منظمة العفو الدولية قد رحبت بتوقيع حكومة محمد يونس المؤقتة على طلب انضمام بنغلاديش “للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإخفاء القسري” أواخر أغسطس/آب الماضي، بعد سنوات من رفض الحكومة السابقة لذلك، واعتبرتها أولى الخطوات في طريق الوصول إلى الحقيقة والعدالة وتعويض الضحايا وعائلاتهم.

وقال المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، خلال لقائه بمستشار الحكومة الانتقالية ورئيسها محمد يونس في نيويورك، إنه يمكن لبنغلاديش أن تترافع بشأن مقتل نحو ألف شخص وجرح نحو 20 ألفا آخرين، حسب تقديرات رسمية لوزارة الصحة البنغلاديشية، لدى المحكمة الدولية، لكن ذلك يجب أن يكون معززا بما يثبت أنها جرائم ضد الإنسانية.

على صعيد آخر، وبطلب من الحكومة البنغلاديشية المؤقتة، يقوم فريق دولي أممي مستقل بالتحقيق في أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو ما يوصف إعلاميا في صحف بنغلاديشية بـ”بمحاولات القمع الوحشية بحق الحراك الطلابي خلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين”، ويزور الفريق لأسابيع 8 مدن بما فيها داكا، ويجري مقابلات مع الضحايا والشهود والمسؤولين والطلبة والأطباء وغيرهم.

ودعا الفريق الأممي الأفراد والمؤسسات إلى تقديم أي معلومات أو تسجيلات أو وثائق غير التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، للتحقيق في 15 شكلا من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، ويفترض أن يرفع الفريق الأممي تقريره النهائي إلى الحكومة المؤقتة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قبل نشرها لعامة البنغلاديشيين.

ومن المفترض أن يتضمن التقرير الأممي تفصيلات حول أسباب العنف الذي حصل وحيثيات ذلك، ويقدم توصيات للحكومة من أجل ألا يتكرر ما يوصف بأكثر الأحداث دموية منذ استقلال بنغلاديش وانفصالها عن باكستان عام 1971.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version