طهران – مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، يرى سياسيون في إيران أن معركة طوفان الأقصى بشكل عام وصمود المقاومة الفلسطينية في القطاع على وجه الخصوص؛ جنبا الشرق الأوسط تطورات إقليمية خطيرة كان الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لها.
وبالعودة إلى التطورات التي سبقت “طوفان الأقصى”، نرى أنه بعد احتواء إيران احتجاجات مهسا أميني الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 إثر إصابتها بإغماء جراء اعتقالها من قبل “شرطة الإرشاد” بسبب ارتدائها “ملابس غير مناسبة”، انهالت العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بزعم “استخدامها العنف المكثف ضد المتظاهرين السلميين”.
وقالت السلطات الإيرانية حينها إن لديها معلومات استخبارية تشير إلى وقوف جهات خارجية وراء الأحداث التي شهدتها البلاد.
في السياق، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الولايات المتحدة وإسرائيل ومن وصفهم بـ”عملاء واشنطن” وبعض “الخونة” من الإيرانيين المقيمين في الخارج “بالتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الشغب في البلاد”، وفق تعبيره.
اتفاقيات أبراهام
وتزامنت تلك الأحداث بتكثيف واشنطن نشاطها الدبلوماسي لدفع بعض الدول العربية للتوقيع على اتفاق سلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقيات أبراهام، حتى أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، في كلمة أمام المجلس الأطلسي بأن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 “أثرت على مسارات التطبيع”.
وعلى وقع التقديرات الأمنية لدى محور المقاومة -كما ورد على لسان قادته- واستشرافه مخططًا إسرائيليا للانقضاض على فصائله الواحدة تلو الأخرى، قررت حركة حماس مباغته فجر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخلطت أوراق إسرائيل وبرهنت على هشاشة منظومتها الأمنية.
ويعتبر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي، أن اتفاقيات التطبيع والمخطط “الصهيوأميركي” لتصفية القضية الفلسطينية، محركًا أساسيا لعملية طوفان الأقصى التي استبقت الإعلان الأميركي عن تطبيع دولة عربية وازنة مع الكيان الإسرائيلي بـ3 أيام فقط.
طوفان الأقصى
وفي حديث مع الجزيرة نت يرى الباحث الإيراني، أن تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان وكذلك ما كشفته المخابرات الإيرانية من عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، وكذلك اجتياح كيان الاحتلال مؤخرا للأراضي السورية وتدميره تسليحاتها الإستراتيجية؛ يدل على صوابية تقديرات محور المقاومة بشأن ما كانت تدبره إسرائيل طوال السنوات الماضية للمنطقة بأسرها.
وتابع نجفي أن محور المقاومة قد دشن “إستراتيجية وحدة الساحات” إثر عملية طوفان الأقصى، وفرض موازنة جديدة للقوة بالمنطقة بانتقاله من موقع الدفاع إلى الهجوم في رسالة للجهات المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي حول عدم السماح باستفراد الأعداء بحلقات محور المقاومة بعد السابع من أكتوبر.
وخلص الباحث المختص في النزاعات الإقليمية إلى أن عملية طوفان الأقصى أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وجنبت المنطقة تطورات أمنية خطيرة لم يكن تفويتها بالحسبان سوى بتجرع مرارة تداعياتها التي استمرت نحو 15 شهرا، على حد تعبيره.
صمود غزة
من جهته، يضيف مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري، أن صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسناد فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق لأهالي غزة قد جنّب المنطقة حربا واسعة بين طهران وتل أبيب لاسيما بعد أن حظيت الأخيرة بشتى أنواع الدعم التسليحي والمالي والسياسي من قبل حلفائها الغربيين.
وفي حديث للجزيرة نت، يشير زواري إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة بالقطاع، والسيطرة الكلية الآمنة على غزة بشكل كامل، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، مضيفا أن عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة فصيل مقاوم على رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا يطرح تساؤلات جدية عن مدى جاهزيتها لمواجهة محور المقاومة بكامل طاقاته وأوراق قوته.
وبرأي المتحدث نفسه فإنه ما كان لصواريخ ومسيرات فصائل المقاومة أن تدك عمق كيان الاحتلال بشكل يومي خلال أكثر من عام لولا صمود جبهتي غزة وجنوب لبنان اللتين استنزفتا قدرات العدو الإسرائيلي الذي كان يمنّي نفسه بالإجهاز على ما يسميه “رأس الأفعى” بالمنطقة.
واستدرك زواري أن المواجهة الصاروخية المباشرة بين طهران وتل أبيب وكذلك الرسائل التي أرسلتها طهران بشكل صريح عن تصورها لليوم التالي لأي هجوم قد يستهدف أراضيها قد أقنعت الدول الإقليمية بضرورة الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل واحتواء التوتر بالمنطقة.
وختم بالقول إنه بعدما أفشلت عملية طوفان الأقصى مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج هروبا من المحاكمة، فإن المجازر التي ارتكبها في غزة قد فضحته في الأوساط الدولية وجعلته ملاحقا بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، مما يجعل حلفاءه الغربيين يفكرون جيدا قبل إعطائهم الضوء الأخضر لإقدامه على أية مغامرة جديدة في الشرق الأوسط.