أنقرة- يشهد حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية تصاعدا في أزماته الداخلية وصراعا بين قياداته. وبينما يحاول زعيمه الحالي أوزغور أوزال فرض سيطرته وسط انقسامات متزايدة، عادت التحركات المناهضة بقيادة أنصار الزعيم السابق كمال كليجدار أوغلو إلى الواجهة، مشعلة جدلا واسعا حول مستقبل الحزب.

وتطرح هذه التطورات تساؤلات عديدة: هل هي أزمة عابرة أم بداية سلسلة تخبطات لتنظيم طالما شكل ركيزة المعارضة التركية؟ وما تداعيات هذه الانقسامات على الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

وقاد أنصار كليجدار أوغلو سلسلة من التحركات، في الأسابيع الأخيرة، بدأت بإعداد بيان مشترك من نحو 30 نائبا يعترضون على سياسات أوزال. وهو ما عُدّ بمثابة “إنذار” للقيادة الحالية، لكنه جُمد لاحقا بسبب الخلافات على صياغته النهائية.

تدابير جديدة

وفي خطوة أشد جرأة، نشر بدري أغاج، الرئيس السابق لفرع الحزب في ولاية غوموشهانة والمعروف بقربه من كليجدار أوغلو، صورة تجمعه بالأخير عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقة بعبارة “قادمون”. وهي رسالة أثارت تفاعلا واسعا داخل الحزب وخارجه واعتُبرت إشارة إلى استعداد معسكر كليجدار أوغلو لاستعادة زمام المبادرة.

على الجانب الآخر، ووفقا لتقارير صحفية، دفعت الشائعات المتزايدة حول انعقاد مؤتمر استثنائي داخل الشعب الجمهوري، القيادة المركزية إلى تكثيف جهودها لاتخاذ تدابير جديدة لمواجهة التحديات الداخلية. ولوح أوزغور أوزال، الذي أعرب سابقا عن رفضه القاطع لـ”النقاشات الداخلية” التي قد تُضعف وحدة الحزب، بإجراءات صارمة من بينها فصل النواب الذين يخرجون عن هذه التوجيهات.

وبحسب مصادر مطلعة، بدأ أوزال في بحث خيارات متعددة تهدف إلى وضع حد لهذه التحركات وضمان استقرار سلطته في مواجهة المعارضة الداخلية المتزايدة. فمنذ تسلمه قيادة الحزب، أطلق “حملة تطهير” واسعة استهدفت خصومه من أنصار كليجدار أوغلو. وكان أبرزها إحالة 394 عضوا دفعة واحدة إلى لجان الانضباط الحزبي في يوليو/تموز الماضي، بدعوى أنهم عملوا ضد مصالح الحزب خلال الانتخابات المحلية.

ولم يقتصر الجدل على أروقة الحزب، بل امتد إلى وسائل الإعلام. فقد صرح الصحفي المعارض أنفر أيسيفر بأن “الشعب الجمهوري سيشهد انعقاد مؤتمر استثنائي قريبا، وسيتم تغيير أوزال بسبب فشله في قيادة الحزب”.

جبهات متعددة

وكشف الكاتب الصحفي عبد القادر سلفي، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار التركية، عن انقسامات عميقة داخل الشعب الجمهوري. وأوضح أن الحزب منقسم إلى 4 فئات رئيسة:

وأشار سلفي إلى أن أوزال يواجه تحديا كبيرا، إذ يرى أن ترشيح إمام أوغلو للرئاسة في الانتخابات المقبلة قد يؤدي إلى انقسام داخلي في الحزب. ولذلك، يعمل بحذر لإدارة المرحلة المقبلة، بينما تبرز أصوات داخل الحزب تؤيد ترشيحه شخصيا للرئاسة، خاصة إذا تم منع إمام أوغلو من الترشح بسبب القضية المرفوعة ضده بتهمة “إهانة موظفي الدولة”.

يُذكر أن أوزال أطاح بكليجدار أوغلو أواخر عام 2023 خلال مؤتمر سنوي للحزب عُقد في العاصمة أنقرة، وجرى وسط أجواء متوترة شهدت جولتين من التصويت، وأسفر عن إنهاء حقبة كليجدار أوغلو التي استمرت منذ عام 2010، بعد سلسلة من الانتكاسات الانتخابية كان آخرها خسارته أمام الرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات مايو/أيار 2023.

إعادة التوازن

من جهته، شدد بدري أغاج، الرئيس السابق لفرع الشعب الجمهوري في ولاية غوموشهانة، على أهمية انعقاد مؤتمر استثنائي لإعادة ترتيب أولويات الحزب، وتوحيد صفوفه، وتعزيز جاهزيته لاستعادة دوره كقوة معارضة فعالة في المشهد السياسي التركي.

وأوضح للجزيرة نت أن تصريحاته الأخيرة، التي أثارت جدلا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن تهدف إلى إثارة الفوضى داخل الحزب، بل إلى خلق بيئة أكثر شمولية وكفاءة تمكن الحزب من مواجهة التحديات السياسية المقبلة. ووصف المؤتمرات بأنها “فرصة للتجديد والحيوية”، قائلا إن النظام الأساسي للحزب يجعل منها وسيلة لمراجعة السياسات، وإجراء النقد الذاتي، وتجديد القيادات.

كما انتقد أغاج “ضعف المعارضة التركية” بشكل عام، مشيرا إلى عدم قدرتها على التأثير في المشهد السياسي أو مواجهة السياسات الحكومية. مسلطا الضوء على انقسام شهدته أروقة الحزب خلال مؤتمره الأخير في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، “حيث تم انتخاب قيادات مركزية من دائرة ضيقة، بينما ظلت الكفاءات المؤهلة خارج إطارها”.

رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال (يمين) يرافق كيلجدار أوغلو إلى المحكمة (موقع الحزب)

بدوره، يرى جوكشان عولوكوش، الرئيس السابق لفرع الشباب في الشعب الجمهوري، أن ما يشهده الحزب ليس أزمة أو انقساما كما يُشاع، بل منافسة طبيعية تحدث في جميع الأحزاب الديمقراطية، خاصة في “كيان بحجم الشعب الجمهوري”. وأكد أن هذه التفاعلات تمثل فرصة لإعادة تقييم السياسات والهياكل التنظيمية، وتعزيز دور الحزب كقوة معارضة قادرة على قيادة البلاد.

وقال للجزيرة نت إن الحزب يمر بمرحلة تتطلب قيادة حكيمة تعتمد على بناء الثقة بين الأعضاء، مشيرا إلى أن قوته الحقيقية تكمن في قدرته على تبني رؤية موحدة تعكس تطلعات مختلف فئاته. وأضاف أن الاختلافات الفكرية داخله ليست تهديدا، بل يمكن أن تكون مصدر قوة إذا أُديرت بحكمة من خلال آليات حوارية تعزز التماسك الداخلي.

ولفت عولوكوش الانتباه إلى وجود رئيس الحزب الحالي، أوزال، على رأس الحاضرين لدعم كليجدار أوغلو في محاكمته الأخيرة، حيث يواجه الأخير اتهامات قد تصل عقوبتها إلى السجن 65 عاما مع حظر نشاطه السياسي للمدة ذاتها. وشدد على أن هذا الموقف يُظهر أن الحزب، رغم ما يُشاع عن خلافاته، لا يزال يتبنى مواقف داعمة لقياداته ويحافظ على تماسكه أمام التحديات.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version