بغداد- عادت قضية سرقة الأمانات الضريبية والتي تعرف إعلاميا بـ”سرقة القرن” في العراق إلى الواجهة مجددا، بعدما أعلنت هيئة النزاهة الحكومية عن ارتفاع نسبة المبالغ المسروقة إلى الضعف، بالتزامن مع ارتفاع أعداد المتهمين بالسرقة إلى أكثر من 30 متهما ومدانا.
وكشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون عن تفاصيل جديدة، مبينا نجاح الهيئة في استعادة بعض المتهمين من أصحاب الشركات الضالعة في السرقة، بينهم قاسم محمد الذي كان يشغل منصب المدير المفوض لشركة “الحوت الأحدب” بعدما ألقي القبض عليه في إقليم كردستان، حيث بلغت السرقات المسجلة باسمه 988 مليار دينار (نحو 7 ملايين دولار) مشيرا إلى أنها ليست أرقاما نهائية.
وبينما أكد حنون -في مؤتمر صحفي عقده نهاية الأسبوع الماضي- أن رئيس الوزراء يتابع بشكل يومي قضية الأمانات الضريبية، دعا مدير هيئة الضرائب إلى الإعلان عن كمية الأموال المسروقة في غضون 15 يوما، في مؤشر على عدم معرفة هيئة النزاهة إجمالي المبلغ المسروق.
غير أن مراقبين أكدوا أن المبالغ المسروقة في نفس القضية وصلت إلى أكثر من 8 مليارات دولار موزعة على جميع المدانين والمتهمين، بعد ما أعلن خلال المرة الأولى أن المبالغ المسروقة بلغت 2.5 مليار دولار.
وبين الناشط في مجال مكافحة الفساد، وعضو لجنة مكافحة الفساد الحكومية السابق سعيد ياسين موسى -للجزيرة نت- أن حجم المبالغ المسروقة في قضية الأمانات الضريبية ناهز 8 مليارات دولار، مشيرا إلى وجود معلومات لا يمكن البوح بها في الوقت الحاضر، لتأثيرها على سير التحقيقات وتتبع حركة المطلوبين والأموال، خاصة بعدما وصل حجم الأموال المسروقة إلى الضعف.
وأُعلن عما يعرف بسرقة القرن في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي عام 2022، على خلفية اشتراك تحالف مؤلف من 5 شركات وهمية في سرقة وسحب مبلغ 3 تريليونات و750 مليار دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من الأموال التي أودعتها كبرى شركات النفط في حساباتها الضريبية باستخدام أوراق وشيكات مزيفة.
ليست الأولى
وفي ذات الصدد، يبين رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي موسى فرج أن “سرقة القرن” ورغم ضخامتها لن تكون الأولى ولا الأخيرة، إلا أن أهميتها تأتي من كونها قضية نموذجية للفساد المافيوي، وينبغي اعتمادها كـ”دراسة حالة” لطبيعة الفساد في البلاد لتوافر معظم عناصر الفساد فيها.
ويقول فرج -للجزيرة نت- إن بيئة ممارسة الفساد ومساهمة الأطراف التشريعية والتنفيذية في أعلى مراتبها تدل على وجود قصر نظر، حيث يتعاملون مع قضايا البلد من منطلق شخصي ضيق، خاصة بعدما قاموا بشن حملة هوجاء لإلغاء مكاتب المفتشين العموميين في الوزارات والتي تمثل خط الصد الأول لمواجهة الفساد.
وأشار إلى أن الأطراف التي هيمنت على أمانة مجلس الوزراء ومكتب رئيس الحكومة -ومنذ حقبة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي– سعت باستماتة للتخلص من الكفاءات، وزجت بدلا عنها بالموالين حزبيا والذين يتعاملون مع قضايا الفساد بشكل مظهري أو انتقائي.
وطالب فرج بتوسيع التحقيق ليشمل كل الذين تواطؤوا أو فتحوا الطريق أمام السارقين بدءا من رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب مرورا برئيس الحكومة ووزير المالية والمديرين العامين وكل من له علاقة مباشرة وغير مباشرة، وعدم حصر الأمر بالسارقين المباشرين.
وأكد أن الأرقام الخاصة بـ”سرقة القرن” لم تكن فقط ما تم الإعلان عنه سابقا بل تفوقه بكثير، معتبرا أن السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة المالية متلكئة في الإفصاح بدقة عن حجم الأموال المسروقة، في حين يعيق عدم التحديد الدقيق لمبلغ السرقة المحاكم من المضي قدما في إجراءات التقاضي، الأمر الذي دفع برئيس هيئة النزاهة لأن يطالب وزيرة المالية وهيئة الضرائب وخلال 15 يوما بتحديد المبلغ المسروق بدقة.
متهمون أساسيون
وبحسب رئيس هيئة النزاهة، فقد ألقي القبض في وقت سابق على المتهم محمد فلاح الجنابي، وهو المدير المفوض لشركة “القانت” والمتهم بسرقة تريليون و85 مليار دينار (نحو 7 ملايين دولار) عبر 79 صكا مزورا، إلى جانب إيقاف المتهم الثالث بسرقة الأمانات الضريبية، في الإمارات، والذي سوف يتم استرداده قريبا.
وبين حنون أن المتهم الرابع هو علاء خلف مران، الهارب حاليا خارج البلاد، وكان منسوبا بمكتب الكاظمي حينها، وهناك أيضا المتهم حسين كاوه ويشغل منصب مدير مفوض لإحدى الشركات المتهمة بالسرقة، والذي ما زال موقوفا في أربيل. وأضاف القاضي أن المساعي جارية مع إقليم كردستان لاسترداده مع مشتبه آخر موقوف أيضا ومتهم بسرقة 624 مليار دينار، من خلال 37 صكا.
وكشف أن عدد المتهمين فاق الثلاثين، وقد تم استرداد أكثر من مليوني دولار و155 مليون دينار عراقي، مؤكدا أن المتهم الأول نور زهير أفرج عنه بكفالة وهو خارج السجن، ونوه إلى أن “قضية سرقة القرن لن تموت مهما حاول الفاسدون حجبها عن الأجهزة الرقابية وأنظار الشعب”.
تحقيقات مستمرة
وكشف رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة، محمد رحيم الربيعي، أن التحقيقات ما زالت مستمرة في قضية سرقة الأمانات الضريبية، من قبل مجلس القضاء الأعلى وهيئة النزاهة الاتحادية وفريق التقصي، فضلا عن فرق من قبل ديوان الرقابة المالية، وقد توصلت جميعها إلى وجود أشخاص آخرين من المتهمين بنفس القضية، واعتبار الجريمة مستمرة طالما لم يسترد المبلغ بالكامل.
ويوضح الربيعي -للجزيرة نت- أن أعداد المتهمين تبقى في حالة ازدياد حتى انتهاء القضية بالكامل، منوها إلى أن إجراءات هيئة النزاهة حقيقية ورادعة وشاملة من أجل استرداد جميع المدانين والمتهمين في هذه القضية، وكذلك استرداد الأموال التي تبقى في زيادة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم الكشف لأول مرة عن قضية سرقة القرن التي تورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، وأثارت سخطا شديدا في البلاد التي شهدت السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد.
ومنتصف يوليو/تموز الماضي، عد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني موضوع سرقة الأمانات الضريبية نقطة سوداء في تاريخ الدولة، موضحا أنها نُفذت بغطاء رسمي، وكشف عن تهريب نصف أموالها إلى الخارج.