الخرطوم- أصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش رئيس مجلس السيادة السوداني قرارات بإقالة مسؤولين أمنيين وعسكريين واقتصاديين في إطار معركة كسر العظم بين الجيش وقوات الدعم السريع التي دخلت شهرها الثاني.
وشملت قرارات البرهان إقالة الفريق عنان حامد وزير الداخلية المكلف المدير العام لقوات الشرطة وتكليف الفريق خالد حسان بمهام مدير الشرطة، وإنهاء خدمة السفيرين في وزارة الخارجية عبد المنعم البيتي وحيدر بدوي.
كما أعفى البرهان محافظ بنك السودان المركزي حسين جنقول وعيّن برعي الصديق علي خلفا له، وأحال 4 ضباط في الجيش إلى التقاعد بسبب تمسكهم بالعمل مع قوات الدعم السريع.
وأصدر البرهان قرارا آخر بتجميد حسابات الدعم السريع وشركاتها في جميع المصارف السودانية وفروعها بالخارج، ومنع صرف أي استقطاعات أو ميزانيات مرصودة لها.
اختفاء مسؤولين
وكشفت مصادر في مجلسي السيادة والوزراء للجزيرة نت أن المكون العسكري في مجلس السيادة -الذي يدير العملية العسكرية في مواجهة قوات الدعم السريع منذ شهر- لاحظ تقاعس مسؤولين في الحكومة المكلفة وغياب آخرين لأسباب غير مبررة، مما تسبب في فراغ وتدهور الخدمات وتعطل العمل في قطاعات مهمة بالدولة.
وغادر عنان حامد وزير الداخلية مدير الشرطة المكلف البلاد قبل اندلاع الحرب إلى العاصمة العراقية بغداد، ثم انتقل إلى السعودية لأداء العمرة، وخلال وجوده هناك بدأت المواجهات واستمر هناك 3 أسابيع، قبل أن يعود قبل أيام، وكان التواصل معه متعثرا، الأمر الذي اعتبرته القيادة العسكرية هروبا من المسؤولية في ظل طوارئ بالبلاد، حسب المصادر ذاتها.
وأفادت المصادر بأن مناطق واسعة في محليات ولاية الخرطوم كانت هادئة، وكان يمكن أن تنشر فيها قوات الشرطة لحفظ الأمن ومنع عمليات النهب والسلب، حيث استغل اللصوص حالة الفراغ الأمني ونهبوا الممتلكات العامة والخاصة ودمروا أسواقا عدة، مما ساهم في تعقيد الأوضاع الأمنية والمعيشية للمواطنين وأثار الذعر وسط المواطنين الذين اتهموا السلطات بالتقصير في أداء مهامها.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن نشر قوات شرطة الاحتياطي المركزي في السوق العربي بوسط الخرطوم والكلاكلة في جنوبها أدى إلى استقرار الأوضاع وعودة الأمن في هذه المناطق.
أما محافظ بنك السودان المقال حسين جنقول فقد غادر إلى بلدته في ولاية شمال كردفان عقب تفجر الأوضاع الأمنية حسب المصادر الحكومية، وتعذر التواصل معه في وقت كان يمكن أن يظل في الخرطوم لمعالجة قضايا مرتبطة بالنظام المصرفي، حيث إن 15 ولاية من ولايات البلاد الـ18 كانت آمنة ويمكن للجهاز المصرفي أن يباشر عمله فيها بصورة طبيعية.
وأضافت المصادر أن تعقيدات تقنية مرتبطة بعمل المقاصة الإلكترونية لتحويل الأموال والشركة العاملة في الدفع الإلكتروني عبر نقاط البيع وتطبيقات المصارف كان يمكن معالجتها في ظل توقف عمل المصارف بالخرطوم لو كان محافظ بنك السودان على رأس عمله، مشيرة إلى أن تعطل هذه الخدمات زاد متاعب المواطنين وفاقم أوضاعهم المعيشية.
تحريض بالخارجية
وبشأن إنهاء خدمة عبد المنعم البيتي نائب السفير السوداني في ألمانيا والمتحدث باسم الخارجية السابق حيدر بدوي، قال مسؤول في وزارة الخارجية إنهما ينتميان إلى الحزب الجمهوري أحد مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، ولهما مواقف مناهضة للمكون العسكري.
وحسب المسؤول الحكومي، فإن البيتي كان قد ضمن المناهضين لقرارات البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2012 واعتبرها في بيان انقلابا عسكريا، وظل ينتقد الأوضاع.
وأضاف أن حيدر بدوي نشر قبل 3 أيام رسالة إلى وزير الخارجية المكلف علي الصادق يطالبه بالاستقالة وعدم التعاون مع من سماهم “الانقلابيين”.
وقال بدوي في رسالته إلى وزيره “قدم استقالتك ولا تجعل نفسك حليفا للقوى التي تهرق دماء شعبنا الغالي، وما قد يصيبك أهون بكثير مما أصاب شهداءنا وأسرهم المكلومة، ونرجو أن يتبعك آخرون من الوزراء والسفراء فتكون فزت بثوابي الدنيا والآخرة”.
عصيان عسكري
وفي إطار إضعاف قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” قرر البرهان في أول أيام الحرب إنهاء انتداب 480 ضابطا بالجيش كانوا مع الدعم السريع، الأمر الذي اعتبره حميدتي خيانة له، ورأى خلال حديث تلفزيوني أن انسحاب هؤلاء الضباط في وقت واحد أدى إلى تسليم قواته ومعسكراته في أغلبية الولايات للقوات المسلحة.
لكن 4 ضباط لم يعودوا إلى الجيش وظلوا مع الدعم السريع، مما دفع البرهان إلى إحالتهم للتقاعد، وهم اللواء حسن محجوب مدير مكتب حميدتي، ومسؤول العمليات في قوات الدعم السرية اللواء عثمان حامد، ورئيس وفد الدعم السريع إلى مفاوضات جدة العميد عمر حمدان، وقائد متحرك قوات الدعم السريع في منطقة أم دخن العميد أبشر جبريل.
ويرى الخبير العسكري حسن عبد العظيم أن قرار البرهان غير موفق، وفيه تساهل كبير لأن أي عسكري أو ضابط يخالف أوامر قائده يوضع في الإيقاف وتشكل له محكمة عسكرية، ويمكن أن تصل العقوبة إلى التجريد من الرتبة العسكرية والحرمان من حقوقه المالية.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يقول عبد العظيم أن الضباط الأربعة تمردوا على الجيش ورفضوا تنفيذ أوامر القائد العام، ولا يمكن مكافأتهم بالإحالة إلى التقاعد والحصول على استحقاقاتهم المالية.
ويعتقد أن قرار البرهان الآخر بتجميد حسابات قوات الدعم السريع وشركاتها ووقف صرف أي ميزانيات مرصودة لها يعني عدم صرف مرتبات قوات الدعم السريع، مما يشكل ضغطا على حميدتي ويساهم في تململ عناصر قواته، ولم يستبعد أن يكون اتجاه بعضهم إلى السلب والنهب وراء حاجتهم إلى تلبية احتياجاتهم التي لا يمكن تأخيرها.
ترتيب البيت
ولاحظ مراقبون أن الوزراء الذين كلفهم البرهان بعد قراراته في أكتوبر/تشرين الأول 2012 بحل مجلس الوزراء وفرض حال الطوارئ اختفوا من المشهد منذ اندلاع الحرب قبل شهر، ولم يظهر سوى وزير المالية جبريل إبراهيم الذي اتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية في شرقي البلاد مقرا له، وعقد لقاءات مع حكام الولايات والمسؤولين في القطاع الاقتصادي، وتولى متابعة انسياب السلع والخدمات وحركة الصادرات والواردات.
ومن أبرز المسؤولين الذين قاموا بأدوار مهمة خلال الأزمة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الذي خرج من الخرطوم برتل من المركبات العسكرية لقواته واستقر في الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، وتبنى مع حكام الولايات خطة لتحسين الخدمات وتأمين الممتلكات العامة والخاصة والطرق الرئيسية واحتواء العنف القبلي في غرب دارفور.
بدوره، يرى المحلل السياسي بشير العجمي أن قرارات البرهان التي صدرت بعد شهر من بداية المواجهات في الخرطوم تشير إلى أنه بات مطمئنا لسير الاشتباكات وتقدم الجيش في تحقيق أهدافه، ووجد فسحة من الوقت للمراجعة وتقويم أداء أجهزة الدولة ويعمل لترتيب البيت حتى تقوم بمهامها واحتواء آثار المواجهات على المدنيين وعودة الحياة العامة إلى طبيعتها.
وفي حديث مع الجزيرة نت، توقع العجمي صدور قرارات أخرى من البرهان لتفعيل أجهزة ومؤسسات الدولة، بالإضافة إلى صدور قرارات بحق حميدتي وأخيه عبد الرحيم، حيث لا يزال الأول يحتفظ بموقع الرجل الثاني في الدولة ورتبته العسكرية، وكذلك الثاني لا يزال ضابطا في المؤسسة العسكرية، مشددا على أن تأخير اتخاذ قرار بشأنهما يثير كثيرا من التساؤلات.