اهتمت صحيفتا “جوريزاليم بوست” و”يديعوت أحرنوت” الإسرائيليتان بالتطورات في سوريا بشكل كبير، وقدمتا تحليلين حاولتا من خلالهما رؤية المصالح الإسرائيلية والمخاطر التي يمكن أن تهددها من التغييرات المحتملة. وقد اتفقتا رغم اختلاف زاويتي النظر وبعض التفاصيل على أن النظام السوري الضعيف تحت حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد كان يصب في مصلحة إسرائيل.

وقالت جيروزاليم بوست -في تحليل بقلم هيرب كينون- إن الاشتعال المفاجئ للحرب الأهلية السورية جعل العديد من الإسرائيليين يتساءلون “عدو عدوي يقاتل عدوي، إذن فأنا مع أيهما؟”، أو بعبارة أخرى، من الذي لا ترغب إسرائيل في رؤيته على حدودها مع سوريا، هل هم “المتطرفون الجهاديون الشيعة” المدعومون من قبل إيران أم “الجهاديون السنة” المدعومون من قبل تركيا؟

بعيدا عن الصراع

ولأن إسرائيل لا ترغب في وجود أي منهما على حدودها وتفضل وجود نظام سوري ضعيف يحكمه الأسد بدل سقوطه -كما تقول الصحيفة- فإن نهجها تجاه التطورات في سوريا سيكون البقاء بعيدا عن الصراع ما لم يتم تهديد مصالحها الأمنية بشكل مباشر أو فوري، كما قال إسحاق شامير أثناء الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، يمكن لإسرائيل “أن تتمنى النجاح لكلا الجانبين”.

وقالت إن هجوم المعارضة السورية المسلحة لم يتوقعه إلا القليل رغم أنه لم يكن مفاجئا تماما، إذ كان واضحا أن حرب الشرق الأوسط التي بدأتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بهجومها على إسرائيل ستكون لها آثار إقليمية أوسع، وإن لم يكن واضحا ما ستكون عليه هذه الآثار والتداعيات.

وقد أدى هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى فتح حزب الله اللبناني جبهة ضد إسرائيل وطرد 60 ألف إسرائيلي من منازلهم، ومرت 11 شهرا طويلة، من الحرب انتهت بانفجار أجهزة الإنذار واغتيال قيادة حزب الله والتدهور الشديد لقدراته، وإظهار ضعف إيران وقدرتها على الاختراق.

مصالح مختلفة

وبعد هذا التسلسل من الأحداث اتخذت المعارضة السورية قرارا بمحاولة استعادة حلب وإعادة إشعال الحرب الأهلية في وقت أصبحت فيه 3 من أكبر حلفاء الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد ضعيفة للغاية أو مشغولة، موسكو منشغلة في أوكرانيا، وحزب الله وإيران في أضعف أحوالهما، ومع ابتعاد حلفاء الأسد الثلاثة، رأت هذه المعارضة فرصة كانوا يخططون لها فيما يبدو، وانقضوا عليها في نفس اليوم الذي أعلن فيه حزب الله وإسرائيل عن وقف إطلاق النار.

وكانت الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011 قد أثارت مجموعة من الجهات الفاعلة المختلفة التي لديها عدد لا يحصى من المصالح الأيديولوجية المختلفة، والقتال المتجدد اليوم -حسب الصحيفة- ليس مختلفا عنها، وهي تتعلق بالمصالح الأساسية لـ4 لاعبين رئيسيين في هذه الدراما، إسرائيل وتركيا وإيران وروسيا.

ولخصت الصحيفة مصالح إسرائيل التي تسببت أفعالها في لبنان وسوريا في إضعاف المحور الإيراني السوري اللبناني ومنع إيران من استخدام سوريا في إعادة تسليح حزب الله وبناء قوته، مشيرة إلى أن الحرب الأهلية أخرجت سوريا من كونها تشكل تهديدا لإسرائيل.

قد يؤدي إلى الفوضى

ولم تكن تريد إسرائيل أن يسقط الأسد لأن ذلك قد يؤدي إلى الفوضى التي نادرا ما تكون مفيدة لإسرائيل، ولأن تل أبيب تحب القدرة على التنبؤ، والأسد في سوريا يوفر ذلك، فهو ليس صديقا، ولكن إسرائيل على الأقل تعرف ماذا تتوقع منه ـوما يمكنه وما لا يمكنه فعله، وما سيفعله وما لن يفعله.

أما تركيا -حسب الصحيفة- فمصالحها تتلخص أساسا في إعادة توطين ما يقدر بنحو 3.5 ملايين لاجئ سوري تدفقوا إلى أراضيها منذ بداية الحرب الأهلية في شمال سوريا، وفي تقويض الجهود الكردية في المنطقة بشكل أكبر.

ومصلحة إيران، التي تعد الخاسر الأكبر إلى جانب الأسد، هي الحفاظ على سوريا كممر للأسلحة إلى حزب الله وكمنصة لإنتاج الأسلحة للمجموعة اللبنانية وإعادة بناء وكيلها الرئيسي، وبالتالي إذا سقط الأسد سوف تضيع هذه القناة، حسب الصحيفة.

وكانت روسيا قد تدخلت بنشاط في 2015 في الحرب الأهلية السورية، وبذلك قلبت الموازين لصالح الأسد، وكان ذلك نابعا من عدة مصالح مهمة، وهي أن روسيا من خلال سوريا قادرة على فرض قوتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومحاربة النفوذ الأميركي في المنطقة، وأنها تحصل على ميناء على البحر الأبيض المتوسط ​​في طرطوس، فضلا عن قاعدة جوية بالقرب من اللاذقية.

مكسب إستراتيجي

ومن ناحيتها، قالت “يديعوت أحرونوت” -في تحليل بقلم رون بن يشاي- إن الهجوم الذي شنته المعارضة السورية، إلى جانب عجز جيش النظام السوري الواضح، أدى إلى إثارة سلسلة من ردود الفعل بين مختلف الجماعات العرقية والدينية في سوريا.

ورأى الكاتب أن هناك تهديدا وشيكا على إسرائيل من قبل “الجهاديين السنة” وعليها، كإجراء احترازي، أن تستعد لأي سيناريو من هذا القبيل، بما في ذلك إجراء مناورة عسكرية واسعة النطاق في شمال وادي الأردن وجنوب مرتفعات الجولان.

وفي ظل استيلاء المعارضة السورية على مدينة تدمر في وسط سوريا، حيث قتلت ضربة إسرائيلية ما لا يقل عن 82 من مقاتلي المليشيات الموالية لإيران وقادة حزب الله -حسب الصحيفة- وبالتالي من غير المرجح أن تنشئ المليشيات الموالية لإيران وجودا لها في المنطقة، إضافة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قامت بجهود لصالح الجيب الكردي في شمال سوريا، ولانتزاع السيطرة على معاقل نهر الفرات من المليشيات الشيعية الموالية لإيران.

دعم الأكراد

وبالنسبة لإسرائيل، من الأهمية بمكان التأثير على الولايات المتحدة لمواصلة دعم الأكراد وضمان بقاء القوات الأميركية في المنطقة -حسب الكاتب- في الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى الحصول على نفوذ أميركي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمنع المسلحين السوريين من التقدم نحو مرتفعات الجولان.

وذكر الكاتب بأن مخاوف إسرائيل بشأن وقوع الأسلحة الإستراتيجية السورية في أيدي المعارضة السورية قد هدأت بشكل كبير بعد أن استهدفت المجمع العسكري الصناعي الرئيسي في سوريا بالقرب من بلدة السفيرة، حيث كانت تخزن الصواريخ ومعدات الإنتاج، الإيرانية والسورية، ويزود حزب الله بالأسلحة.

وبدت إسرائيل سعيدة بأن المسلحين السوريين لم يتحركوا غربا إلى المنطقة الساحلية التي تهيمن عليها الطائفة العلوية حيث تقع منشآت عسكرية صناعية سورية أخرى، بل ركزوا بدلا من ذلك على السيطرة على الطريق السريع الرئيسي من الشمال إلى الجنوب، وهو الطريق السريع الذي يربط حلب وحماة وحمص ودمشق.

وختمت الصحيفة بأن إسرائيل، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، يجب أن تظل في حالة تأهب قصوى في مرتفعات الجولان، مع التركيز على الاستخبارات والدفاع الجوي للرد على أي تطورات غير متوقعة في سوريا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version