مسيَّرة “بيرقدار تي بي 2” فتحت مجالا واسعا لصادرات الصناعات الدفاعية التركية (موقع شركة بايكار)

طفرة بيرقدار

بدأت تركيا منذ عام 2017 تصدير طائراتها المسيرة، وفي غضون 7 سنوات انتشرت في أجواء وقواعد نحو 35 دولة، بما في ذلك أوروبا (بما فيها دول ضمن حلف الناتو) وآسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية. ورغم الأهداف التجارية المهمة لتلك الصفقات فإنها جلبت شراكات لتركيا جديدة وعززت نفوذها مع حلفائها ومصالحها الإستراتيجية.

وضمن آخر تلك الصفقات، أعلنت الحكومة الكينية في يناير/كانون الثاني شراء 6 مسيّرات تركية من طراز “بيرقدار 2″، بما يوسع انتشار المسيّرات التركية في الأسواق الأفريقية والعالمية.

تزامن البروز التركي في مجال تصنيع المسيّرات مع تحولات في تكتيكات الحروب وطبيعتها وزياد الطلب العالمي على هذا النوع من الطائرات، خصوصا المسلحة منها لدورها في حسم المعارك وتقليل الخسائر.

ورغم ريادة شركة “أسيلسان” (Aselsan) الحكومية التي تأسست عام 1975، ومؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI) التي تأسست عام 1984، مثلت شركة “بايكار”(Baykar Savunma)، التي تأسست عام 1984، علامة فارقة في صناعة الطائرات المسيرة واقتحام الأسواق العالمية، خصوصا بعد أن تسلم سلجوق بيرقدار إدارتها الفنية عام 2007.

وتصف وسائل الإعلام التركية والعالمية المهندس التركي الشاب سلجوق بيرقدار (1979) بأنه “الأب الروحي للطائرات المسيّرة التركية”، فهو خريج قسم هندسة الإلكترونيات والاتصالات في جامعة إسطنبول، وحاصل على درجتي ماجستير من جامعة بنسلفانيا (2004) ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق بالولايات المتحدة (2006) في مجالات هندسة أنظمة إلكترونيات الطيران والتحكم بالطيران الآلي وتطوير خوارزمية الملاحة.

سلجوق بيرقدار دفع صناعات المسيّرات في تركيا  إلى مواقع الصدارة عالميا (مواقع التواصل)

عاد الشاب الطموح إلى تركيا ليصبح المدير الفني والتقني لشركة “بايكار” للصناعات الدفاعية منذ عام 2007، وكبير مهندسي تصميم وتشغيل أول أنظمة الطائرات من دون طيار (المسيّرات) في تركيا.

وبدأت الطفرة التكنولوجية بطائرة “بيرقدار ميني يو إيه في” (Bayraktar MINI UAV) فقد طورتها الشركة تحت إشراف سلجوق بيرقدار، كأول مسيّرة محلية في تركيا.

كما طوّر لاحقا مسيّرة “بيرقدار تي بي 2” (Bayraktar TB2 S/UAV)، التي دخلت الخدمة عام 2014 واشتهرت على نطاق واسع، ولاحقا ظهرت النسخ الأولى من طائرة “بيرقدار أقنجي” (Bayraktar Akıncı) الثقيلة التي طورتها شركة “بايكار” أيضا.

وبالإضافة إلى فئة بيرقدار بأنواعها، تصنّع تركيا طائرات مسّيرة من فئتي “أنكا” (ANKA) و”أكسنغور” (Aksungur) في معامل مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI)، كما أطلقت مقاتلة “بيرقدار-قزل إلما” (Bayraktar-kizilelma) المسيرة والتي تتميز بخاصية التخفي والمناورة السريعة، ويمكنها حمل 1.5 طن من الصواريخ والذخائر وتصل مدة طيرانها إلى 5 ساعات، وأنواعا أخرى.

وبذلك ساهم المهندس الشاب -الذي تزوج لاحقا ابنة الرئيس رجب طيب أردوغان- في وضع تركيا ضمن أهم 5 مصنعين للطائرات المسيرة عالميا، وفتح المجال أمام الصناعات الدفاعية التركية لولوج السوق العالمية.

وعلى المستوى التسويقي، لفتت المسيرات التركية الأنظار عسكريا ثم تجاريا بدورها الحاسم في تغيير موازين الصراع في ليبيا خلال حملة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس 2019 لفائدة حكومة الوفاق الوطني -آنذاك- التي تدعمها تركيا، ثم في شمال سوريا وأذربيجان وشمال العراق، وهو ما حوّلها من مجرد أداة عسكرية إلى مفتاح جيوسياسي ساهم في توسيع نطاق نفوذ تركيا العسكري والدبلوماسي.

ويرى محللون أن الطائرات المسيرة التركية ساهمت وما زالت في دعم السياسة الخارجية لتركيا وضمان مصالحها في المنطقة وتوسيع حضورها العسكري والدبلوماسي، إذ إن امتلاك ناصية القوة العسكرية وأدواتها يعد ميزة مهمة في خدمة السياسة الخارجية لأي دولة، وهي بلا شك ترفد صعود تركيا كقوة يتجاوز دورها البعد الإقليمي.

مقاتلة بيرقدار  “قزل إلما” تتميز بخاصية التخفي والمناورة السريعة (موقع شركة بايكار)

ويؤكد تقرير “مركز الأمن الأميركي الجديد” (سي إن إيه إس) لعام 2023 أن تركيا باتت تتصدر سوق المسيرات الاستطلاعية والمسلحة على المستوى العالمي. وتصنع تركيا -إضافة إلى الصين وإيران- مسيّرات ذات قدرات مميزة وبتكاليف منخفضة، ما قلص الاحتكار الأميركي والإسرائيلي (بدرجة أولى) عالميا، إذ إن تكلفة مسيرة “بريداتور” الأميركية تصل إلى 12 مليون دولار، مقابل 5 ملايين دولار لطائرة “بيرقدار تي بي 2” دون ذخائرها على سبيل المثال.

كما يشير محللون إلى أن الصين تعد حاليا المنافس الرئيسي لتركيا في سوق المسيّرات، مع تفوق تركي نسبي، وفي المقابل تعاني إسرائيل صعوبة في تسويق طائراتها التي لم تثبت قدراتها  في العدوان على غزة أو لبنان ، مع ارتفاع أسعارها وتكلفة صيانتها مقارنة بنظيراتها التركية والصينية وحتى الإيرانية.

وفي السنوات الأخيرة، حصلت شركة “بايكار” على أكثر من 90% من إيراداتها من الصادرات وفق وسائل الإعلام التركية، ما يؤكد ارتباط الجانب التجاري والاقتصادي بالمكاسب الجيوسياسية الأكثر أهمية في الوقت الحالي بالنسبة لتركيا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version