بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ 10 أشهر، يواصل جيش الاحتلال تصعيد عملياته العسكرية في الضفة الغربية، مركزا على مخيمات النازحين، خاصة مدينة طولكرم ومخيميها نور شمس وطولكرم، والتي كان لها نصيب الأسد من الاقتحامات والاعتداءات الإسرائيلية خلال الشهرين الماضيين.
والسبت الماضي، اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي 9 فلسطينيين في قصف جوي لمركبتين بطولكرم، أشفعهما بعملية عسكرية في المدينة، التي كان قد انسحب منها قبل أيام معدودة.
العملية الأخيرة تأتي ضمن سلسلة عمليات عسكرية نفذها الجيش الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها بالتزامن مع بدء حربه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأدت لاستشهاد 131 فلسطينيا وإصابة العشرات واعتقال المئات، وفق أرقام رسمية فلسطينية.
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، بدت شوارع وأزقة مخيمي طولكرم مدمرة، رغم أعمال الترميم بعد انتهاء العمليات.
عن ذلك، قال سكان محليون إن مخيمي طولكرم تحولا إلى ما يشبه كومة من الأنقاض، وكأن زلزالا ضربهما.
ولفت هؤلاء السكان إلى أن الكثير من البيوت في المخيم تضررت أو هدمت كليا، فيما تبدو الشوارع مدمرة، ويعاني السكان من انقطاعات في خدمات المياه والكهرباء وشبكات الهاتف وتعطل الصرف الصحي.
خاصرة رخوة
وعن أسباب الاقتحامات والاستهداف المتكرر من قبل الجيش الإسرائيلي لطولكرم، قال الباحث الفلسطيني رئيس مجلس إدارة جامعة خضوري في طولكرم سليمان الزهيري إن طولكرم تعد بمثابة الخاصرة الرخوة لإسرائيل.
وأوضح “تعد طولكرم ومخيماها الأقرب إلى العمق الإسرائيلي، فهي تقع بمحاذاة الجدار الفاصل مع إسرائيل، الأمر الذي جعلها دوما في حالة مقاومة”.
وأضاف “من هنا بدأ الاحتلال ومستوطنوه بشيطنة طولكرم، حيث نسمع بين الحين والآخر دعوات لتحويل طولكرم إلى خراب ودمار”.
وأشار الزهيري إلى أن السلطات الإسرائيلية تخشى تكرار ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مدن ومستوطنات إسرائيلية أخرى انطلاقا من طولكرم، لذلك تسعى تل أبيب لقتل المقاومين هناك، في محاولة منها لوأد نضال سكانها ضد الاحتلال.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هجوما على قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية قرب القطاع ضمن عملية أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى” بغية إنهاء الحصار الجائر على غزة وإفشال مخططات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وفرض سيادتها على المسجد الأقصى.
وأشار الزهيري إلى أن الحالة النضالية العسكرية للمقاومة، التي بدأت في مخيم جنين شمالي الضفة، وانتقلت إلى طولكرم -بالتزامن مع الحرب على غزة- تصاعدت بصورة كبيرة، حيث انخرطت فيها مجموعات شبابية وجيل لا يخشى المواجهة.
واعتبر أن السكان في طولكرم تربطهم روح الوحدة، ويشكلون حاضنة شعبية للمقاومة، التي تتكاتف كافة فصائلها معا.
وتابع “شكل السكان في مخيمي نور شمس وطولكرم حاضنة شعبية للمقاومة، الأمر الذي صعب على الاحتلال التخلص منها وإنهاء الحالة النضالية هناك”.
منطقة عازلة
ويفصل جدار الفصل الإسرائيلي بين طولكرم وإسرائيل، حيث تنتشر في امتداده بوابات ونقاط عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي باتت هدفا لعمليات المقاومة من حين لآخر.
وبمواجهة ذلك، كما يقول الزهيري، بدأ الاحتلال بإنشاء منطقة عازلة بين طولكرم والجدار الفاصل بعمق 400 متر في بعض الأحيان يقتطعها من أراضي المواطنين الفلسطينيين.
ولفت إلى أن الاحتلال جرف مناطق واسعة في تلك الأراضي، ويطلق النار على من يقترب منها، حيث لا يسمح للمزارعين بالوصول إلى أراضيهم.
وأرجع ذلك إلى محاولة إسرائيل منع أي هجوم أو تنفيذ عمليات إطلاق نار ضد مدنها ومستوطناتها القريبة من طولكرم.
وقال إن الاحتلال الإسرائيلي بات يعيش حالة خوف من تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
مقاومة لا تخشى المواجهة
ورغم التنكيل الإسرائيلي في طولكرم، فإن المقاومين من شتى الفصائل الفلسطينية الذين ينشطون هناك لا يخشون مواجهة الاحتلال.
وعن ذلك، قال مقاوم من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ينشط في مخيم طولكرم، إن “العمل الجهادي متواصل ما دام الاحتلال موجودا، وعندما يُقتل منا قائد يأتي من يكمل الطريق، وهذا واجب علينا”.
المقاوم، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، أضاف “نعد للاحتلال كل ما يمكن من العبوات الناسفة المستخدمة في الكمائن، والقنابل اليدوية المحلية الصنع، والاشتباك المباشر مع القوات”.
ورغم قلة الإمكانيات، يؤكد المقاوم “نحن ننتصر أو نستشهد، كلنا على هذا الطريق، لا تخيفنا المسيرات الإسرائيلية أو غيرها، نتربص بالعدو بين الزقاق وفي كل مكان لا يتوقعه”.
وأشار إلى أن سر قوتهم تكمن في الحاضنة الشعبية في المخيمات التي تحتضنهم وتوفر لهم الملجأ.
وفي المخيم ذاته، قال مقاوم من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي يُدعى غيث رضوان “لا يمكن لهذا الجيش أن يقتحم المخيمات دون آليات مدرعة وبغطاء جوي، ورغم ذلك فإن العبوات تنتظرهم، ونحقق إصابات مباشرة في الآليات وفي صفوف القوات”.
وأضاف “يعتمد الاحتلال سياسة القصف الجوي، وضرب الحاضنة الشعبية عبر تجريف البنية التحتية والمنازل، لكنه يفشل في كل مرة ونزداد قوة”.
وتابع “نمضي على قاعدة ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.
وعن استهداف طولكرم، قال رضوان إن طولكرم ومخيماتها كانت دائما شوكة في حلق الاحتلال.
وأكد أن “المقاوم لا يخشى المواجهة، فكلما ذهب شهيد أتى مكانه آخرون، وكلنا مشاريع شهداء”.
والشهر الماضي، بثت كتائب القسام مقطع فيديو يوثق تنفيذ 3 عمليات إطلاق نار وتفجير ضد مركبات وحافلات إسرائيلية في محيط طولكرم.