نيروبي- مع تواصل الاشتباكات المسلحة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، تحاول دول منطقة شرق أفريقيا تطويق الأزمة مخافة أن تتوسع ارتداداتها إلى دول الجوار المتخمة بالأزمات.
في هذا السياق، بادرت كينيا منذ الأسبوع الأول إلى طرح مبادرة وساطة لتهدئة الوضع، حين قدّم الرئيس الكيني وليام روتو مقترحا من 8 نقاط، يتضمن استضافة نيروبي لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حمدتي” للحوار والوساطة، غير أن هذا المقترح لم يجد صدى في السودان فيما يبدو بعد أن تم تجاهله من الطرفين.
وفيما يبدو أنه رد فعل على هذا التجاهل، أعلن الرئيس روتو أن بلاده والقارة الأفريقية لن تقبل في المستقبل بحكم عسكري في السودان، مضيفا أن “الجنرالين ليس لديهما أي سبب لتدمير سنوات التنمية التي تم تحقيقها بشق الأنفس، وسوف يخضعان للمساءلة”.
كما دعا وزير الخارجية الكيني ألفريد موتوا، البرهان وحميدتي إلى خلع البزة العسكرية إذا أراد أي منهما حكم السودان، مؤكدا أن كينيا تعمل على دعم السودانيين لتأسيس سلطة مدنية كاملة، وأن أفريقيا عانت كثيرا تحت الحكم العسكري، خلال مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر مطلع الشهر الجاري.
كما ألقى الوزير الكيني باللوم على طرفي الصراع، مشددا على “عدم القبول بأن يصبح الشعب السوداني رهينا للطموحات الشخصية لقائدين اثنين فقط”.
محاولات كينية
في هذا الإطار، يرى مدير معهد هورن الدولي للدراسات الإستراتيجية في نيروبي، حسن خانينجي، أن موقف كينيا المعلن، يسعى لمواجهة أي نتيجة من شأنها تعزيز الحكم العسكري، ليس في السودان فحسب، بل وفي المنطقة ككل، لأنها ترى أن ذلك قد يهدد نموذجها المدني الديمقراطي في الحكم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف خانينجي أن كينيا ترى أن المدنيين في السودان كانوا دائما الطرف الثالث المقصى من المشهد السياسي، لذا تركز على إعادتهم إلى المشهد في هذه الفترة الانتقالية.
وفي هذا الصدد، ترى الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشؤون الأفريقية ليلى محمد، أن كينيا قد ترغب فعلا، في وجود إدارة مدنية في الخرطوم، لكنها غير قادرة على فرض هذه الإرادة، على الأقل في المنظور القريب.
وفي حديثها للجزيرة نت، لفتت ليلى محمد إلى وجود العديد من اللاعبين بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وغيرهم، الذين يسعون أيضا إلى التوسط في السلام بالسودان، كل من وجهة نظره، والتي قد لا تتطابق مع وجهة النظر الكينية.
بدوره، يرى الباحث في العلاقات الدولية إدغار غيثوا، أن الرئيس الكيني يخطو خطوات إيجابية في الوساطة، معتبرا أنه قد أحدث الكثير من الضجيج الإيجابي بشأن هذا الموقف، خصوصا مع مساندة المستشار الألماني، التي تعتبر بلاده مؤثرة للغاية في الاتحاد الأوروبي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى غيثوا أن الرئيس الكيني سيحقق بعض التقدم وسيسهم في حل القضية السودانية، بسبب وضع كينيا إستراتيجيا في المنطقة كحليف للولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى.
حمدوك على الخط
ومنذ بداية الشهر الجاري كثّف الرئيس الكيني من لقاءاته مع كبار المسؤولين الدوليين للبحث عن دعم دولي لموقفه الداعم لإرساء سلطة مدنية في السودان.
لكن اللقاء الأبرز -رغم أنه لم يحظ باهتمام إعلامي بارز- هو اللقاء بوفد عن الأمم المتحدة في أول شهر مايو/أيار الجاري، وذلك قبل لقائه لاحقا الأمين العام للمنظمة، لمناقشة الأزمة السودانية.
وقد ضم الوفد أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، ورئيس وزراء السودان الأسبق عبد الله حمدوك.
إثر هذا اللقاء مباشرة، طرح حمدوك، في سلسلة من التغريدات على تويتر، خارطة طريق تتضمن عدة مقترحات لحل الأزمة، من أبرزها الحوار العاجل بين الجيش والدعم السريع لتوفير الأساس لوقف دائم لإطلاق النار، وإشراك المدنيين السودانيين في مفاوضات شاملة تهدف إلى وقف الحرب وإحلال السلام، واستئناف العملية السياسية والانتقال الديمقراطي.
الجدير بالذكر أن الدعوات الكينية العلنية لإرساء سلطة مدنية في السودان، برزت بعد لقاء حمدوك مع الرئيس الكيني، وطرح الأول مقترحاته لحل الأزمة.
في هذا السياق، ترى الكاتبة الصحفية ليلى محمد أن وجود حمدوك في كينيا هو واحد من القطع العديدة على رقعة الشطرنج، التي تسعى من خلالها كينيا لإعادة الحكم المدني في السودان.
وتقرأ ليلى وجود حمدوك في كينيا كتأييد له لقيادة حكومة مدنية مستقبلية، بل كأحد أفضل الحلول التي يمكن أن تبدأ بها كينيا في التعامل مع الأزمة، من خلال إشراكه كأحد اللاعبين المهمين في المشهد السياسي السوداني، كما أن رمزيته كآخر رئيس حكومة مدنية، يمكن أن يساعدها في تسويق موقفها الداعم للحكم المدني.
في المقابل، يرى الباحث في العلاقات الدولية إدغار غيثوا أن الهدف من زيارة حمدوك لنيروبي، هو بحثه عن الدعم لخارطة الطريق التي طرحها لإنهاء الأزمة وإعادة الحكم المدني إلى السودان، وذلك لاقتناعه بالدور الوازن الذي تلعبه كينيا في منطقة الشرق الأفريقي، وعلاقات الرئيس الكيني الوثيقة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية.