كتب إريك شميدت، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، أن صناعة الدفاع تشهد لحظة فارقة، لأن ميزانيات الدفاع ترتفع في جميع أنحاء العالم في ظل تزايد الخطورة مع حرب روسيا في أوكرانيا، والصراعات في غزة وخارجها، وعلى خلفية المنافسة بين القوى العظمى، ومن ثم يجب الآن تطوير ما نحتاجه لنكون مستعدين للقتال في المستقبل.
وأوضح شميدت الحاصل على وسام الإمبراطورية البريطانية الفخري -في مقال لصحيفة فايننشال تايمز- أن التقديرات تظهر أن الإنفاق العسكري العالمي زاد بنسبة 34% على مدى السنوات الخمس الماضية، إذ تلقت شركات الدفاع الخمس الرئيسية في الولايات المتحدة طلبات جديدة كبيرة.
وتتزامن هذه الطفرة الدفاعية -حسب الكاتب- مع ثورة تكنولوجية أخرى تتكشف من حولنا، ألا وهي الذكاء الاصطناعي، ولذلك فإن على صناع القرار في مجال المشتريات أن يفضلوا أنظمة الأسلحة الجذابة والمتوفرة بكثرة وذات التكلفة الرخيصة، مما يتيح عديدا من الفرص لشركات الدفاع الناشئة.
وأشار الكاتب إلى أنه يستثمر في مثل هذه الشركات الناشئة، لأن العالم في حاجة إلى قدرات جديدة تمكنه من التنافس في هذا العالم المتغير، وقد استخلص -كما يقول- من الصراع بين أوكرانيا والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، 3 دروس ينبغي أن تساعد في توجيه الجيش، ومسؤولي الدفاع ومتخصصي المشتريات في اتخاذ القرار الصائب في الوقت الذي يبحر فيه العالم في المستقبل.
3 دروس
الدرس الأول يبدأ من مقولة إنك “تذهب إلى الحرب بالجيش الذي لديك لا بالجيش الذي تريده”، وهو ما يعني أنه من المهم ألا تعمل الزيادة في الإنفاق الدفاعي واستبدال الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا بإعادة تحميل المخزونات الأميركية فحسب، بل لا بد من إعادة تجهيزها وصناعة الدفاع التي تزودها بها.
وإذا كانت الهوامش على الأنظمة “الفاخرة” الباهظة الثمن والصيانة سوف تمكن المقاولين الرئيسيين في مجال الدفاع من إعادة شراء المخزون، فإن مزيدا من الأموال ينبغي أن تذهب إلى البحث والتطوير، وبالتالي يمكننا استكمال -إن لم يكن استبدال- مقاتلات “إف-35” وما تعلق بها بوحدات من الطائرات المسيرة بعيدة المدى، حسب رأي شميدت.
أما الدرس الثاني، فهو أننا بحاجة لأنظمة قادرة على التواصل بشكل فعال حتى في البيئات الصعبة، خاصة تلك المشبعة بالحرب الإلكترونية، فالقوات في الجبهة الأوكرانية كان عليها أن تتغلب على ما يتعرض له نظام تحديد المواقع العالمي من تشويش وتزييف حتى تتمكن من استهداف قوات العدو على بعد 100 كيلومتر أو أكثر.
ولهذا، فإن أنظمة الملاحة الإلكترونية التقليدية قد تجعل المهام غير مكتملة والقوات عرضة للخطر -حسب الكاتب- وبالتالي فنحن في حاجة إلى أسلحة وأنظمة قادرة على العمل بشكل موثوق حتى عندما تفشل الأساليب التقليدية، وعلينا أن نجهز أنفسنا للحصول على ما نحتاجه للقتال في أي وقت وأي مكان، وهو ما سيكون على الأرجح في هذا العصر الجديد في أماكن مليئة بالحرب الإلكترونية، حسب قوله.
أما الدرس الأخير، وفقا للخبير، فهو تأثير الحرب غير المتكافئة في خلق التفاوت في نسبة التكلفة إلى القدرة، وهي تتفاقم كلما طال أمد الصراع، فكما رأينا في أوكرانيا، من غير المستدام إطلاق صاروخ باتريوت بقيمة 4 ملايين دولار لاعتراض طائرة مسيرة من طراز شاهد بقيمة 50 ألف دولار.
ولمكافحة هذه المخاوف، نحتاج إلى بدائل أرخص وأكثر عددا تستفيد من البرمجيات المترابطة والرشيقة، ولذلك نحن بحاجة إلى نهج شراء أكثر تطورا يوازن بين التكلفة الإجمالية ومرونة سلسلة التوريد مع عوامل أخرى، مثل الأداء والقدرة على التكيف.
ومع أن هناك ما يعوق ميزانيات الدفاع من الارتفاع إلى أجل غير مسمى، فإن الاحتمالات تشير إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في زيادة إنفاقها، وبالفعل تشير بعض الومضات إلى أنها تأخذ الابتكار على محمل الجد، خاصة أن ميزانية وحدة الابتكار الدفاعي زادت العام الماضي بمقدار 5 أضعاف، وهي بداية تتردد صداها في جميع أنحاء العالم.
وخلص الكاتب إلى أنه يجب علينا أن نفكر بشكل إستراتيجي في الأهداف التي نريدها، وأفضل طريقة لتحقيقها. ولا شك أن عصر الذكاء الاصطناعي يفرض علينا أن نخترع ونكيّف ونعتمد أسلحة الذكاء الاصطناعي لتحقيق ذلك.