طهران- بعد أن توقع كثيرون أن تهتم حكومته بالحوار مع العالم جنبا إلى جنب مع إصلاح الأوضاع الداخلية الصعبة يواجه الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بداية صعبة، ولا سيما بعد حادثتي اغتيال كبيرتين في يوم تنصيبه، إحداهما على الأراضي الإيرانية، مما حوّل أجندة حكومته إلى الحرب.
ويترقب العالم الآن الثأر الإيراني لدماء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي اغتيل يوم 31 يوليو/تموز الماضي في العاصمة الإيرانية طهران.
وقبل استهداف هنية بساعات كان الرئيس الإيراني قد صرح في حفل تنصيبه بدعمه للمقاومة وكان هنية يصفق له، وشوهد بزشكيان يذرف الدموع وهو يصلي على جنازة الشهيد بعد أن كان مشهد عناقهما الحار عقب مراسم التنصيب لافتا ومتداولا عبر وسائل الإعلام.
حرب إقليمية
وفي السياق، يعتقد أستاذ العلاقات الدولية جواد حيران نيا أن الهدف من اغتيال هنية في طهران جاء لإجبارها على التحرك الذي يريده بنيامين نتنياهو، أي إشعال حرب إقليمية، لأنه كان بإمكان إسرائيل أن تغتال هنية في دولة أخرى، لكن زمان ومكان هذا العمل كانا مستهدفين.
ويشير حيران نيا في حديثه للجزيرة نت إلى أن عملية الاغتيال وقعت في اليوم الذي دعا فيه مسعود بزشكيان خلال تنصيبه إلى تحسين العلاقات مع الغرب، وفي مقال سابق أكد الرئيس على أهمية تفاعل إيران مع العالم.
وشدد بزشكيان في الوقت نفسه على دعم جبهة المقاومة، في حين أكد مستشاروه خلال الحملة الانتخابية وبعدها على المضي في المفاوضات النووية ورفع العقوبات.
ورأى الأكاديمي الإيراني أن اغتيال هنية “على يد حكومة نتنياهو” كان بمثابة تعطيل لهذه البرامج، ومحاولة لإدخال إيران في صراع إقليمي من شأنه أيضا أن يجر قدم أميركا إلى المواجهة بغية الحفاظ على الإجماع العالمي ضد إيران.
وختم أستاذ العلاقات الدولية بالقول إن أي حكومة معتدلة في إيران تسعى إلى تحسين العلاقات مع الغرب لن تلقى قبولا لدى الحكومة الإسرائيلية، ويظهر ذلك من خلال تجربة انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي تحت الضغط الإسرائيلي.
لا سلام مع إسرائيل
ومن جانب آخر، يرى أستاذ العلاقات الدولية هادي محمدي أن بزشكيان حدد السياسات الخارجية لحكومته التي لم يخترها بعد، وبيّن أنه سيتعامل مع جميع الأطراف ما عدا الاحتلال الإسرائيلي، وسينتهج سياسة متوازنة في علاقاته الدولية.
وأضاف محمدي في حديثه للجزيرة نت أن ما حدث في اليوم الأول لتنصيب بزشكيان “أمر طبيعي نوعا ما” بالشرق الأوسط في ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، وكذلك مع تخوف نتنياهو بشأن استمراره في رئاسة الحكومة الإسرائيلية من جهة.
وهي من جهة أخرى رسالة إلى النظام الإيراني لإظهار قدرته ومكانته في المنطقة، ولا سيما أن بزشكيان صرح في مناسبات عديدة -ولا سيما في كلمة تنصيبه- بدعمه للمقاومة وإدانة جرائم الاحتلال.
ومن خلال الرد الإيراني على اغتيال هنية -يقول محمدي- فإن بزشكيان سيثبت أنه لا يختلف عن الحكومات الإيرانية السابقة في الحفاظ على إستراتيجية إيران بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي ودعم فصائل المقاومة -ولا سيما الفلسطينية منها- وفي غزة خاصة.
وباعتقاد أستاذ العلاقات الدولية فإن حكومة بزشكيان ستكون “حكومة سلام وحوار وحلحلة عُقد للسياسة الإيرانية الداخلية والإقليمية”.
لكنه أضاف “مع استمرار عنصر التوتر في المنطقة أي الاحتلال الإسرائيلي الذي يستمر في خلق الاضطرابات بدعم من القوى العظمى -خاصة أميركا- لا يمكن التحدث عن السلام والاستقرار في المنطقة”.
وقال محمدي “يجب تحييد هذا العنصر الخالق للتوتر بداية كي تتمكن دول المنطقة من التعامل مع بعضها البعض ومع العالم في بيئة مستقرة”.
احتواء التهديد
ومن جهة أخرى، يرى الباحث السياسي وحيد إسماعيل بور أن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية باتت على مر الزمن أكثر “عقلانية”، خاصة في العقد الماضي.
ويرى إسماعيل بور أن أهم التجارب التي بنت فيها إيران ما يسميه “الحكم العابر للحدود” هي تجربة الاتفاق النووي، وكذلك الصمود تحت العقوبات، وتجربة الهجوم بالمسيّرات على أهداف داخل العمق الإسرائيلي في عملية “الوعد الصادق” ردا على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في أبريل/نيسان الماضي.
وأضاف أن تجربة “الوعد الصادق” بما شكلته من “تحدي النظام الصهيوني” أدت إلى تثبيت القوة العسكرية والأمنية الإيرانية في المواجهة بالشرق الأوسط.
وتابع أن “عقلانية” السياسة الإيرانية في المواجهة “ضد النظام المعتدي أي الاحتلال الإسرائيلي” أدت إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لإيران وخلق المزيد من فرص التعاون الإقليمي والدولي أمامها.
وقال إن الجمهورية الإسلامية عززت نفوذها من خلال تفاعلها مع الغرب بعقلانية وإضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها الدولية وفي بنيتها الداخلية.
ويرى أن حكومة بزشكيان “البراغماتية” تمتلك تكتيكات وتقنيات دبلوماسية متميزة عما قبلها.
وخلص إلى أن اغتيال هنية على أرض طهران لن يغير مشهد الاشتباك والمواجهة مع “الكيان”، معتقدا أن هذه الحادثة توجه إيران نحو المعاملة بالمثل ضد العدوان لتعزيز سيادتها.