رام الله- مجددا يتفاخر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بتوزيع الأسلحة النارية، ويدعو الإسرائيليين إلى مزيد من التسلح، معلنا أنه تم بالفعل تزويد الإسرائيليين بـ150 ألف قطعة سلاح.
وأضاف بعد حادثة الطعن التي وقعت في بلدة “حولون” القريبة من تل أبيب وأدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين، بحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية “أنشأنا مزيدا من الفرق المعنية بالاستجابة للطوارئ المجتمعية، ونعمل أيضا في السجون لإنشاء قوة ردع”.
ورغم أن دعوة بن غفير وتوجهه للعنف ليس أمرا جديدا، فإن الجديد هو المزيد من الدلائل على فشل خطته ليس في إحباط العمليات فحسب، إنما بتوفير الشعور بالأمن لدى الإسرائيليين، وفق تقدير كل من محلل وخبير عسكري تحدثا للجزيرة نت.
ويلفت المتحدثان إلى نقطتين: الأولى أن الجيش الإسرائيلي بدأ يلجأ للقصف بالطيران، دليلا على تنامي العمل المقاوم وأدواته في الضفة من جهة، وفشل نهج التسليح في منع عمليات قبل وقوعها، لا سيما أن المنفذين غالبا لا يخشون السلاح ولا يقلقون بالبقاء على قيد الحياة من جهة أخرى.
عنف متولد
منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي بكل قوته وسلاحه من إسكات الصوت الفلسطيني والعمل المقاوم، إنما زاد من ألم ومعاناة ومآسي وعذابات الشعب وتضحياته، وفق الخبير العسكري واصف عريقات.
ويضيف أنه منذ ذلك الحين يواجه الشعب الفلسطيني قيادات صهيونية متطرفة، ارتكبت مجازر إبان النكبة وما زالت ترتكبها، “لأن العقلية المغذية للحقد والكراهية موجودة، وعليه فإن الفلسطيني يزداد إصرارا على المقاومة، ويندفع للبحث عن كل خيارات المواجهة”، مضيفا أن “الذي يأخذ قرار المواجهة لديه إرادة ومعنويات تدفعه للموت من أجل الحياة، وليس من أجل الموت”.
وبالتالي، يقول الخبير العسكري إن “ما تقوم به القيادة الإسرائيلية من تعبئة حاقدة وتصرف مجرم لا يمكنه منع أي عمل مقاوم يدفع إليه الاحتلال نفسه”، وأشار إلى أن ظروف وحياة الفلسطينيين تعد عامل انفجار، “حيث إن الفلسطيني سواء كان من الضفة أو غزة، يعيش في معسكر مليء بالسلاح وأدوات القتل والحقد والكراهية”.
وتابع أن الضفة الغربية “باتت ثكنة عسكرية من جيش ومستوطنين حاقدين، وأجهزة أمن واستخبارات تتبع الفلسطيني على مدار الساعة، فضلا عن 700 حاجز عسكري، وعقاب جماعي وحصار اقتصادي، وتنكيل بالأسرى داخل السجون، حتى أصبح لا يخلو بيت من جريح أو معتقل أو شهيد، وهذه كلها تشكل عوامل تفجر في وجه الاحتلال”.
ولا يستبعد عريقات انعكاسا لتوزيع الأسلحة على المجتمع الإسرائيلي نفسه، مشيرا إلى “تمرد” الجيش في قاعدة “بيت ليد” العسكرية، قبل نحو أسبوع على خلفية التحقيق في انتهاكات بحق الأسرى، وقال “الجيش تمرد على بعضه، وكانت المواجهة بين الجيش والشرطة والمستوطنين”.
وأوضح الخبير العسكري “بالتأكيد هذه نتيجة ثقافة الحقد والكراهية وعملية الثأر والانتقام الموجهة نحو الفلسطيني، وحينما تكون المواجهة داخلية بالتأكيد سيكون الأسلوب نفسه بين مليشيات حاقدة ستنقسم على بعضها”.
آثار متعددة
من جهته، يقول المحلل المتابع للشأن الإسرائيلي محمد أبو علان، إن بن غفير هو نفسه صاحب نظرية تسليح أكبر قدر ممكن من الإسرائيليين، وتسهيل منح رخص السلاح لهم، وذكر أن من نتائج ذلك على الأرض ارتفاع جرائم المستوطنين خاصة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتعزيز ما تسمى وحدات الاستنفار وتسليحها، “وهذا كله يلمسه ويعاني منه فلسطينيو الضفة”.
وأضاف أن مزاعم بن غفير بأن التسليح يمنع وقوع المزيد من القتلى والإصابات “قد ثبت فشله”، لأن معظم من أطلقوا النار على منفذي العمليات هم عناصر أمن مسلحون أصلا، ومنهم جنود أو أفراد شرطة خلال أو خارج ساعات الخدمة، ولم يكونوا مدنيين ممن سلحهم بن غفير.
ويرى المحلل الفلسطيني أن القصد من تسليح المستوطنين وعسكرة المجتمع الإسرائيلي هو “توفير بنية تحتية مسلحة لارتكاب الجرائم بحق فلسطينيي الضفة بالدرجة الأولى”.
وردا على سؤال: هل تحقق الأمن لحاملي السلاح؟ يجيب أبو علان أن الوضع الميداني في الضفة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول وبدء توزيع السلاح ليس أكثر استقرارا من ذي قبل، بل إن الجيش الإسرائيلي يلجأ لاستخدام الطيران وقصف المناطق الفلسطينية، وهذا لم يحدث منذ سنوات طويلة.
وأضاف “لم يتحقق الأمن، وعملية واحدة كعملية حولون التي قتل فيها مستوطنان طعنا، تعني فشل كل مشروع بن غفير”، وبالتالي فإن “التجربة أثبتت أن كثرة السلاح لا تحد من المقاومة وخاصة العمليات الفدائية، التي لا تستطيع حتى مخابرات الاحتلال معرفة توقيتها وفاعلها، للقيام بعمليات اعتقال وقائية”.
وفي كل العمليات التي وقعت بعد عمليات توزيع السلاح، بحسب أبو علان، “لم نشهد منع أي عملية قبل تنفيذها بواسطة أحد الحاصلين على سلاح بن غفير، كما أن نوعية المنفذين عادة لا يخيفهم السلاح”.
انعكاسات داخلية
ويلفت أبو علان إلى انعكاسات داخلية في المجتمع الإسرائيلي لتوزيع السلاح، أقل ما يقال عن نتائجها “انقلاب السحر على الساحر” حسب قوله.
وأوضح أن أكثر من يعاني من انتشار السلاح داخل إسرائيل هم فلسطينيو الداخل، وما ينتج عن ذلك من جرائم قتل وإرهاب لم تحل الشرطة الإسرائيلية 20% من ألغازها، وقال إن ظاهرة العنف منتشرة في المجتمع الإسرائيلي، وإن خفت قليلا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، أو ربما لا يتم تسليط الضوء عليها، لأن انتشار السلاح عادة يؤدي لمزيد من العنف والقتل.
وذكر المحلل الفلسطيني أنه قبيل 7 أكتوبر/تشرين الأول وللحد من الجريمة نتيجة انتشار السلاح، كانت الشركات التي تشغّل حراسا أمنيين قد طلبت منهم عدم حمل أسلحتهم إلى بيوتهم وتركها في أماكن العمل، خشية ارتكاب جرائم واستخدامها ضد عائلاتهم.
ويصف أبو علان نشر السلاح في المجتمع الإسرائيلي بأنه “قنبلة موقوتة ستنفجر فور توقف حرب غزة، وسيقع العنف ويؤدي إلى جرائم قتل، والتجربة تقول هذا الكلام”.
كما يشير إلى نتيجة أخرى محتملة لتوزيع السلاح، وهي وصوله إلى فلسطينيي الضفة الغربية، مشيرا إلى حالات ضبط جنود ومجندات يهرّبون عمالا فلسطينيين من الضفة إلى إسرائيل عبر الحواجز في ذروة الحرب، وقال “هؤلاء يمكنهم أيضا بيع السلاح”.
وتحدث عن حالات سابقة لاعتقال جنود يبيعون السلاح لفلسطينيين، وحالات سرقة أسلحة من معسكرات الجيش وصلت إلى الضفة، وليس بالضرورة ليد المقاومة، وهذا ينطبق على المدنيين، حسب قوله.
وفي خلاصة قراءته لمشهد توزيع الأسلحة وانعكاساتها، يعتبر أبو علان أن ما يجري مؤشر على أن الحكومة الإسرائيلية وبن غفير “بلا رؤية أو إستراتيجية، إنما فوضى في كل شيء، فبن غفير يفهم عقلية المجتمع الإسرائيلي كمجتمع يميني ويوفر له الأدوات لممارسة يمينيته في الشارع ضد الفلسطينيين”.
ويدعم هذا الرأي تصريح زعيم المعارضة يائير لبيد، بعد عملية حولون، حيث قال إنه “منذ أن تولى بن غفير منصبة امتلأت شوارع إسرائيل بجرائم القتل والهجمات، وليس هناك وزير أكثر فشلا وبؤسا منه”، مضيفا أن “أمن الإسرائيليين في انهيار، والشرطة في أدنى مستوياتها على الإطلاق”.