قالت صحيفة ليبراسيون إنها جمعت شهادات حوالي 15 قرويا ماليا ممن لجؤوا إلى موريتانيا في الوقت الذي تزداد فيه الانتهاكات ضد السكان من قبل من وصفتهم بالمرتزقة الروس المتحالفين مع حكومة باماكو في الحرب ضد “الجهاديين”.

وذكرت الصحيفة أن مرتزقة من شركة فاغنر الأمنية الخاصة الروسية وصلوا إلى مالي في ديسمبر/كانون الأول 2021، قبل بضعة أشهر من مغادرة آخر جندي فرنسي للبلاد، إذ فضل المجلس العسكري الحاكم في باماكو الاستعانة بالشركة شبه العسكرية التي أسسها يفغيني بريغوجين، لمكافحة “التمرد الجهادي الذي ينخر أراضيها منذ عقد من الزمن”.

ورأت الصحيفة الفرنسية أن في هذا الاختيار بادرة تحد للغرب مع تغيير في الإستراتيجية على الأرض، ووصفت رجال فاغنر بالوحشية، وقالت إن الكرملين شدد سيطرته على أنشطتهم بعد وفاة بريغوجين في أغسطس/آب 2023، حيث ينتشر حاليا ما يقرب من ألفين منهم في مالي، حسب تقديرات أجهزة المخابرات الغربية.

وبدأت الصحيفة بقصة المرأة المتعبة “فضيلة” التي سافرت 5 أيام على عربة متهالكة لتدخل موريتانيا مع 5 من أطفالها وأمها، بعد أن تركت زوجها والكبيرين من أطفالها وماعزها في منطقة موبتي شمال مالي. تقول هذه المرأة التي تنتسب للطوارق: “عندما يصل فاغنر يتفرق الرجال. وبعضهم لن يتم العثور عليه مطلقا”.

مظاهرة في مالي ترحب بالتعاون مع روسيا تقول: “بوتين، الطريق إلى المستقبل” (أسوشيتد برس)

سكين على الحلق

وبعد شهور من الهروب، وقع عم فضيلة “الراعي العجوز” في قبضة فاغنر، وضربوه وأحرقوا كوخه. وتقول فضيلة: “في الأماكن التي تكون فيها النباتات كثيفة، يقومون بإشعال النار في العشب الطويل لمنع المجاهدين من الاختباء هناك. النار والخوف جعلونا نهرب كالحيوانات”.

وبعد عبور الحدود، انضمت فضيلة إلى 280 ألف لاجئ مالي في موريتانيا، ونصب لها أقارب بعيدون خيمة، وعلى بعد 50 كيلومترا شمالا في أغور، جاءت موجة من اللاجئين في اليوم نفسه، بعد أن زرعت قافلة من الجنود الماليين ورجال فاغنر الرعب في طريقها، كما تقول الصحيفة.

ويقول الخمسيني عبد الله: “أحاطوا بقرية إيتاج. أخرجوا الجميع من المنازل واعتقلوا الرجال. جلسنا في الشمس حتى الظهر”، وأضاف أن الجنود كانوا ذوي بشرة بيضاء ويتحدثون “لغة لا نفهمها. لم يكن حاضرا سوى جندي واحد من الجيش المالي، كان مسؤولا عن الترجمة. كانوا يبحثون عن المتمردين”.

ومكثت فاطمة (25 عاما) ابنة الخمسيني مع حوالي 15 امرأة من القرية في مجمع العائلة، وقالت: “عندما دخلوا (فاغنر) اعتقدنا أنهم سيأخذون الأموال والأساور والأشياء الثمينة، لكنهم أرادوا شيئا آخر”، ولكن اثنين من سائقي الدراجات النارية دخلوا إيتاج، وهذا تسبب في حركة هياج قصيرة بين الجنود استغلتها النساء للهروب.

وبحسب القرويين، انقسمت قافلة فاغنر إلى قسمين لمواصلة تقدمها، وحاصرت 7 مركبات قرية “لرنيب”. ويقول أحمد (20 عاما)، وهو عربي صاحب متجر: “هذه ليست المرة الأولى التي يأتون فيها إلى هنا، لكننا عادة ما نستعد ويهرب الرجال، ولكننا فوجئنا هذه المرة”، وقال إنه تعرض للضرب والركل، “لقد وضعوا سكينا على حلقي وطلبوا مني أن أعطيهم معلومات عن قطاع الطرق”. ثم أشعلوا النار في مكان عمله واقتادوا 4 شبان إلى مسافة بعيدة وأعدموهم.

صورة لبعض عناصر فاغنر في مالي (أسوشيتد برس)

مشهد الشنق الجماعي

وفي قرية دونكارا الموريتانية الواقعة على الحدود، يجلس عيسى في كوخ العائلة مستعدا للحديث، فهو ينتمي إلى طائفة الفولاني الموصومة بسبب قربها المزعوم من كتيبة ماسينا، أقوى فرع من جماعة “جنيم” بقيادة الواعظ الفولاني حمدون كوفا، وقد طردهم الجيش المالي ووكلاؤه الروس هذا العام. يقول عيسى “إنهم يستهدفون الأشخاص الخطأ ويقتلون من دون معايير ومن دون تمييز”.

وتحدث 3 مواطنين آخرين من بوكاري سامبا للصحيفة عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، وعلى وجه الخصوص مشهد الشنق الجماعي الذي روع القرية بأكملها، حيث رفع عشرات الرجال من أعناقهم إلى “أغصان شجرة كبيرة”، وبقوا معلقين لعدة دقائق قبل أن تقطع النساء الحبال، وأكد شهود عيان أن بعضهم فقد وعيه، لكنهم نجوا جميعا من موت محقق.

مقاتلو الطوارق الذين اشتبكوا مع مرتزقة فاغنر الروس في شمال شرق مالي، بالقرب من تنزاواتن، في يوليو/تموز 2024 (من مقطع فيديو نشرته رويترز)

تعويذة الإمام

وفي أغسطس/آب، قتل جنود فاغنر أو جنود ماليون الشاب القروي سيدي ولد عبد الله (22 عاما) الذي كان يحفر جذع شجرة في الحقول، ويقول شقيق الضحية: “وجدنا حماره ينهق. تقفيت أثره فوجدت جثته هناك.. تم فصل رأسه عن جسده. وهناك أيضا، قبل ساعات قليلة، جمع الروس الرجال وعاملوا بخشونة زعيم قرية المرابطين. لقد اتهمونا بتوفير الماء للجهاديين وهددوا بإحراق جميع المنازل”.

وفي المساء نفسه، أعلن محمد هال هاماسوكا الرحيل الجماعي لسكان القرية البالغ عددهم 300 نسمة، وقال: “لم يبق أحد، لم يبق إلا الطيور”، وفي اليوم التالي لوصولهم إلى موريتانيا، أنشؤوا مدرسة قرآنية جديدة، وقد حملوا معهم الألواح الخشبية الثمينة المستخدمة في تعلم القرآن.

وفي مخيم أمبرة الذي تديره المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يعيش ما يقرب من 110 آلاف مالي في هذه المدينة التي ظهرت في الصحراء عام 2012، يقيم بوريمة (32 عاما) منذ هذا الصيف، بعد أن كان قد تم القبض عليه واحتجازه وتعذيبه على يد قوات فاغنر شبه العسكرية.

وكان شقيقه، التاجر مطلوبا من قبل الروس لأنه كان مشتبها به -خطأ كما أقسم- في تزويد الجهاديين، ووصف ما حدث له قائلا: “لقد جردوني من ملابسي وقيدوا يدي وقدمي وأغمسوني في الماء 3 مرات، حتى شعرت أنني أغرق”، اعتقل بوريما في معسكر نامبالا العسكري، المشترك بين فاغنر والجيش المالي، ولكن على الجانب الروسي، ولم يحضر استجوابه سوى مترجم مالي.

وكان إمام الطوارق القديم في سانغ بمنطقة نيافونكي، يعتقد أنه محصن من المشاكل -حسب الصحيفة- بعد أن منحته السلطات المالية وسام “قائد فصيل” ونبهته إلى ضرورة أن يكون معه دائما، غير أن هذه التعويذة لم تحمه عندما دخل الروس إلى سانغ في مارس/آذار. ويقول: “أحرقوا مكتبتي الشخصية ومئات الأعمال الدينية، بما فيها كتب مخطوطات قديمة اقتنيتها على مر السنين”.

لجأ جميع سكان سانغ إلى موريتانيا، باستثناء عدد قليل من الرعاة، قُتل العديد منهم في الأيام التالية. ويقول رجل عجوز طويل القامة: “في اليوم الخامس، أطلقوا النار على رجلين وقطعوا أذن طفل، ودفنت الجثث بنفسي”، وخلفه حوالي 20 شابا يستمعون بصمت إلى القصة المروعة، وتَعد نظراتهم الباردة والمركزة بحرب لن تنتهي قريبا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version