رام الله- “شعرت أن ابني استشهد مرة أخرى أمامي”، فقد كان استشهاد شيرين أبو عاقلة قبل عام محطة أخرى لحزن والدة الصحفي عماد أبو زهرة الذي قتلته إسرائيل في جنين عام 2002.
الوالدة هيام عباس التي لا تغيب تفاصيل استشهاد ابنها قبل 21 عاما عنها، تقول والدموع تنهمر من عينيها، إنها استيقظت يوم 11 مايو/أيار 2022 على خبر استشهاد الزميلة شيرين فكان “كالصاعقة التي نزلت في قلبها”.
حديث والدة الصحفي أبو زهرة جاء خلال مؤتمر صحفي جرى في رام الله أطلقت خلاله لجنة حماية الصحفيين الدولية تقريرها الذي قالت فيه إن إسرائيل قتلت 20 صحفيا في فلسطين خلال الـ22 عاما الماضية دون إجراء أي تحقيقات بشأن ظروف استشهادهم.
الوالدة التي شاركت إلى جانب عدد من أهالي الصحفيين الشهداء من الضفة الغربية والقطاع، اعتبرت أن ما جرى مع ابنها عماد، الذي استهدفه جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال أدائه عمله الصحفي مع عدد من الزملاء بإطلاق الرصاص بشكل مباشر باتجاههم خلال اجتياحات المدينة والمخيم، هو ما حصل مع الزميلة شيرين بعد 20 عاما، وما سيواجه كل الصحفيين في حال لم تحاسب إسرائيل.
قتل فتاك
وغطى تقرير لجنة حماية الصحفيين الذي حمل عنوان “نمط قتل فتاك” الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2022، موثقا استهداف مباشر لـ20 صحفيا، بينهم صحفي بريطاني وآخر إيطالي، تم استهدافهم من قبل جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي دون محاسبة المسؤولين عن عمليات القتل.
ويصل التقرير لنتيجة أن “ما تقوم به إسرائيل هو نمط متكرر ممنهج من القتل للصحفيين، وليست حوادث فردية”.
شقيق الزميلة شيرين، أنطون أبو عاقلة كان من بين المشاركين الذي قال إن العائلة تفاجأت من ردة الفعل الإسرائيلية تجاه مقتلها أمام الكاميرات وبشكل واضح، فكانت محاولات تصدير روايات كاذبة، واتهام جهات أخرى بالمسؤولية.
وتابع أبو عاقلة خلال تعليقه على التقرير: “كل ذلك جعلنا نصر على محاسبة كل قتلة شيرين من مطلقي النار وحتى الذي اتخذ القرار السياسي، ولن نتراجع حتى تحقيق العدالة لها”.
وكشف أن العائلة لم تتلق ردا حتى الآن على مطالبات رسمية تقدمت بها نقابة الصحفيين الدوليين وشبكة الجزيرة عبر محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيقات جنائية، وقال إن “العائلة تتابع باستمرار وتحاول الضغط على الإدارة الأميركية لاستمرارية التحقيق، كما أننا سنلجأ للقضاء في أميركا أو إحدى الدول الأوروبية”.
وأكد أبو عاقلة أنه “لو كانت هناك محاسبة لقتلة الصحفيين، لَما قتلت شيرين ووصلنا إلى هذا النمط الفتاك”.
وركز تقرير لجنة حماية الصحفيين على محاولات الجهات العسكرية والسياسية الإسرائيلية إنكار مسؤوليتها عن هذه الجرائم، والتنصل من التعامل معها على أنها جرائم جنائية.
حرف الحقائق
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال منسق لجنة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين شريف منصور، إنه وخلال عملية البحث والتوثيق لهذا التقرير “واجهنا نمط من الإجابات والردود الإسرائيلية التي لا تسعى لكشف الحقيقة، على العكس محاولات تضليل والتعامل مع قتل الصحفيين على أنه قضايا إعلامية وليست قضايا جنائية”.
وتابع: “كأننا ندور حول ثقب أسود دون معرفة متى بدأت التحقيقات وأين تنتهي، كما لا يتم خلالها إعلام الضحايا أو عائلاتهم بالنتائج أو أخذ إفادات الشهود بشأن حالات القتل”.
وفي نتيجة تقريرها قدمت اللجنة توصيات بمراجعة ملفات قتل 3 من الصحفيين (شيرين أبو عاقلة وياسر مرتجى وأحمد أبو حسين)، بعد جمعها أدلة دامغة من جهات دولية مستقلة أن هناك الكثير من الشكوك التي تدعم وجود جرائم القتل العمد ضدهم.
وكان كل من ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين قُتلا باستهداف مباشر خلال تغطية مسيرات العودة على حدود قطاع غزة عام 2018.
ولعل ما يسلط الضوء على أهمية هذا التقرير هو استمرار الاعتداءات على الصحفيين، إذ لم تتوقف باستشهاد الزميلة أبو عاقلة، وكان آخر استهداف ما جرى في مدينة نابلس (الثلاثاء 9 مايو/أيار) باستهداف مجموعة من الصحفيين بالرصاص الذي أطلقه جنود الاحتلال بشكل مباشر باتجاههم خلال اقتحام المدينة.
الصحفية فاتن علوان، مراسلة ميدانية، تحدثت عن هذه الحادثة خلال المؤتمر وقالت “كان يمكن تكرار جريمة قتل الصديقة شيرين أمس”.
فاتن علوان من الصحفيات اللواتي بدأن عملهن الصحفي في عام 2000، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن تعرضت لاستهداف أكثر من مرة، وأصيبت بالرصاص الذي أطلقه جنود الاحتلال باتجاهها 3 مرات، وتقول: “كنت أعتقد أن ارتداء الدرع الواقية ستحميني من الاستهداف، ولكن الواضح لا شيء يحمينا من الاستهداف المستمر، وإن تغيرت أشكاله”.