طهران- أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أن طهران مستعدة لاستئناف المفاوضات حول الملف النووي، لكنها في الوقت ذاته ستتخذ إجراءات صارمة لو أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا ضد إيران.

من جهته، قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، إن الهيئة أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن “إيران سترد بالمثل وبسرعة على أي قرار ضدها في اجتماعها المقبل”.

وتأتي هذه التصريحات بعد زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي، لمنشآت إيران النووية “نطنز” و”فوردو” نهاية الأسبوع الماضي، وقبل أسبوع من اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة في فيينا، للنظر في ما إذا كان ينبغي زيادة الضغط على إيران.

التعاون مع الوكالة

أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لغروسي أن بلاده مستعدة للتعاون وإزالة أي “شكوك وغموض” بشأن برنامجها النووي، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على طهران قبيل تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مهامه الرئاسية.

ويبرز عدد من الملفات العالقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في الوقت الحالي، فبينما تجاوزت إيران القيود النووية المنصوص عليها في الاتفاق النووي، تتهم الوكالة طهران بانتهاك التزاماتها بموجب الاتفاق.

من جهتها، ترد طهران بأن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق وانتهاكها لالتزاماتها، بالإضافة إلى فشل الأوروبيين في الوفاء بتعهداتهم، يمنح إيران الحق في تجاوز القيود النووية المفروضة عليها بموجب الاتفاق.

ووفقا لما تقوله القوى الأوروبية والوكالة، فإن أهم الجوانب التي تجاوزت فيها إيران القيود النووية تشمل زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وتطوير البنية التحتية لتخصيبه، بالإضافة إلى الخلاف حول وجوده في منشآت غير معلنة داخل إيران، حيث تقول الوكالة إنها لم تتلقَّ إجابات كافية ومقنعة من إيران بهذا الشأن، بينما تصر طهران على أن إجاباتها كانت كافية.

كما أن الوضع الحالي للرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية وتثبيت كاميرات المراقبة في مواقع تجميع أجهزة الطرد المركزي، يمثل نقطة خلاف أخرى بين إيران والقوى الغربية، حيث تعتبر إيران أن انسحابها من البروتوكول الإضافي بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، يبرر لها عدم السماح بتثبيت كاميرات المراقبة، بينما تقول الوكالة الدولية إن على طهران تثبيت الكاميرات بناء على ضماناتها تجاه الوكالة.

وكثفت إيران نشاطها النووي منذ عام 2019، بعد أن أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى فرض عقوبات أميركية صارمة على طهران، وانسحب من اتفاق عام 2015 الذي توصلت إليه إيران مع القوى العالمية، والذي بموجبه فرضت طهران قيودا على التخصيب.

لكن إيران لا تزال تنفي أي طموحات لها لصنع قنبلة نووية، قائلة إنها تخصّب اليورانيوم لاستخدامات تتعلق بالطاقة المدنية فقط، على الرغم من وجود تصريحات جديدة شبه رسمية تهدد بتغيير العقيدة النووية.

وتأتي كل هذه التطورات في الوقت الذي مضت فيه أكثر من 9 أعوام على توقيع الاتفاق، وصرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سابقا بأن “الاتفاق لم يعد له أي فائدة أو فعالية، وبالتالي فإن المفاوضات لإحيائه أصبحت عديمة الجدوى”، لذلك، ترى إيران أنها بحاجة إلى مفاوضات جديدة واتفاق جديد بشأن برنامجها النووي لتجنّب مواجهة عالمية، خاصة في مجلس الأمن الدولي.

يُذكر أن المشروع الذي تسعى القوى الأوروبية الثلاث (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) إلى تمريره في مجلس المحافظين يلزم المدير العام للوكالة بتقديم تقارير شاملة وفصلية عن البرنامج النووي الإيراني، بينما تعارض إيران هذا المشروع وترى أنه غير ضروري، لأنها تعتقد أنها تتعاون بشكل كافٍ مع الوكالة، فيما ترى الوكالة أن تعاون إيران وردودها غير كافية.

مأزق مجلس المحافظين

يرى الباحث السياسي رضا غبيشاوي، أن إقرار المشروع الأوروبي في مجلس المحافظين قد يمهّد الطريق لمزيد من التوتر والضغوط المستقبلية بين إيران والوكالة من جهة، وبين إيران والغرب من جهة أخرى.

وفسّر في حديثه للجزيرة نت، زيارة غروسي الأخيرة إلى طهران في إطار المشاورات المستمرة بين الطرفين، على الرغم من أن الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين واحتمال طرح مسودة قرار أوروبي ضد إيران قد أكسب هذه الزيارة أهمية خاصة.

ورأى الباحث أن ردود الفعل والتصريحات والمواقف الرسمية وغير الرسمية لمسؤولي الجانبين تظهر أن إيران والوكالة تسعيان للتوصل إلى حل وتفاهم ثنائي، لتجنب طرح قرار أوروبي جديد ضد إيران في مجلس المحافظين.

كما أوضح أنه خلال السنوات الـ19 الماضية، شهدت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تقلبات مستمرة، لكنها لم تنقطع أبدا، وإن وصلت أحيانا إلى أزمات كما حدث في 8 مارس/آذار 2006؛ عندما أقرّ مجلس المحافظين إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، ما أدى إلى تصعيد التوتر بين طهران والغرب حول برنامج إيران النووي إلى أعلى مستوى، مضيفا أنه بعد كل تصعيد كبير، يسعى الطرفان إلى التوصل إلى اتفاق وتهدئة، ولو مؤقتة.

وأكد غبيشاوي الرأي القائل إن إيران وأوروبا تحاولان تخفيض مستوى التوتر قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتولي منصبه، “لكن جميع المؤشرات تدل على أننا سنشهد يوم الأربعاء المقبل إقرار المشروع الذي قدمته القوى الأوروبية في مجلس المحافظين، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة، وهو أمر مستبعد”.

وتابع أنه “في هذه الحالة، من المتوقع أن تنفذ إيران تهديداتها وتحذيراتها، بما يشمل زيادة التشدد تجاه المفتشين وعمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة في المنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب تصعيد أنشطتها النووية في المجالات التي تشكل حساسية للطرف الآخر”.

وأردف أنه في ظل هذه الظروف ومع بداية ولاية ترامب الرئاسية، فمن المتوقع أن يدخل الملف النووي الإيراني مرحلة جديدة من التوتر بين إيران وأوروبا، وهو أمر لا يصب في مصلحة إيران، إذ قد يفتح المجال لتنسيق المواقف بين أوروبا وترامب ضد برنامج إيران النووي، كما قد يؤدي إلى قرارات صارمة من إدارة ترامب ووزرائه ضد إيران.

تهديدات إيرانية

من جهته، رأى الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار إقدام إيران بالسماح لرافائيل غروسي بزيارة المواقع النووية في “نطنز” و”فوردو” يهدف إلى طمأنة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن سلمية برنامجها النووي.

وأضاف، في حديثه للجزيرة نت، أنه من الطبيعي أن الأوضاع الحالية في النظام الدولي ومنطقة الشرق الأوسط تختلف عن تلك التي كانت عند توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، مشيرا إلى تصريحات وزير الخارجية الإيراني عراقجي عن عدم إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي بالشكل الذي تم التوقيع عليه، إذ إن مدة بعض بنود الاتفاق قد انتهت.

واعتبر الباحث أن مستوى التعاون الإيراني يعتمد على إرادة الدول الغربية وإدارة ترامب، مضيفا أنه بالنظر إلى سجل ترامب في عقوبات الضغط الأقصى على إيران والوضع الفوضوي في المنطقة، يبدو من المستبعد تحقيق ذلك أو زيادة مستوى التعاون بين إيران والوكالة.

ورأى أنه على مدى العقدين الماضيين، أثبتت طهران أنها تسعى لاستخدام التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية وليست بصدد تطوير أسلحة نووية، وقد أكد الاتفاق النووي وخضوع إيران لأنظمة التفتيش الدولية التزامها بتعهداتها، بالإضافة إلى فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي بتحريم تصنيع أو حيازة أو استخدام الأسلحة النووية، معتبرا أن كل ذلك يدل على أن إيران التزمت بالاتفاق رغم الانسحاب الأميركي منه.

وأردف أنه “حاليا، ومع الوضع الفوضوي في النظام الدولي والتهديدات المتزايدة من إسرائيل، تبنت إيران إستراتيجية الردع النووي الكامن، أو الردع النووي على العتبة”، موضحا أن هذه الإستراتيجية لا تتعارض مع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، إذ يمكن للدولة التي تقف عند العتبة النووية أن تستمر بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمن إطار المعاهدة، وهو المسار الذي تسير فيه إيران حاليا.

وخلص إلى أنه خلال الزيارة الأخيرة لغروسي، قدمت إيران تحذيراتها بشأن أي قرار قد يصدر ضدها في مجلس محافظي الوكالة أو إحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن.

وإذا صحّ ما ذكرته وسائل الإعلام عن قيام البريطانيين بتوزيع مسودة من 3 صفحات على أعضاء مجلس المحافظين بهدف إصدار قرار ضد إيران، فإن ذلك قد يدفع الأخيرة إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة، كما أن احتمال انسحاب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) يظل قائما، وفق رأي الباحث.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version