القدس المحتلة- أجمعت قراءات محللين إسرائيليين على أن تعيين يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس خلفا للشهيد إسماعيل هنية يعد ضربة موجعة لإسرائيل ويضعها أمام تحديات جديدة قبالة مشروع التحرر الوطني الفلسطيني الذي سعت إلى إجهاضه من خلال الحرب على قطاع غزة.
ورجحت التحليلات أن تعيين السنوار يعكس إستراتيجية حماس بديمومة الصراع مع إسرائيل، والتي تحمل في طياتها مواقف أكثر تشددا وتمسكا بالمبادئ والثوابت الفلسطينية الرافضة للمساومة أو تقديم أي تنازلات، وإعادة الصراع إلى مربع النكبة عام 1948.
واعتبرت بعض القراءات اختيار السنوار وإستراتيجية حماس المستقبلية بكل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أنه خلط للأوراق في الشرق الأوسط، وضربه لما تسميه إسرائيل “المحور المعتدل”، وكذلك انتكاسة للأنظمة التي تصر على تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وتوافقت تقديرات المحللين على أن تعيين السنوار في أعلى رأس الهرم في أكبر فصيل للمقاومة الفلسطينية يحمل العديد من الرسائل والدلالات، وتشير إلى أن حماس نصبّت زعيما عنيدا لا يقدم أي تنازلات، وأن الحركة لن تساوم على نزع سلاح المقاومة، والتأكيد على أن قطاع غزة في اليوم التالي للحرب سيبقى تحت سيطرتها.
وحدة الصف
بدوره، يقول الباحث في معهد “مشغاف” للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية البروفيسور كوبي ميخائيل “بشكل أو بآخر يمكن فهم انتخاب السنوار للمنصب على أنه نوع من الاعتراف والتقدير لقيادة الحركة في قطاع غزة على قيادتها النضال والقتال، وللثمن الباهظ الذي دفعته”.
وفي الوقت نفسه، يضيف ميخائيل أن الاختيار الذي أُعلن عنه بعد وقت قصير جدا من اغتيال هنية يدل على القدرة على العمل التي لا تزال تتمتع بها حركة حماس، “ومن المرجح أن تحمل هذه الخطوة رسالة بالغة الأهمية للفلسطينيين وإسرائيل والعالم مفادها أن حماس ما زالت قوية”، حسب قوله.
وأوضح في تقدير الموقف الذي نشره في الموقع الإلكتروني “والا” أن اختيار السنوار بالإجماع وبهذه السرعة يعكس وحدة الصف في حماس التي تبعث رسائل مفادها أن الحركة متينة وموحدة وبلا تنافسات ونزاعات ومعسكرات وتيارات.
وقال إن اختيار السنوار يعد دليلا آخر على سلوك حماس كمنظمة هرمية ومنضبطة “حتى في مواجهة الخلافات الشديدة تعرف كيف تحشد الصفوف وتوحدها باسم القضية وصوب تحقيق الهدف”.
ويقدر الباحث الإسرائيلي أن السنوار سيكون قادرا على ترسيخ موقعه زعيما للحركة وموقع حماس بديلة لحركة فتح في الشارع الفلسطيني، وسيكون في طريقه للاستحواذ على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ويرى أنه بفضل الموقف الصارم للسنوار والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وعدم تقديم تنازلات في الصراع لن تنجح إسرائيل في القضاء على حكم الحركة في قطاع غزة، وستعود حماس إلى دور صاحبة السيادة في القطاع.
فشل نتنياهو
وتحت عنوان “السنوار رئيسا.. نتنياهو المذنب” كتب أمير بن دافيد محرر الشؤون السياسية في الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” مقالا انتقد فيه سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإدارته للحرب وفشله في تحقيق أهدافها وإعادة المختطفين، قائلا إن “فشل نتنياهو ساهم في تعزيز وتقوية السنوار”.
وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن قرار تعيين السنوار رئيسا للمكتب السياسي هو تعبير عن الثقة به وبالقيادة الراسخة في قطاع غزة، ويهدف إلى إيصال رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي تقول إن السنوار وحده هو من سيملي شروط الصفقة المستقبلية لإطلاق سراح المختطفين وإنهاء الحرب.
وقال المتخصص في الشؤون الفلسطينية والشرق أوسطية آفي يسخاروف إن اختيار حماس السنوار بعد هنية يعكس المسار الذي اختارت حماس أن تسلكه في بداية “طوفان الأقصى”، وكذلك يرمز إلى إستراتيجية الحركة في ظل الحرب ومواقفها من مستقبل الصراع وتبنّي حماس رؤية وأجندة وأيديولوجية السنوار.
وأوضح يسخاروف في مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن هذا الاختيار يمثل في الواقع خضوع المكتب السياسي للحركة بأكمله للسنوار، قائلا إن “حماس باختيارها مثل هذا الشخص تتسابق أيديولوجيا في اتجاه أكثر تطرفا وتشددا في كل ما يتعلق في مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
فكر الجهاد
من جهته، يقول الباحث في الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط ديان شموئيل إلماز إن “حماس تُظهر بهذه الخطوة التزامها بفكرة الجهاد باعتبارها جوهر الفكر التنظيمي، وتكشف عن إستراتيجيتها، فالسنوار هو الشخصية الأكثر ارتباطا بالهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر/تشرين الأول”.
ويضيف الباحث الإسرائيلي في مقال بصحيفة “غلوبس” أن انتخاب السنوار يعد بمثابة “رسالة واضحة لإسرائيل والدول العربية المعتدلة أنه لا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية مع حماس، وعلاوة على ذلك فإن انتخابه يشكل تحديا لإسرائيل في علاقتها مع السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية المطبعة”.
وقال مؤسس ورئيس مركز “إسرائيل- فلسطين للبحوث والمعلومات” غيرشون باسكين إن اختيار السنوار يشكل “ضربة موجعة” لأولئك الذين تصوروا أن حماس قد تكون مستعدة للتنحي جانبا والسماح لآخرين بحكم غزة بعد الحرب.
وكتب باسكين تعليقا في مواقع التواصل الاجتماعي “أفهم أن السنوار كان يعارض أي مناقشة لإلقاء السلاح، ويبدو أنه كان ينظر إلى حزب الله باعتباره نموذجا لحماس في غزة، وتعيينه يشكل ضربة موجعة للجيران المعتدلين الذين تصوروا أن حماس تعلمت الدرس من خسائرها العسكرية ومن الدمار المادي الذي أحدثته إسرائيل في غزة”.
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أنه إذا تعززت قوة ومكانة حماس في عهد السنوار فسوف ينظر الفلسطينيون للسنوار على أنه “الشخص الذي أعادهم إلى ذكرى النكبة، وأن في اختياره رسالة إلى الشعب الفلسطيني والعالم مفادها أنه يجب عليهم القتال حتى الموت وعدم تقديم أي تنازلات”.