تواجه حركة حماس عقب استشهاد السنوار تحديا كبيرا على مستوى هرميتها القيادية وإدارة المعركة ميدانيا في القطاع، وصعوبة اختيار قائد لها يمكنه أن يسد الفراغ النوعي الذي تركه. في المقابل فإن استمرار عمليات المقاومة في مختلف أنحاء القطاع وتصاعدها نوعيا بشكل خاص في الشمال، لا يعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك هزيمة المقاومة، حتى بعد رحيل السنوار.

ومع رحيل السنوار مقاتلا بين أنقاض رفح المدمرة، فإن مسألة مسار العدوان على قطاع غزة، ومصير الأسرى المحتجزين فيه، واحتمالات استئناف التفاوض في هذا الملف، وسؤال “اليوم التالي”؛ عادت لتتصدر مشهد الحرب.

مركز الجزيرة للدراسات نشر ورقة تحليلية كتبها الدكتور حسن صالح أيوب، أستاذ السياسة الدولية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، وحملت عنوان “مسار الحرب على قطاع غزة بعد السنوار: اندفاع إسرائيل وتصلب المقاومة”.

وأشارت الورقة إلى أنه حتى لحظة استشهاد السنوار، فإن الأهداف الثلاثة التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية لعدوانها على غزة ما زالت قائمة، بحكم أن أيًّا منها لم يتحقق، أو لم يتحقق بصورة كاملة على الأقل، وهي: القضاء على حكم حماس في القطاع، وتفكيك قدراتها العسكرية (ومعها بقية فصائل المقاومة)، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. وهو ما يعني أن استمرار العملية العسكرية الواسعة في القطاع له أهداف ضمنية غير معلنة هي التي يسعى الاحتلال لتحقيقها، وفي مقدمتها تهجير السكان، وعزل شمال القطاع وتحويله إلى منطقة مهجورة تماما، وذلك مقدمة لتحويله إلى احتياط جيوسياسي وأمني للتوسع الاستيطاني.

عوامل استمرار الحرب أو تراجعها

وناقش الدكتور أيوب في ورقته عوامل استمرار الحرب أو تراجعها، وأولها: موقف نتنياهو الذي تمكّن من تعويد المجتمع الإسرائيلي على حالة الحرب الطويلة التي لم يسبق له أن عاشها، حتى سادت حالة عامة في إسرائيل بأن نهاية حركة حماس أصبحت وشيكة عقب فقدانها العقل المدبر لطوفان الأقصى. وثانيها: اتجاهات الشارع الإسرائيلي التي كشفت الاستطلاعات أن مستوى ثقته بالحكومة لم يتغير عما كان عليه قبل طوفان الأقصى، في مقابل مستويات ثقة عالية بالجيش بالرغم من تراجعها من 90% قبل سنة إلى 67% حاليا. لكن ربما يكون المؤشر الأكثر أهمية هو أن ثقة الجمهور الإسرائيلي بأن الجيش سينتصر في قطاع غزة بلغت 66%، متراجعة عن 90% في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو تراجع مرتبط باقتناع الجمهور بأن أهداف الحرب في قطاع غزة لن تتحقق.

وثالث العوامل المؤثرة: الموقف الأميركي، فالأطراف الدولية ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، وخصوصا الإدارة الأميركية، تميل إلى اعتبار أن غياب السنوار فرصة لإنهاء الحرب والتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو ما عبّر عنه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بقوله إن “إبعاد السنوار من ساحة المعركة يمثل فرصة لإيجاد طريقة تعيد الرهائن إلى ديارهم، وتضع حدا للحرب وتقودنا إلى اليوم التالي”.

أما العامل الرابع فهو: تعقيدات التصعيد الإقليمي الذي بلغ مرحلة من الخطورة هي أقرب إلى المواجهة الصفرية، وهو مرشح للاتساع بكل ما ينطوي عليه ذلك من أخطار عالية، خصوصا مع اشتعال الساحة اللبنانية بالرغم المصلحة الأميركية في إيجاد استقرار سياسي فيها، ومع التحفز الإيراني المعلن على الردّ الإسرائيلي المنتظر انتقاما من الهجوم الإيراني الأخير عليها.

تداعيات استشهاد السنوار

وعلى افتراض أن استشهاد السنوار يمكن أن يغير ديناميات المعركة المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة، وهو أمر مرجح، فإن التصعيد الإسرائيلي في القطاع واستمرار المقاومة في عملياتها المؤلمة ضد الجيش الإسرائيلي، إلى جانب إصرار سكان شمال القطاع على عدم الانصياع للأوامر الإسرائيلية بالنزوح نحو الجنوب، وفقا لخطة الجنرالات، يمكن أن يشير إلى أن استشهاده يمكن أن يكون له أثر مخالف لتصورات إسرائيل والإدارة الأميركية، وهو احتمال يفسر تطورين مهمين: الأول هو إصرار نتنياهو على الاستمرار في الحرب، والثاني هو التحرك الأميركي المتعجل للاستثمار السياسي والدبلوماسي لرحيل السنوار.

هذا بالإضافة إلى أن حركة حماس تواجه عقب استشهاد السنوار تحديا كبيرا على مستوى هرميتها القيادية وإدارة المعركة ميدانيا في القطاع، وصعوبة اختيار قائد لها يمكنه أن يسد الفراغ النوعي الذي تركه. في المقابل فإن استمرار عمليات المقاومة في مختلف أنحاء القطاع وتصاعدها نوعيا بشكل خاص في الشمال، لا يعطي الانطباع بأن إسرائيل على وشك هزيمة المقاومة، حتى بعد رحيل السنوار.

وبالرغم من غياب مواقف عربية ودولية تشكل ضغطا فعليا على إسرائيل، فضلا عن مساندة موقف حركة حماس والمقاومة، فإن تطورات معارك الشمال وانقلاب الموقف على الجبهة اللبنانية لصالح حزب الله، يدلاّن على أن ثمة توازنا للعوامل لن يؤثر فيه غياب السنوار جوهريا؛ مما يعني أن الوضع في قطاع غزة سيراوح في مربعه الراهن على الأقل حتى انتهاء الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، أو انفلات الردود الإسرائيلية الإيرانية مع ما سيعنيه من تصعيد كبير في لبنان.

للاطلاع على الورقة كاملة، أو تحميلها من هنا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version