وقعت نتائج الانتخابات البرلمانية في الهند، التي جرت على سبع مراحل من 19 إبريل/نيسان حتى الأول من يونيو/حزيران 2024، مثل الصاعقة فوق رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي يتبنى أيديولوجية هندوسية قومية متطرفة (الهندوتفا)، يقع في القلب منها التضييق على المسلمين في البلاد الذين يتجاوز عددهم 200 مليون نسمة.
فرغم كل المعوقات التي وصلت إلى حد قمع الناخبين المسلمين وإجبارهم على ترك مراكز التصويت بل ضربهم أحيانا في بعض الولايات، وحملة مودي الانتخابية التي قامت على شيطنة المسلمين عبر الزعم بأن المعارضة تنوي توزيع ثروات البلاد عليهم، فضلًا عن الأجواء السياسية الملبدة التي فرضها مودي في الموسم الانتخابي وشملت تجميد الحسابات المصرفية لمعارضين ومرشحين قبل الانتخابات، وسجن رئيسي وزراء ولايتين هنديتين، وحبس مؤثرين معارضين آخرين تحت دعوى تطبيق القانون في مخالفات الضرائب؛ فإن المجتمع المسلم في الهند أظهر مشاركة قوية في الانتخابات وحصد المرشحون المسلمون 26 مقعدا في البرلمان، بزيادة مقعد واحد على الانتخابات السابقة، لكن ذلك لا يزال أقل من الـ30 مقعدا التي حصدوها قبل صعود مودي وحزبه عام 2014.
وبصرف النظر عن عدد المقاعد، الذي لا يعكس القوة الديموغرافية للمسلمين الذين يشكلون قرابة 15% من سكان البلاد، فقد كانت المشاركة القوية للمسلمين من العوامل التي غيرت شكل المشهد السياسي في الهند بُعيد الانتخابات الأخيرة، وأنتجت فوزا بطعم الخسارة لمودي ورفاقه، فرغم تصدر حزب بهاراتيا جاناتا (حزب مودي) السباق الانتخابي فإنه حصل على 240 مقعدا فقط من إجمالي 543 مقعدا (بالمقارنة مع 303 مقاعد في انتخابات عام 2019)، وهو عدد غير كاف لحكمه منفردا؛ لتنتهي بذلك حقبة دامت عقدا كاملا من احتكار مودي وحزبه للسلطة منذ فوزهم بالأغلبية المطلقة عام 2014، بعد حقبة طويلة من الحكومات الائتلافية في الهند.
لقد فاز مودي بولايته الثالثة كما أراد، لكنه سيحكم هذه المرة بصفته زعيما للتحالف الوطني الديمقراطي الذي حصد 293 مقعدا، مقابل 243 مقعدا لتحالف المعارضة “الهند”، منها 99 مقعدا لحزب المؤتمر، حزب المعارضة الرئيسي. وتعني هذه النتائج أن مودي سوف يحكم بتفويض أقل قوة هذه المرة، وسيحتاج إلى توافق مع شركائه في الحكومة وحتى خصومه في المعارضة، لكن ذلك لن يكون كافيا لتبديد مخاوف المسلمين، الذين يخشون أن إدارة مودي سوف تواصل حملتها القمعية ضدهم خلال السنوات الخمس المقبلة، رغم التراجع الانتخابي الملحوظ.
عصر الاضطهاد
بحسب ورقة بحثية لـ”كومونويلث راوند تيبل” (Commonwealth Round Table)، بدأت السياسات التمييزية ضد المسلمين في الهند تتصاعد بحدة منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة عام 2014، حيث قُتل العديد منهم في وقائع طائفية لميليشيات هندوسية تحت سمع السلطات وبصرها، والمفارقة أن بعض القتلة تم تقديرهم وتكريمهم من الحزب الحاكم. وبحلول عام 2019، ألغيت المادة 370 من الدستور الهندي التي تعطي وضعًا خاصًا لولاية جامو وكشمير يشمل الحكم الذاتي والدستور والعلم، وهو ما عُدّ أكبر خطوة رسمية لتقويض الوضع القانوني لمسلمي الهند.
أبعد من ذلك، لم تسلم أماكن عبادة المسلمين من حملة الاضطهاد الهندوسية المتطرفة، ففضلًا عن هدم العديد من المساجد التاريخية بحجة أنها بُنيت على أنقاض معابد هندوسية، تقلصت مساحات الصلاة المتاحة للمسلمين في ظل تصغير أحجام المساجد، وحظر الصلاة في الأماكن العامة ومحاصرة المصلين فيها بالتهم الجنائية.
وقد امتد الاضطهاد إلى الأحوال الشخصية، بعدما سنّ الحزب الحاكم قانونا يجرم الطلاق البائن “الطلاق بالثلاثة”، ومعاقبة من يقدم عليه بالسجن ثلاث سنوات. وفي مطلع 2024 كشفت جريدة التايمز عن نية الحزب تشريع قانون مدني موحد تحتكم إليه كل الطوائف في البلاد بما فيها المسلمون، بحيث يلغي هذا القانون أية خصوصية لطائفة دينية في البلاد، ووفقًا لهذا القانون الموحد سيتم تجريم تعدد الزوجات وفرض المساواة بين الذكور والإناث في الميراث.
أجبرت هذه الممارسات مسلمي الهند تدريجيا على الدخول فيما يمكن أن نطلق عليه “سباتا هوياتيا”، إذ أصبح المسلمون يخشون من أن يردوا على هواتفهم بعبارة “السلام عليكم”، ويتجنبون ارتداء أزيائهم التقليدية، ويتجنبون التحدث بكلمات من اللغة الأردية. وختاما جاء قانون الجنسية كمحاولة نهائية لترسيخ منظومة التمييز السياسي والقانوني والاجتماعي ضد المسلمين الهنود تحت حكم مودي.
فالقانون الذي وافق عليه البرلمان عام 2019، منح أحقية التجنس السريع للذين لجؤوا إلى الهند من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل عام 2015، سواء كانوا هندوسا أو سيخا أو بوذيين أو مسيحيين، فالمهمّ ألا يكونوا مسلمين. وقد شهدت البلاد احتجاجات دامية وواسعة على إثر هذا القانون، ولم تقتصر تلك الاحتجاجات التي وصفتها السلطة آنذاك بأنها “إسلامية” على المسلمين فقط، بل شاركت فيها طوائف مختلفة، إذ نُظر إلى القانون على نطاق واسع باعتباره هدمًا لثوابت الهند العلمانية التي رسخت لعقود السلام الاجتماعي للبلاد، وقد اضطرت هذه الاحتجاجات حكومة ناريندرا مودي إلى إيقاف تنفيذ القانون آنذاك.
وعلى ذكر الاحتجاجات، لطالما قوبلت احتجاجات المسلمين في عهد مودي بعنف مفرط من الشرطة يصل إلى حد القتل. ولكن بحسب “كومونويلث راوند تيبل”، فإن الوقائع الأكثر دموية ارتكبها المتطرفون الهندوس من أنصار حزب بهاراتيا جاناتا، الذين تأججت مشاعرهم بسبب خطابات قيادات الحزب الطائفية التي جيشت الهندوس ضد الخطر المتخيل “المسلمين”.
أتقن قادة حزب مودي تجييش الإعلام، ونجحوا في توظيف مواقع التواصل لإقناع جموع غفيرة من الهندوس بأن المسلمين هم أعداؤهم الذين سرقوا أرضهم في الماضي، ووصل الأمر إلى ترويج القادة الهندوس المتطرفين لأساطير مفزعة عن المسلمين مثل “جهاد الحب” و”جهاد الأرض”. ويعني “جهاد الحب”، بحسب زعمهم، أن المسلمين يحاولون تغيير ديمغرافية الهند من خلال إيقاع النساء الهندوسيات في غرامهم وتحويلهن إلى الإسلام، وإنجاب أطفال مسلمين منهن، أما جهاد الأرض فيعني محاولة الاستيلاء على الأراضي التي يمتلكها الهندوس.
وقد وصل الأمر إلى حد أن مودي، خلال مؤتمر لأنصاره في ولاية راجاستان أثناء الحملة الانتخابية في أبريل/نيسان الماضي، استخدم تلميحًا طائفيًّا واضحًا حين ادّعى أن المعارضة العلمانية إذا وصلت إلى السلطة، فستأخذ ثروة الهندوس وذهب النساء الهندوسيات وتوزعهما على أولئك المشهورين بإنجاب الكثير من الأطفال، في إشارة إلى المسلمين الذين يصمهم مودي وقادة حزبه عادة بـ”كثرة الإنجاب”، مستخدما فزاعة التغيير الديموغرافي المعروفة.
أشعل مودي وقادة حزبه إذن نيران الطائفية، وتركوها تنهش مسلمي البلاد بلا رحمة، حتى في مساجدهم، إلى درجة أن عام 2019 وحده شهد هجمات تخريبية وطائفية على 16 مسجدا في أنحاء البلاد. وبحسب تقرير لبي بي سي في أبريل/نيسان 2024، فقد وقعت ثلاثة أرباع حوادث العنف ضد المسلمين بالهند في الولايات التي يحكمها مباشرة حزب بهاراتيا جاناتا، وتشمل هذه الحوادث على سبيل المثال لا الحصر تصفية من يشتبه في عملهم بتجارة البقر، وتخريب الشركات والمحال الصغيرة التي يملكها مواطنون مسلمون، وصولا إلى إعلان المتطرفين الهندوس مزادات لـ”بيع” النساء المسلمات على الإنترنت.
قومية هندوسية
لفهم سر هذا العداء المتنامي للإسلام في دولة مودي، علينا الإشارة سريعا للعقيدة الأيديولوجية التي يعتنقها رئيس الوزراء والتي تجد جذورها فيما يعرف بـ”الهندوتفا” وهي مزيج بين التطرف الديني الهندوسي والغلو القومي الهندي. لقد أقام مودي حكمه منذ البداية على فكرة تدشين دولة قومية هندوسية تقصي كل ما هو “غير هندوسي” باعتباره “غير هندي” على اختلاف درجات هذا الإقصاء، ولفعل ذلك اعتنق الرجل فكرة “المظلومية” وغرسها غرسا في نفوس أنصاره.
تقوم هذه المظلومية على سردية تاريخية زائفة أو محرفة في أفضل الأحوال، تعتبر ملايين المسلمين الهنود الذين كانوا منذ زمن طويل جزءًا لا يتجزأ من نسيج الهند وعاش أجدادهم فيها منذ مئات السنين مجرد أغيار “متسللين”؛ وذلك -فقط- لأن أجدادهم اختاروا اعتناق الإسلام. وفق رؤية مودي إذن، فإن أكثر من 200 مليون مسلم هندي هم أحفاد “الغزاة المسلمين” الذين اغتصبوا حكم الهند قبل قرون وأجبروا الهندوس على الدخول في الإسلام، ومن ثم فإن الأوان قد آن كي تدور الدائرة من جديد ويستعيد الهندوس بلادهم ليس فقط من خلال قمع المسلمين، وإنما أيضًا من خلال مجابهة العلمانيين الذين “يحابون المسلمين” على حساب الأغلبية الهندوسية من وجهة نظرهم تحت مسميات التعايش والمواطنة.
لا عجب إذن في أن ناريندرا مودي اختار تدشين حملته الانتخابية في وقت سابق من العام الحالي (2024) من داخل معبد رام الذي أقامه على أنقاض مسجد بابري التاريخي الذي دمره المتطرفون الهندوس عام 1992 في أعمال عنف طائفي دموية. تعد هذه الرمزية مهمة جدا لفهم جذور العداء للإسلام في فكر مودي وسياساته، فالمسلمون ومساجدهم في الهند هم نتاج ظلم تاريخي، ومن ثم لا مفر من تصحيح هذا الظلم، وليست باقة السياسات الإقصائية والقوانين التمييزية وأعمال العنف الدموية سوى تجلٍّ لهذه العقيدة القائمة على المظلومية المفتعلة.
لطالما أجاد مودي ارتقاء سلم الطائفية من أجل الوصول إلى المجد السياسي. فقبل أكثر من عقد من توليه المنصب السياسي الأبرز في البلاد، أدى دورًا حساسًا في الفتنة الطائفية الدموية في ولاية غجرات (خامس أكبر ولايات الهند من حيث المساحة) عام 2022، إذ كان مودي آنذاك يشغل منصب رئيس وزراء الولاية، وقد أعطى تعليماته لضباط الشرطة والمسؤولين بالسماح للهندوس “بالتنفيس عن غضبهم” في أعقاب هجوم مسلمين على قطار لحجاج هندوس في الولاية انتهى بحريق داخلي بالقطار أسفر عن قتل 59 شخصًا من الحجاج الهندوس. وفي حين تضاربت الروايات حول واقعة القطار وأسبابها، أدت تعليمات مودي حول السماح بـ”التنفيس عن الغضب” إلى مذبحة كبيرة للمسلمين أُحرق فيها العديد من المواطنين المسلمين وهم أحياء وبُقرت بطون نسائهم الحوامل. وتشير الأرقام إلى سقوط زهاء 1044 قتيلا وأكثر من 2500 جريح في هذه المذبحة، بينهم النائب البرلماني المسلم إحسان جعفري.
ماذا بعد الانتخابات؟
بالطبع لم تسفر التحقيقات حول أحداث غجرات عن أي إدانة لمودي، رغم استمرار تداول القضية في المحاكم حتى عام 2022، حين قضت المحكمة العليا برفض الدعوى. على النقيض، حصل مودي على مكافأته السياسية لاحقا، مرتقيا إلى منصب رئيس وزراء الهند التي تحولت على مدار عشرة أعوام من حكمه المنفرد إلى نسخة موسعة من غجرات. ورغم أن الأمور من غير المرجح أن تتغير جذريا بعد الانتخابات الأخيرة، فإن النتائج تدق ناقوس خطر مبكر في آذان مودي وقادة حزبه.
ففي الأشهر السابقة للاقتراع، كانت توقعات مودي وحزبه تشير إلى حصولهم على 370 مقعدًا وأن تحالفهم الانتخابي سيحصل على 400 مقعد؛ لذلك شكلت النتائج صدمة مدوية للحزب الذي حصل على “انتصار ممزوج بالمرارة”. وتشير هذه النتائج إلى أن العلامة التجارية لمودي، وسياسته القائمة على “القومية الهندوسية” وحدها لم تعد مقنعة بما يكفي للناخبين الهنود الذين اختاروا التصويت ليس وفق الأيديولوجيا، بل على أساس قضايا أخرى مثل الفقر والبطالة، فضلًا عن التصويت العقابي من المسلمين وغيرهم من الأقليات.
بدت النتائج أكثر رمزية في مرارتها مع خسارة الحزب الحاكم دائرته الانتخابية في مدينة فايز آباد، التي افتتح بها مودي حملته الانتخابية في قلب معبد رام مطلع العام الحالي، والصعوبة التي واجهها مودي نفسه في حسم مقعده. وقد أثارت هذه النتائج موجة من التوقعات المتفائلة لدى بعض المسلمين وحتى العلمانيين الهنود خاصة أولئك الذين يعيشون في المهجر، فقد كتب الصحافي والمؤلف الأميركي والمذيع بقناة سي إن إن فريد زكريا، وهو ينحدر من أبوين هنديين مسلمين، في عموده بصحيفة واشنطن بوست أن الناخبين الهنود سطروا قصة جيدة قصوا فيها أجنحة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه، وجعلوا 20 وزيرًا في حكومته يخسرون مقاعدهم، وجعلوا مودي نفسه يعاني بشدة كي يفوز في دائرته الانتخابية، ووصل الأمر إلى خسارة حزبه في مدينة أيوديا التي بنى فيها معبدًا كبيرًا على أنقاض مسجد تاريخي، وظن بذلك أنه أمّن أصوات المدينة ليفاجأ بالعكس من الناخبين.
كذلك تملكت نفس النبرة المتفائلة الصحافية رنا أيوب في مقال لها بصحيفة واشنطن بوست، عنونته بـ”انتكاسة مودي.. أمل مشجع للمسلمين في الهند”، إذ قالت إن انتكاسة مودي وقلة عدة المقاعد عن المتوقع لدى تحالفه، وزيادة مقاعد المعارضة، ستفرض بطبيعة الحال كوابح متعددة على سياسات وخطط مودي القامعة للمسلمين، لأن المعارضة تريد حماية الدستور العلماني للبلاد في مواجهة طائفية مودي.
وعلى نفس النغمة عزف الباحث المتخصص في شؤون جنوب آسيا دانييل ماركي في مقاله المنشور في معهد الولايات المتحدة للسلام الذي حمل عنوان “بعد الانتخابات الهندية المفاجئة.. ما هو القادم في سياسة مودي الخارجية؟” مرجحا أن أهمية الانتخابات لا تكمن فقط في إمكانية تعديل نطاق الائتلافات والديناميات في البرلمان الهندي، ولكن الأهم أنه يمكنها أن تشعر الشعب الهندي بأن هيمنة حزب مودي (بهاراتيا جاناتا) قد انكسرت، وهذا الأمر بمقدوره أن يشجع المزيد من الهنود على اختراق المجال العام بعد سنوات من الخوف.
يجادل ماركي بأن الهند ربما تشهد على إثر هذه الانتخابات رواجا لنشاط وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والباحثين الأكاديميين للشروع من جديد في التحليل والاستقصاء وعرض الأفكار بجرأة بعد أن تم خنق الأصوات المعارضة بقوة في العقد المنصرم. ورغم ذلك، فإنه كان متحفظا في تفاؤله، حيث حذر من أن بهاراتيا جاناتا ومودي لن يتراجعا بسهولة عن تقييدهم للنقاش العام في البلاد، ولن يسلموا بسهولة بفكرة فتح المجال العام على مصراعيه لتحدي خططهم للهند، كما استبعد أن يعود البرلمان إلى سابق عهده فيما يخص المناقشات المفتوحة لصناعة القرارات السياسية، بعد أن تحول من 2014 إلى 2024 إلى هيئة منزوعة المخالب، بفعل هيمنة وأغلبية حزب بهاراتيا جاناتا، رغم أن دور البرلمان من المرجح أن يكون أكثر حيوية من الفترة السابقة بسبب تركيبته الأكثر اتزانا.
لكن هذا التوازن النسبي في السياسة الهندية من غير المرجح أن يثمر تحسنا ملحوظا في أوضاع المسلمين الهنود. وكما يقول الصحافي المتخصص في حركات أقصى اليمين المتطرف الهندوسية نيلانجان موخوبادهياي، فإن عهدة مودي الجديدة قد تجلب المزيد من المخاوف إلى المسلمين، وقد يستمر نفس الاتجاه الذي بدأ تدشينه في العقد الماضي الخاص بعزل المسلمين وتهميشهم. فرغم كل شيء، لا تزال السلطة مركزة في يد مودي بعد نجاحه في تشكيل حكومة ائتلافية بدعم أحزاب صغيرة داخل تحالف التجمع الوطني الديمقراطي. هذه الحكومة، المكونة من 71 عضوا، خلت من أي تمثيل للمسلمين على عكس الحكومتين السابقتين، وربما يشير ذلك إلى نية مودي لسلوك توجه أكثر يمينية بعد أن شعر بالبساط يُسحب من تحت أقدامه في الانتخابات الأخيرة.
في النهاية أثبتت نتائج الانتخابات أن مودي لم يلتهم الهند تماما بعد كما كان يتخيل، وأن حضور المعارضة السياسي أقوى مما كان يُتصور، وأن المسلمين لا يزالون يحوزون نصيبا من التأثير برغم العنف والإقصاء، بيد أن البلاد لا تزال بعيدة عن استعادة حيويتها الديمقراطية. وسوف تكون فترة مودي الثالثة على الأرجح مؤشرا للطريق الذي ستسلكه السياسة الهندية في النهاية، فإما أن يفقد الراهب الغاضب مزيدا من نفوذه وبريقه، وتخسر أيديولوجيته المتطرفة فعاليتها بما يسمح بعكس مسار التطرف الديني والقومي المتزايد، وإما أن ينصب مودي نفسه ملكا متوجا على عرش الهند، التي ستصبح ساعتها بلدا غير ذلك الذي أراده غاندي ورفاقه ذات يوم.