رام الله– أكدت منظمات حقوقية فلسطينية وناشطون في الدفاع عن حقوق الإنسان، استمرار السلطة الفلسطينية في “نهج الملاحقة السياسية” في الضفة الغربية، رغم الحرب المدمرة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالتزامن مع حملة عسكرية وتزايد اعتداءات المستوطنين بالضفة.
وأشارت تقارير حقوقية إلى حالات قتل وتعذيب وملاحقة واعتقال على خلفية سياسية وعلى خلفية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي، دون مسوغات قانونية، فضلا عن تأخير أو رفض تنفيذ قرارات المحاكم.
ولا يكاد يخلو يوم دون أن تنشر فيه لجنة أهالي المعتقلين السياسيين على صفحتها بموقع فيسبوك، خبرا عن اعتقال أو تمديد اعتقال أو استدعاء أو ملاحقة لناشطين في الضفة.
أبرز الانتهاكات
وبمراجعة الجزيرة نت لتقارير الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، والتي توثق فيها أبرز انتهاكات السلطة الفلسطينية، فقد اتضح أن الهيئة تلقت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 68 شكوى تتعلق بالتعذيب أثناء التوقيف والمعاملة القاسية والمهينة من قِبَل الأجهزة الأمنية وخاصة الشرطة والمخابرات والأمن الوقائي.
كما تلقت الهيئة 132 شكوى حول عدم صحة إجراءات التوقيف، إما لأن توقيف المشتكين كان لأسباب سياسية أو لأنه كان تعسفيا.
ومن الانتهاكات التي وثقتها الهيئة عدم تنفيذ قرارات المحاكم أو تأخير تنفيذها، وتلقت في هذا الخصوص 38 شكوى، إضافة إلى شكاوى تتعلق بانتهاك الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي.
وفي تقرير خاص لها حول التعذيب نشرته في أبريل/نيسان الماضي، ذكرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أنها خاطبت الجهات المختصة في الضفة الغربية لطلب بيانات ومعلومات بشأن إجراءاتها ومواقفها ذات العلاقـة بالمساءلة عـن التعذيب، دون أن تتلقى ردودا مكتوبة.
وأشارت إلى تلقيها نحو 1148 شكوى لمواطنين ادعـوا فيهـا تعرضهم للتعذيـب وإساءة المعاملة على يد ضباط وأفراد في الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة الغربية، خلال السنوات الخمس الماضية.
واعتبرت أن “مسار المساءلة الجزائية” عن حالات التعذيـب وإسـاءة المعاملة التي تم توثيقها من طرفها على مر السنوات الماضية “غـير مرض ومحدود للغاية”، إذ “لم تتم المساءلة الجزائية للمتورطين في معظم حالات التعذيب وإسـاءة المعاملة الموثقة”.
غطاء للتوقيف
وبحسب مدير مكتب الهيئة بمنطقة جنوبي الضفة فريد الأطرش، فإن الانتهاكات مستمرة في الضفة ولم تتوقف في ظل الحرب على غزة، وإن تراجعت بشكل ملحوظ، مشيرا إلى أن الحالات الموثقة لدى الهيئة هي تلك التي يتم التبليغ عنها فقط، ولا تشمل جميع الحالات.
وأضاف أن الهيئة تتوجه للجهات ذات العلاقة من الأجهزة الأمنية بخصوص الحالات المبلغ عنها ومنها الاعتقالات التعسفية ويتم التجاوب والإفراج عن المعتقلين في أغلبها، لكن في بعض الحالات وقضايا التعذيب تحديدا يُعلن عن تحقيقات لكنها غالبا غير جدية.
وذكر أن التهم التي توجه للمعتقلين السياسيين تكون غطاء لعملية التوقيف ولا تثبت في المحاكم ويتم في النهاية الإفراج عن المعتقلين.
وشدد الأطرش على ضرورة “وقف الانتهاكات خاصة في ظل حرب الإبادة المستمرة في غزة وما يجري في الضفة من انتهاكات إسرائيلية”.
انتهاكات خطيرة
من جهته، يكشف مدير مجموعة “محامون من أجل العدالة” مهند كراجة أن تراجع الانتهاكات ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عنها قبل ذلك التاريخ، لم يمنع وقوع “انتهاكات خطيرة” بما فيها القتل.
بالعودة لتقارير سنوات سابقة، قال كراجة للجزيرة نت إن مجموعته رصدت 1270 حالة اعتقال على خلفية سياسية عام 2022 ، ونحو 800 من بداية 2023 حتى 7 أكتوبر من العام نفسه.
يضيف كراجة أنه مع بداية الحرب كان هناك انخفاض كبير جدا في حالات الاعتقال السياسي، لكن بعد مجزرة مستشفى المعمداني (17 أكتوبر) ونتيجة المظاهرات والاحتجاجات التي تخللها نقد للسلطة والاشتباك بين السلطة ومتظاهرين، ازدادت وتيرة الاعتقالات.
وأضاف “خلال 3 أيام بعد المجزرة وثقنا أكثر من 150 حالة اعتقال، إضافة إلى مقتل متظاهر دعسا بمركبة عسكرية”.
وكشف الناشط الحقوقي عن “قتل أكثر من 10 أشخاص بسلاح السلطة وخارج إطار القانون، بينهم مطلوبون للأجهزة الأمنية، وإصابة 5 مطلوبين بالرصاص خلال مرحلة اعتقالهم منذ 7 أكتوبر”.
وصف كراجة حالات القتل بأنها “تحول خطير جدا” في نهج السلطة “باستخدام السلاح بلا وجود أي خطوط حمر”.
وتابع أن الاعتقالات السياسية استمرت واستهدفت متظاهرين “واليوم الملاحظ أنها تزداد شهريا، وكان شهر مايو/أيار أكثرها من حيث الملاحقات خاصة تلك التي استهدفت نشطاء لحماس في نابلس”.
وأضاف كراجة “حتى اليوم هناك اعتقالات سياسية واستدعاءات كبيرة من قبل الأجهزة الأمنية على خلفية التعبير عن الرأي على منصات التواصل الاجتماعي أو المظاهرات المنددة بالحرب على قطاع غزة”.
وأشار إلى تراجع حدة تفاعل النشطاء والمؤثرين مع الاعتقالات السياسية مقارنة مع ما كان عليه الحال قبل الحرب، وذلك لانشغال الجميع بالعدوان على غزة.
وتابع “رغم الحرب والاعتقالات الكبيرة التي قام بها الاحتلال للنشطاء السياسيين والحقوقيين، فإن ماكينة الاعتقالات السياسية لم تتوقف”، لافتا إلى اعتقال حقوقيين بينهم فخري جرادات وغسان السعدي.
معاقبة الخصوم
وكشف كراجة عن توجه آخر لدى السلطة، قال إنه يحمل في طياته “استغلال السلطة الحرب لمعاقبة النقابيين”، مشيرا إلى “توثيق كثير من الحالات تتعلق بنقل تعسفي لموظفين، ومنهم موظفون بوزارة الأوقاف بسبب خطب جمعة نددت بالحرب، ومنهم من تم فصلهم، ومعاقبة نقابيين وموظفين في القطاع العام كانوا يعتزمون ترخيص نقابة، وفصل ومعاقبة موظفي حراك المعلمين”.
وفي السنوات الأخيرة قاد “حراك المعلمين” سلسلة فعاليات بينها إضرابات للمطالبة بحقوقهم المالية، وذلك بمعزل عن نقابة المعلمين.
وتنفي السلطة الفلسطينية على الدوام أنها تنفذ اعتقالات سياسية، وتقول إن الاعتقالات التي تقوم بها تكون على خلفية تجاوزات للقانون ويتم عرض المعتقلين على القضاء.
وفي بياناتها التي تنشرها وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية، تشدد المؤسسة الأمنية على “مبدأ سيادة القانون وأن تطبيقه يجب أن يسود مهما كانت الظروف”.
وبعد الأحداث التي شهدتها محافظة طولكرم، وقيل إنها كانت في إطار محاولة اعتقال أبو شجاع قائد كتيبة جنين أفشلها تجمهر المواطنين، ذكرت المؤسسة الأمنية أنها “حريصة كل الحرص على أمن الوطن”.
وأضافت أنها “لن تتراجع عن ملاحقة كل من تسول له نفسه المساس بأمن المواطن أو أخذ القانون باليد، ولن تسمح بنشر الفوضى والفلتان في الشارع الفلسطيني”، داعية “الجميع إلى الوقوف بحزم في وجه مثيري الفتن والقلاقل”.
وفي تعقيبه على حادثة مقتل أحمد أبو الفول، أحد عناصر كتيبة مخيم نور شمس في مدينة طولكرم مطلع مايو/أيار بإطلاق النار على مركبته، قال الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية طلال دويكات إن المركبة المستهدفة أطلقت النار باتجاه دورية أمنية، مما اضطر عناصرها للرد.
وأضاف، في تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية، أنه “لا صحة لأي تصريحات أخرى حول هذا الموضوع. والقوى الأمنية ستستمر في أداء دورها وواجبها المكلفة به لحماية أمن المواطنين”.