الخرطوم- تعيش أسرة كمال موسى قلقا كبيرا على مدى أسبوعين بعد اختفاء معيلها على نحو غامض في حي جبرة (جنوبي العاصمة السودانية)، لينضم إلى قائمة طويلة من المفقودين الذين تعج بهم مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك منذ بدء الاشتباكات الضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف أبريل/نيسان الماضي.

ويشيع اختفاء كمال (37 عاما) منذ السادس من مايو/أيار الجاري علامات استفهام كبيرة وحزنا مقيما وسط الأسرة، حيث كان كمال يستعد للمغادرة إلى مصر. وحسب شقيقه خالد موسى فإن أخاه كان ينوي اصطحاب والدهما المريض ليتمكن من مواصلة علاجه، لكنه غادر المنزل منذ أسبوعين ولم يعد حتى الآن.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال موسى إن الأسرة أبلغت منظمة الصليب الأحمر والعديد من الجهات والمنظمات المحلية باختفاء شقيقه، أملا في مساعدتها.

ومنذ تفجر الصراع المسلح في الخرطوم، أغلقت أغلب مراكز الشرطة أبوابها واختفت كليا من المشهد، تاركة المجال واسعا للعصابات ومعتادي الإجرام، ولفّت الحيرة عشرات الأسر التي ترغب في الإبلاغ عن حالات الاختفاء والفقدان.

استهداف الشباب

يقول شهود عيان كانوا في طريق السفر بين الخرطوم وولاية نهر النيل للجزيرة نت إن النقاط العسكرية المنصوبة على الطريق تتخذ إجراءات قاسية ومخالفة للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وذلك عند التعامل مع المسافرين الذكور، خاصة الشباب.

ويروي أحد الناشطين العاملين في المجال الإنساني للجزيرة نت تعرضه للتفتيش والتعنيف والنهب على يد عناصر تابعة للدعم السريع في نقطة ارتكاز لها قبالة جسر الحلفايا. وأكد أن العناصر يوقفون السيارة أيًا كانت ويصعدون إليها ويطلبون من الشباب الترجل حاملين حقائبهم الشخصية.

وأضاف “‘طلب مني و5 شباب آخرين النزول من الحافلة وحمل حقائبنا الشخصية، وبعدها قاموا بتفتيشنا على حده وأمرونا بإفراغ الحقائب على الأرض وسؤالنا عن مهنتنا ووجهتنا، بعد ذلك أخذوا هواتفنا وأموالنا وأمرونا بتعبئة الحقائب مجددا والانتظار”.

وذكر أن العنصر الذي تولى مهمة تفتيشه وضع هاتفه في جيبه خلسة وهمس إليه بالصعود فورا للحافلة، وأنه سيحاول إعادة هواتف الآخرين وأموالهم.

وأكمل “أعاد هاتفي من دون النقود، وبقية الرفاق فقدوها لأن الجندي لم يستطع إقناع زملائه بإرجاع الهواتف”.

وتتطابق روايات شهود عيان بأن نقاط الارتكاز التي يقف عليها عناصر من الدعم السريع في العديد من الطرق اقتادت شبابا من حافلات لعدم إبرازهم بطاقات هوية، ولا يُعرف مصيرهم بعد ذلك.

وتمكنت الجزيرة نت من التواصل مع والد إحدى المفقودات، لكنه أحجم عن الخوض في أي تفاصيل بشأن كيفية غيابها حتى لا يسبب حديثه ضررا لها في حال كانت بيد المسلحين، حسب قوله.

أرقام متصاعدة

مع تصاعد وتيرة القتال والاشتباكات في الخرطوم، تشكو أسر عدة من فقدان أحد أفرادها الذين يخرجون في العادة للبحث عن الماء أو الطعام أو جلب الخبز أو الدواء وسط تعقيدات وتهديدات أمنية جسيمة. وتتهم القوات المسلحة في بيانات متفرقة قوات الدعم السريع باستخدام المدنيين دروعا بشرية داخل الأحياء السكنية.

وتحدث تقرير بعنوان “الحلقة الأضعف” -أصدرته منظمة “مفقود”- عن فقدان 234 شخصا خلال الفترة من التاسع من مايو/أيار الجاري حتى 19 من الشهر نفسه، بينهم 11 فتاة، وتم الإبلاغ عن مقتل 6 من المفقودين، كما توضح الإحصائية التي حصلت عليها الجزيرة نت.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح مؤسس مبادرة “مفقود” يحيى حسين أن معظم المفقودين من الشباب، وتتراوح أعمارهم بين 20 و35 سنة.

وأوضحت أن 29 مفقودا عادوا خلال الفترة الماضية لذويهم، منهم 4 أشخاص عادوا خلال الأيام الفائتة.

وأكد أحد العائدين للجزيرة نت أنه كان محتجزا لدى قوات تتبع الدعم السريع، بعد أن أخضعوه للتفتيش في إحدى نقاط التفتيش، وتشككوا في عدم حمله ما يثبت هويته واتهموه بالتجسس لصالح الجيش، في حين كان الشاب يحاول البحث عن خبز لعائلته التي تقطن بضاحية الديم.

وأظهرت الإحصائية فقدان 15 شخصا دون 18 عاما، وسجلت الخرطوم فقدان 192 شخصا مقابل 37 في أم درمان، و43 في الخرطوم بحري.

وفقد أشخاص آخرون في مروي التي اندلعت فيها شرارة الصراع بين الجيش والدعم السريع، كما اختفى أشخاص في مدن: شندي بولاية نهر النيل (شمال) ومدني (وسط) ووادي حلفا (شمال) منذ 15 أبريل/نيسان الماضي. ومن بين المفقودين 6 أشخاص يحملون جنسيات غير سودانية.

وحتى 19 مايو/أيار الجاري، بلغ عدد المفقودين بسبب الاشتباكات الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع 269.

اعتقال وإخفاء قسري

بدورها، قالت عضو مبادرة “مفقود” سارة حمدان للجزيرة نت إنه منذ اندلاع الحرب عملت المبادرة بكل جهد لرصد المفقودين، وأسهمت في نشر معلوماتهم والمتابعة من خلال صفحاتها، منوهة إلى عودة بعض المفقودين، لكن الأغلبية ما يزالون مجهولي المصير.

وحسب بيان صادر عن اللجنة التنسيقية لمبادرة “مفقود”، صدر الجمعة الماضي، فإن عمليات الرصد والمتابعة كشفت عن أن عددا من المدنيين تم اعتقالهم وإخفاؤهم قسريا بواسطة قوات الدعم السريع، بعضهم اعتُقل من منازلهم، والبعض الآخر من الطرق أو من داخل الأحياء.

ورجحت سارة أن يكون بعض هؤلاء المعتقلين والمخفيين قسريا من الذين فُقدوا خلال الأيام الماضية.

وأكد بيان المبادرة أنه بسبب هذه الممارسات تواردت معلومات مؤسفة عن مقتل أحد المفقودين، بعد هجوم الجيش على إحدى مقرات الدعم السريع، ونتج عنه وفيات لا يعلم حتى اللحظة عددها ولا مصير بقية المعتقلين المخفيين قسريا فيها، وما إذا كانت هناك حالات مشابهة، حيث تقوم قوات الدعم السريع بوضع المعتقلين في مناطق مختلفة؛ في خرق واضح لقوانين وحقوق الإنسان.

ودعت المبادرة الطرفين للالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وبما تم الالتزام به في إعلان جدة لحماية المدنيين، الذي أكد أن سلامة المدنيين تمثل أولوية رئيسية.

كما طالبت المبادرة قوات الدعم السريع بإطلاق سراح كافة المدنيين المحتجزين لديها، وتأمين حياتهم وسلامة عودتهم إلى أسرهم، من دون قيد أو شرط.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version