واشنطن- تعرضت الجالية المسلمة في أميركا بشكل استثنائي لضغوط ومضايقات غير مسبوقة منذ وقوع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ أسهم ملايين المسلمين الأميركيين بقوة وفعالية وخرجوا بشكل متكرر للتعبير عن رفضهم لموقف إدارة جو بايدن من دعم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ورغم تعرض المسلمين لتهديدات وضغوط بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتجدد الصعوبات والمضايقات بعد فرض الرئيس السابق دونالد ترامب حظرا على دخول مواطني بعض الدول الإسلامية، فإن موقف إدارة بايدن وتبنّي الإعلام الأميركي للادعاءات الإسرائيلية في ما يتعلق بالحرب على غزة، والانتشار الكثيف لوسائل التواصل الاجتماعي، جعل كثيرا من مسلمي أميركا يرون أن ما يتعرضون له منذ اندلاع طوفان الأقصى يعدّ الأخطر في ترتيب التحديات الكبيرة التي تعرضوا لها خلال ربع القرن الأخير.

وغذى الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شعور أغلب مسلمي أميركا بهويتهم الدينية، وبانتمائهم إلى فئة دينية تضم عرقيات مختلفة لكن يجمعها تعاطف تجاه معاناة أهل غزة، مما جعلهم يفتخرون بمواقفهم المعارضة لموقف إدارة بايدن، ويرون أن من واجبهم التحدي والدفاع عن حقوقهم، بصفتهم مواطنين وناخبين ومن دافعي الضرائب.

وبعكس التجارب السابقة التي دفعت كثيرا من المسلمين إلى إخفاء عرقهم وعقيدتهم، وخاصة النساء اللواتي خلعن حجابهن أو الأطفال الصغار الذين اختبؤوا وراء أسماء مستعارة، يقف مسلمو أميركا اليوم ملتزمين برفض موقف البيت الأبيض من العدوان على غزة، مع تعهد بنقل التحدي إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

مشاعر مختلفة

لقد سعى كثير من مسلمي أميركا قبل أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى الانصهار في بوتقة المجتمع الأميركي المتعدد العرقيات والخلفيات، وقدر كثير منهم بشدة قيم الديمقراطية الأميركية ومفهوم سيادة القانون واحترام الحريات الخاصة والعامة، وسعى ملايين المسلمين كغيرهم من أبناء الخلفيات والديانات الأخرى إلى بث بذور الانتماء لأميركا لهم ولأبنائهم في وطنهم الجديد.

ولكن بعد أحداث طوفان الأقصى وما تبعها، يشكك كثير من المسلمين الأميركيين في ترحيب المجتمع الأميركي بهم وبما يمثلونه من مواقف رافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنددة بالدعم والتسليح الأميركي غير المشروط لهذا العدوان، بحسب ما بينت حوارات مختلفة أجرتها الجزيرة نت معهم.

فقد ذكر رجل أعمال مسلم من أصول باكستانية، يعيش ويعمل في العاصمة واشنطن -طلب عدم ذكر اسمه- للجزيرة نت “لم أعد أشعر بأنني مرحب بي هنا في أميركا، على الرغم من وجودي بها منذ ما يزيد على 20 عاما، أصبحت أرى التهديد في البيئة المحيطة بسبب مواقفي أنا وأولادي الناشطين ضد العدوان، فالمبادئ الأميركية أصبحت محل شك لدينا عندما يخالف الرئيس بايدن القانون الأميركي ذاته ويستمر في شحن الأسلحة لإسرائيل”.

وعلى النقيض من ذلك، يرى مسلمون أميركيون آخرون أن خبرة العام الماضي، وما أتاحه المجتمع الأميركي من حرية وإمكانية الإسهام في نشاطات مختلفة، كانت عوامل قد أحيت شعورهم بهويتهم الإسلامية.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار زياد صلاح، الطالب الأميركي ذو الأصول الفلسطينية بجامعة جورج واشنطن، إلى أن المشاركة في المظاهرات والاعتصامات خلال فصل الربيع الماضي أسهمت في تطوير مهارات التعامل مع ناشطين من الخلفيات والعرقيات كافة، وقال “وجودنا في واشنطن، ووجود آلاف الأميركيين المسلمين في ضواحيها، سهّل التعارف على مزيد من الطلبة المسلمين الذين جمعهم هدف لم يجمعهم من قبل”.

كذلك ذكرت سيدة مسلمة تركية أن “العدوان على غزة خدم جيلا كاملا من أبناء مسلمي أميركا، ولخص لهم تاريخ الصراع، وعرّفهم معنى أن تكون مسلما فخورا بدينك في مجتمع متعدد الخلفيات والتحديات”.

جيل جديد متأثر

وتحدثت سيدة مصرية أميركية -للجزيرة نت- عن كيفية تأثرها وأولادها (14 و12 عاما) بالعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فقالت إنها قبل طوفان الأقصى لم تكن مهتمة بتعليم أبنائها الكثير عن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وكان همها الشاغل هو تنشئتهم ليكونوا مسلمين أميركيين مصريين، يتحدثون العربية ويعرفون مصر من خلال الزيارات السنوية، للقاء العائلة الكبيرة في القاهرة.

وذكرت السيدة، التي تعمل في شركة أميركية كبرى، وفضلت عدم ذكر اسمها، أن أولادها تقربوا من نظرائهم العرب والمسلمين الأميركيين من خلال المشاركة والتعاطف مع كل ما هو فلسطيني، وتقول “لقد شارك أبنائي في أغلب المظاهرات التي شهدتها منطقة واشنطن الكبرى ضد استمرار العدوان الإسرائيلي واستمرار الدعم الأميركي”. وأشارت إلى أن جيرانها يستغربون من انشغالها بقضية العدوان على غزة، باعتبار أنها مصرية.

وذكرت السيدة التي تسكن في مقاطعة مونتغومري بولاية ميريلاند المجاورة لواشنطن أن بداية إدراك أطفالها لعمق الأزمة، ووصولها إلى حياتهم العادية اليومية، جاء حينما رفضت مرافقتهم كما اعتادت أن تفعل دوما إلى مقهى “ستاربكس” لشراء مشروبات والجلوس لبعض الوقت.

ولفتت -في حديثها للجزيرة نت- إلى أنها عندما كانت تحدث أولادها عن القضايا العربية كاحتلال فلسطين أو غياب الديمقراطية في الدول العربية، لم يكونوا يبدون اهتماما أو حماسة لما يسمعونه، وكانوا يقولون “هذه مشاكلكم أنتم، وليست مشكلة جيلنا الجديد”.

لكن الأمر تبدل تماما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كما تقول السيدة، فقد ازداد اهتمام ابنائها بشكل تدريجي وزادت متابعتهم لكل ما يجري من خلال الأخبار، وتقول “كان علي أن أرد على كثير من الأسئلة عن تاريخ الصراع، وكيف وصلنا إلى هذه النقطة”.

أثر المسلمين الأميركيين

امتد أثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة على مدى العام الماضي ليشمل جميع مجالات حياة المسلمين الأميركيين، وظهر ذلك في مواجهة واقع جديد تمثل بتصاعد أزمة “الإسلاموفوبيا” وخيارات الجالية العربية والمسلمة السياسية.

فمن ناحية إيجابية، أدرك مسلمو أميركا قوة الكتلة التصويتية التي يمثلونها رغم صغرها، فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية تظل قضية غزة عاملا رئيسًا محددا في نمط تصويت مسلمي أميركا، خاصة في الولايات السبع المتأرجحة، التي يوجدون فيها بنسب صغيرة لكنها قد تكون مؤثرة بصورة كبيرة.

أما من ناحية سلبية، فقد تعرض كثير من المسلمين لاعتداءات وتهديدات على نطاق واسع في جرائم كراهية متنوعة، كان من أبرزها مقتل الطفل الفلسطيني الأميركي وديع الفيومي البالغ من العمر 6 سنوات، بعد تعرضه لـ26 طعنة من قبل مالك العقار الذي كان يسكن فيه مع عائلته خارج مدينة شيكاغو.

وكشف مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في تقريره السنوي للحقوق المدنية عن تلقيه 8061 شكوى تحيز خلال عام 2023، وأن نصفها تقريبا جاء في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، أي بعد اندلاع طوفان الأقصى، بزيادة تبلغ 70% أكثر مما كانت عليه عام 2022.

ويقول التقرير، الذي يحمل عنوان “قاتل: عودة الكراهية ضد المسلمين”، إن 15% من الشكاوى التي تلقتها المجموعة تنطوي على تحيز وظيفي، وإن 8.5% من تقارير التحيز شملت المدارس والكليات والجامعات.

من ناحية أخرى، يتفاءل مسلمو أميركا بواقع التركيبة السكانية وتغيراتها المستقبلية. فوفقا لتوقعات مركز “بيو” للأبحاث، فإن التركيبة السكانية للولايات المتحدة التي يبلغ عدد سكانها حاليا 337 مليونا ستتغير، بحيث لن تكون اليهودية أكبر ديانة بعد المسيحية في الولايات المتحدة بحلول عام 2050.

ويتوقع المركز أن يكون عدد المسلمين الأميركيين في ذلك العام أكثر من عدد اليهود، بنسبة تصل إلى 2.1%، أي بزيادة 1% عما هي عليه الآن، حيث يبلغ عددهم ما يقارب 4 ملايين مسلم، ويرجع ذلك جزئيا إلى استمرار هجرة المسلمين إلى أميركا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version