غزة- ما إن أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في قطاع غزة عن إطلاق نشاط تعليمي للأطفال المقيمين داخل مراكز الإيواء التابعة لها، حتى سارع آلاف النازحين لتسجيل أبنائهم.
وقال مدير شؤون وكالة الأونروا في غزة، سكوت أندرسون، إن المرحلة الأولى من النشاط التعليمي الذي بدأ في الأول من أغسطس/آب الجاري تشمل أنشطة تعليمية غير رسمية، مثل دروس القراءة والكتابة والرياضيات، بالتوازي مع أنشطة الدعم والنفسي والاجتماعي.
وذكر في رسالة وجّهها إلى أولياء أمور الطلاب بغزة أن أكثر من 600 ألف طفل تركوا مدارسهم منذ بداية الحرب، نصفهم طلبة في “الأونروا”، موضحا أن الأنشطة ستقام داخل مراكز الإيواء التابعة للوكالة.
وخسر طلاب قطاع غزة العام الدراسي 2023-2024 جراء الحرب المروّعة التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ دمر الجيش الإسرائيلي أكثر من 120 مدرسة وجامعة بالكامل، و332 تدميرا جزئيا، بحسب بيان لمكتب الإعلام الحكومي في غزة.
ظروف استثنائية
في مدرسة النصيرات الإعدادية للبنين، وسط قطاع غزة، خصصت الأونروا 3 غرف صفية للنشاط التعليمي الذي يستفيد منه أكثر من ألف طالب وطالبة، حيث يستمر على مرحلتين صباحية ومسائية، بواقع ساعة واحدة لكل صف دراسي.
ويُواجه النشاط التدريبي كثيرا من المعوقات، كنقص الغرف التدريسية التي تحوّلت إلى سكن للنازحين، وانقطاع الكهرباء، وعدم توفر الكتب والدفاتر والقرطاسية. ولكن رغم ذلك بدأ المدرسون نشاطهم التعليمي في أيامه الأولى بأنشطة ترفيهية، كنوع من الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، ولعدم توفر الكراسي التي فُقدت خلال أشهر الحرب اضطر الطلاب إلى افتراش الأرض.
ويقول معالي أبو عشيبة، الأب لطفلين يشاركان في نشاط الأونروا التعليمي، إن أولياء الأمور متحمسون للغاية لأي مبادرة لاستئناف التعليم. ويضيف للجزيرة نت “بسبب الحرب، أصبح أبناؤنا يعانون من الجهل ونسوا التعليم، ولمّا بدأت المبادرة أيدناها من أجلهم”.
ويشير أبو عشيبة الذي يقيم في مركز إيواء مقام في إحدى مدارس الأونروا بمخيم دير البلح، وسط قطاع غزة، إلى أن الإقبال الكبير من الأطفال على المشاركة “غير مستغرب على الشعب الفلسطيني الذي يقدس التعليم ويرفض بشدة مخططات التجهيل الإسرائيلية”.
ويضيف “كل الأهالي متعطشون للتعليم، كل عائلات المدرسة ترسل أبناءها للمشاركة، وهناك عائلات من خارج المدرسة تحاول المشاركة، لكن هذا غير متاح حاليا”.
ويُبدي أبو عشيبة أسفه حيال ما قال إنه “تدهور” في سلوك الأطفال بسبب عدم التحاقهم بالمدارس على مدار عام كامل، واضطرارهم إلى العيش في مراكز إيواء “تفتقد أدنى متطلبات الحياة الآدمية الكريمة”.
مبادرات فردية
أما في مراكز الإيواء غير التابعة لوكالة الأونروا فسارعت جمعيات وأفراد إلى محاولة ملء الفراغ الذي خلّفه الانقطاع عن الدراسة، بإقامة مدارس صغيرة، ففي مركز إيواء “أميرة أبو سليم” جنوبي دير البلح أقامت جمعية الصحابة الخيرية مركزا تعليميا لتدريس الأطفال المقيمين فيه.
يتكون المركز من خيام، ويضم 3 صفوف “من الأول حتى الثالث”، ويعمل على مدار 4 ساعات في اليوم، على مرحلتين صباحية ومسائية، ويدرس الطلاب فيه مواد اللغتين العربية والإنجليزية والرياضات والعلوم، وفق المنهاج الفلسطيني، مع القرآن الكريم والقاعدة النورانية.
وتُشرف جمعية الصحابة على مدارس مشابهة في مدن غزة وخان يونس ومخيم النصيرات، يدرس بها نحو 2500 طالب وطالبة. ويقول المشرف على مدارس الجمعية فلاح الترك إنه بدأ العمل في إنشائها بتمويل من الجمعية، بعدما لاحظ تأثير الانقطاع عن التعليم على مستوى الأطفال.
ويذكر الترك -في حديثه للجزيرة نت- أن إقبال الأهالي على المدارس كان كبيرا للغاية، وهو ما دفعهم إلى توزيع الطلاب على مرحلتين صباحية ومسائية، ويرى أن أهالي قطاع غزة يدركون أهمية التعليم ويخشون من تداعيات الانقطاع عن المدارس، ويغتنمون أي فرصة متاحة لتدريس أبنائهم.
كذلك تقول مديرة المركز التعليمي هند خطاب إنها تلاحظ فرقا كبيرا في سلوك الأطفال الذين التحقوا بالدراسة في المركز، ولفتت إلى أن الانقطاع عن التعليم مدة طويلة والعيش في مراكز إيواء عشوائية أثر سلبا في سلوك الأطفال.
وتوضح للجزيرة نت “نلاحظ فرقا كبيرا في سلوك الأولاد وكذلك اهتمامهم بالنظافة الشخصية والأداء والأخلاق”، وذكرت أن الظروف الصعبة الناجمة عن استمرار الحرب تجبرهم على التركيز على تدريس الأساسيات وعدم الإسهاب في التفاصيل.
تحدّ لمخططات الاحتلال
وترى سماهر القمبرجي، والدة الطفلة رندة الطالبة في مركز “الصحابة” التعليمي، أن الالتحاق بالمراكز التعليمية خلال الحرب بمنزلة تحدٍّ للاحتلال ومخططاته. وتضيف للجزيرة نت “من المهم والضروري عدم الركون إلى هذا الواقع الذي فرضه الاحتلال خلال الحرب وأعاق به حياتنا”.
وترى سماهر أن وجود المدارس ومراكز التعليم داخل مراكز الإيواء مهم للغاية، وتقول “مهما كانت الظروف لا ينبغي السماح للاحتلال بتطبيق سياسة التجهيل على أبنائنا”.
أما إخلاص سدر المعلمة في مدارس الأونروا فقد قررت منذ انقطاعها عن عملها إنشاء مركز تعليمي سمته “الخيمة التعليمية” في مدينة دير البلح، وتقدم خدمات التعليم والدعم النفسي والاجتماعي، دون مقابل.
وتقول سدر إنها حصلت على تمويل من بعض أفراد عائلتها لإقامة المركز الهادف لخدمة الأطفال خلال الحرب. وتضيف للجزيرة نت “الحرب لن توقفنا، ونحن الشعب الفلسطيني معروفون بحبنا للتعلم. لقد شعرتُ بالقلق على مصير أطفالنا، لذلك أنشأت هذه الخيمة”.
وتضيف أنها تركز على تعليم الأطفال القراءة لأنها قد تُشكل عاملا لنجاة الأطفال، موضحة “في ظل الحرب تنتشر المخلفات الخطرة، فإذا لم يكن الطفل مُجيدا للقراءة فلن يقرأ اللافتات التي تحذره من الاقتراب من أي المناطق الخطرة والأجسام المشبوهة، وهو ما يشكل خطرا على حياته”.
وفضلا عن التدريس التقليدي، تقدم الخيمة التعليمية دعما نفسيا واجتماعيا للأطفال، ودروسا لتعلم رقصة الدبكة الشعبية. وتشيد المعلمة سدر بإقبال الأهالي الكبير على إرسال أولادهم للتعلّم في المراكز التعليمية.
وأعادت الخيمة التعليمية للأم رانيا سليم بعض الاطمئنان على مستقبل طفلها محمد (7 سنوات)، فتقول “منذ إغلاق المدارس وأنا أشعر بأن مستقبل أولادي يضيع مني، لأنهم كانوا متميزين جدا ومن أوائل الطلبة”.
وتلفت إلى أن ابنها محمد “يُفرغ طاقته في التعليم داخل الخيمة التعليمية، بدلا من أن يفرغها في المشاجرات مع أصحابه”، وذكرت أنه يتعلم كثيرا من الأمور المفيدة التي أحدثت فرقا واضحا في سلوكه العام، وتختم حديثها قائلة “شعبنا مُصرّ على محاربة التجهيل”.