منذ بداية العام الجاري 2024 شهدت جمهورية الكونغو الديمقراطية تصاعدا في العمليات العسكرية لحركة إم 23 المتمردة التي توسعت مساحة سيطرتها بشكل ملحوظ في الأعوام السابقة.

وقد أدى تمكن الحركة من قطع الطرق المؤدية إلى غوما عاصمة إقليم نورد كيفو واستيلائها على مناطق غنية بالثروات المعدنية إلى تجدد الاتهامات بين الكونغو ورواندا وتصاعد التوتر بينهما، الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية والقوى الغربية الفاعلة إلى التحذير من أن البلدين على شفا حرب قريبة.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على خلفيات حركة “إم 23” وأسباب تصاعد عملياتها، وأهم الفاعلين المؤثرين في أزمة شرق الكونغو الديمقراطية.

دوافع نشأة الحركة

يُعرّف موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث حركة إم 23 بأنها جماعة مسلحة تنشط في مقاطعة نورد كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية بدعم مزعوم من الحكومة الرواندية.

لوران نكوندا زعيم المتمردين في الكونغو الديمقراطية عام 2008 (رويترز)

وتعود جذور الحركة إلى عملية الدمج الفاشلة للمسلحين الناطقين بالرواندية في أعقاب حروب الكونغو، ما أدى إلى انقسام بين الراغبين في العودة ومن يريد البقاء في الكونغو، إذ أسس الذين فضلوا البقاء “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب” (إن سي دي بي) تحت قيادة لوران نكوندا، وهو ما سيصبح مقدمة للحركة لاحقا.

وأخذت الحركة اسمها من تاريخ عملية التفاوض الفاشلة التي أجريت بين المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب والحكومة الكونغولية في 23 مارس/آذار 2009.

وبدأت القصة بتمرد نحو 300 جندي -أغلبهم أعضاء سابقون في المؤتمر عام 2012- بسبب ما ادعوا أنه تراجع الحكومة الكونغولية عن تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في 2009، وتفاقم الأمر بعد محاولة الرئيس جوزيف كابيلا لنشر الجنود بعيدا عن شمال كيفو التي تتركز فيها جماعة التوتسي الذين يشكلون أغلبية حركة “إم 23”.

ووفقا للباحث المختص في الصراعات والسياسة الأفريقية لسيباستين قري، فإن أهم أسباب تمرد الحركة هو سيطرتها على عدد من المواقع الغنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب، بالإضافة إلى الضغوط الكبيرة من الحكومة المدعومة من القوات الدولية من أجل تفكيك “المنظومة القيادية الخاصة بالمليشيا التابعة للمؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب”.

جوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديمقراطي عام 2012 (رويترز)

يضاف إلى ذلك إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق زعيم الجماعة نكوندا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القتل والاغتصاب والاستعباد الجنسي الذي لا يستثني الأطفال، وأدى كل هذا إلى انشقاق الحركة عن المؤتمر في 12 أبريل/نيسان 2012.

وفي العام نفسه وسعت الحركة أنشطتها العسكرية في شرق البلاد واستولت على أراض واسعة في مقاطعة نورد كيفو، بما في ذلك عاصمتها غوما المتاخمة لرواندا، مما مكنها من زيادة التجنيد، حيث انشق نحو 3 آلاف جندي من القوات الحكومية والشرطة الكونغولية وانضموا إلى متمردي “إم 23”.

وسرعان ما تمددت الحركة إلى جنوب كيفو حيث أعلنوا نيتهم الإطاحة بالحكومة المركزية، قبل أن ينسحبوا من العاصمة بعد وساطات إقليمية بشرط احتفاظهم بالمناطق التي كانوا يسيطرون عليها قبل دخولهم غوما.

وفي عام 2013 تم التوقيع على اتفاقية سلام وقّعت عليها 11 دولة أفريقية بهدف وضع حد لأعمال العنف في شرق الكونغو، التزمت جميع الدول بعدم التدخل في الأزمة الكونغولية وتقديم مساعدات لتنفيذ الإصلاحات التي نصت عليها الاتفاقية.

عودة الحركة إلى الواجهة

وحول عودة الحركة إلى النشاط بعد توقف دام 10 سنوات، قال المتحدث باسم الحركة “لوارنس كانيوكا” -في مقابلة مع الجزيرة نت أجرته بوجانا كوليبالي الباحثة في لغة الصراع في منطقة البحيرات الكبرى- “إننا لم نتحول إلى حركة غير نشطه، أوقفنا القتال فقط لأننا كنا ننتظر تنفيذ الإعلان الموقع في 12 ديسمبر/كانون الأول 2013 في نيروبي، لكن بعد 14 شهرا من التفاوض في كنشاسا مع حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية تعرضنا لهجوم مباغت من قبل قوات الحكومة”.

وعن أهم نقاط الخلاف في تلك المفوضات قال كانيوكا “نحن اقترحنا على الحكومة المساعدة في تحييد مجموعات من  قوات التحالف الديمقراطية والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا ومليشيا الماي ماي المسؤولة عن انعدام الأمن، وعرضنا تعاونا عسكريا وسياسياً”.

ويضيف كانيوكا “وبينما نحن في حالة التفاوض فوجئنا بقوة هاجمت مقراتنا وقتلت 50 من حركتنا وعندما حاولنا التواصل مع الحكومة لمعرفة التفاصيل لم نجد ردا وقررنا البدء في الرد على الهجمات”.

سلطاني ماكينغا قائد حركة “إم 23” يحضر مؤتمرا صحفيا في بوناغانا عام 2013 (رويترز)

23 مارس في طور جديد

قاد الحركة في طورها الجديد سلطاني ماكينغا الذي تحرك من أوغندا ومعه مجموعة كبيرة من أتباعه، وتمركز في المثلث الحدودي بين أوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية.

وبحلول عام 2022 أصبحت الحركة واحدة من 120 جماعة مسلحة في شرق الكونغو، وكان لرفض الجيش الكونغولي أي تفاوض مع الحركة وقيادتها بشأن هجوم مضاد دور في تصاعد حدة المواجهات العسكرية وتعثّر الحلول التفاوضية على الرغم من الجهود التي بذلتها مجموعة شرق أفريقيا.

واستمرت حالة الكر والفر حول مدن شرق الكونغو بين الحركة والجيش الكونغولي، ولكن ما أثبتته التقارير الدولية هو أن “إم 23” حققت تقدما كبيرا ونجاحات بارزة، ووصفت كبيرة مسؤولي الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بينتو كيتا الحركة بأنها “جيش تقليدي وليست مجموعات مسلحة”، في إشارة إلى المستوى الاحترافي الذي وصلت إليه الحركة.

كما أن المسؤولة حذرت من أن تتجاوز قدرات الحركة إمكانية بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية.

ومنذ بداية عام 2024 وفي تقارير وثقتها عدد من الجهات المختصة شنت الحركة أكبر عدد من المعارك في تاريخها، ووسعت مساحات سيطرتها بشكل غير مسبوق.

بحلول عام 2022 أصبحت حركة “إم 23” واحدة من 120 جماعة مسلحة في شرق الكونغو (رويترز)

اتهامات الكونغو لرواندا بدعم الحركة

ومع تصاعد العدائيات بين الجيش الكونغولي والحركة اتهم الجيش كيغالي بإرسال قوات خاصة إلى مناطق النزاع في المناطق المتاخمة لرواندا، زاعما أن الجارة نشرت جنودا روانديين في إقليم شمال نورد كيفو الذي يقع على الحدود.

وصرح الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي عبر الفضائية الرسمية بأنه “ليس هناك شك في أن رواندا دعمت حركة إم 23 لتأتي وتهاجم جمهورية الكونغو الديمقراطية”.

وفي نهاية 2022 اتهمت الكونغو رواندا مجددا عبر بيان أصدره باتريك موبايا وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة اتهم فيه الرئيس الرواندي بول كاغامي شخصيا، إذ قال إن “كاغامي يتبنى موقفا يوضح بشكل كاف إستراتيجيته المتمثلة في التدخل الدائم بالشؤون الداخلية لجمهورية الكونغو الديمقراطية للحفاظ على مناخ الرعب في شرق هذه الدولة الشاسعة”.

لكن المتحدث باسم الحركة في لقائه بالجزيرة نت قال “يتهمنا خبراء الأمم المتحدة من أوغندا وروندا، دون أي دليل، والصور التي تم عرضها في التقرير لا تثبت أي شيء ولم يأت أي من الخبراء الذين كتبوا التقرير إلينا ليتحدث معنا”.

تحذيرات دولية من حرب وشيكة

وإزاء هذا التوتر البالغ بين الجارتين -الكونغو ورواندا- بدأت الأطراف الدولية التحذير من حرب قد تندلع بينهما، وجاء الأول من المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى جمهورية الكونغو، إذ حذر من تدهور الأوضاع في شرق البلاد جراء نشاط حركة “إم 23″، والذي حققت فيه تقدما كبيرا وتوسعت في مناطق جديدة أدت إلى نزوح قياسي وغير مسبوق.

وفي فبراير/شباط الماضي 2023 أبلغت الولايات المتحدة الأميركية البلدين بأنهما على “شفا حرب” ويجب الابتعاد عنها، وصُنف هذا التحذير بأنه الأكثر حدة.

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة دعت إليه فرنسا من أجل مناقشة العنف المتزايد في شرق الكونغو الديمقراطية، قال السفير الأميركي روبرت وود إن رواندا والكونغو إلى جانب الجهات الإقليمية الفاعلة يجب أن تستأنف على الفور المحادثات الدبلوماسية، باعتبار أن الجهود الدبلوماسية الإقليمية وليس الصراع العسكري هي السبيل الوحيد نحو حل تفاوضي وسلام مستدام.

الجهود الإقليمية في حل الأزمة

وفي محاولة لإنهاء الاضطراب المزمن في شرق الكونغو بادرت مجموعة شرق أفريقيا (إي إيه سي) -والتي تتكون من 7 دول- بتشكيل قوة عسكرية إقليمية قوامها بين 6500 و12 ألف جندي، ووجهت دعوة للجماعات المسلحة المحلية للانضمام إلى عملية سياسية لحل مظالمها، لأن الخيار الآخر هو “المواجهة العسكرية معها”.

وتم نشر القوة العسكرية الإقليمية في شمال نورد كيفو بمهام تصل إلى المشاركة في القتال إلى جانب القوات الكونغولية ضد “إم 23″، لكن بعد مرور عام من وجودها في الكونغو سحبت الحركة قواتها، وسط اتهامات من الحكومة للقوات الإقليمية بالتقاعس وعدم جديتها في مواجهة الحركة المتمردة.

ومن جهة أخرى، اتهم مواطنون كونغوليون قوات شرق أفريقيا بأنها بدت متعايشة مع الحركة التي كان يفترض أن تواجهها بالحرب، كما انتقد الرئيس الكونغولي عدم رغبة القوات في مواجهة التمرد، وهو ما دفع الكونغو إلى الطلب من المجموعة بالانسحاب.

وبعد فشل مجموعة شرق أفريقيا في مهمتها ومع تصاعد هجمات الحركة وتعاظم مكاسبها العسكرية على الأرض دعا الرئيس تشيسيكيدي مجموعة تنمية دول جنوب أفريقيا (سادك) -التي تتكون من 16 دولة في الجنوب الأفريقي- إلى نشر قواتها في الإقليم المأزوم.

ووافقت 3 دول من بين أعضاء المجموعة لنشر نحو 5 آلاف جندي، مما شكك في جدواها خاصة وأن قوات مجموعة شرق أفريقيا كانت ضعف هذه القوة ولكن لم تحقق أي إنجاز يذكر، مما خفض سقف التوقعات لما يمكن أن تقوم به هذه القوة.

ولكن حركة إم 23 تشعر بالإحباط من هذه القوة، إذ أن القوة الأكثر بروزا هي قوات جنوب أفريقيا، حيث يقول كانيوكا “وإنه لأمر صادم أن نرى جنوب أفريقيا اليوم تقاتل إلى جانب ائتلاف حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي يدعم التمييز وكراهية الأجانب وكراهية الناطقين بلغة “كينيارواندا” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية”.

قافلة مدرعة لبعثة مجموعة تنمية دول جنوب أفريقيا (سادك) تمر عبر غوما في شرق الكونغو (الفرنسية)

أبرز الفاعلين في أزمة شرق الكونغو

تؤكد التقارير أن عدد المجموعات العسكرية النشطة في شرق الكونغو الديمقراطية قد يصل إلى 200 مجموعة تختلف في أهدافها وارتباطاتها وانتماءاتها، ولكنها تتركز في منطقة شرق الكونغو الغنية بالموارد والمعادن الثمينة:

تعتبر من أكبر الجماعات المسلحة وأكثرها تأثيرا في المسرح بعد الجيش الكونغولي، قوامها عرقية التوتسي الكونغولية مسنودة بأشقائها في المنطقة المتاخمة لها في الجارة رواندا، وهو ما يسوق الاتهامات بدعم رواندا المخطط لهذه المجموعة حسب زعم كينشاسا ومؤسسات دولية عديدة.

  • القوات الديمقراطية لتحرير رواندا

تشكلت من عرقية الهوتو الهاربين بعد ارتكابهم الإبادة الجماعية ضد التوتسي في 1994، وهي المجموعات التي عرفت بـ”الإنتراماهوي” ويقدر عدد أفرادها بمليونين، تجد الجبهة دعما من الكونغو وتنشط كذلك في شرقها، وتعارض هذه المجموعة سيطرة التوتسي على شرق أفريقيا وحتى رواندا.

وهو قوة عسكرية أقرها مجلس الأمن الدولي لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولدى اللواء تفويض كامل لتنفيذ عمليات هجومية ضد المتمردين والجماعات المسلحة غير الحكومية وفقا لقرار مجلس الأمن (2013/2098)، ولكن حكومة الرئيس تشيسيكيدي تتهم اللواء بالفشل في مواجهة التمرد وتطالبه بالمغادرة.

  • قوات المجموعة الاقتصادية للجنوب الأفريقي (سادك)

هي قوة قوامها 5 آلاف جندي تم نشرها بطلب من الحكومة الكنغولية بعد فشل قوات مجموعة شرق أفريقيا التي تنتمي إليها الكونغو الديمقراطية.

  • القوات الديمقراطية المتحالفة

تعد جماعة مسلحة أوغندية، تنشط في منطقة شرق الكونغو، وتزعم أنها تقاتل من أجل إقامة دولة إسلامية في أوغندا، وتستخدم الكونغو قاعدة انطلاق لعملياتها ضد الجيش الأوغندي، وكانت سببا في توغل القوات الأوغندية في العمق الكونغولي، ودخلت الجماعة مؤخرا في تحالف مع داعش، الجناح الأفريقي.

  • جماعة تنمية الكونغو

تأسست خلال حرب الكونغو الثانية ونشأت كتعاونية زراعية، وتتألف من مجموعة ليندوا العرقية التي ترفض هيمنة مجموعة “هيما” العرقية عليها ومنافستها، وشرعت في البحث عن نصيبها بالثروات المعدنية مستخدمة القوة كمثيلاتها من الجماعات.

  • مجموعات “الماي ماي” أو جماعات” الدفاع عن النفس”

وهي جماعات أهلية ويطلق عليها “وازليندوس” وتعني السواحلية الوطنيين، وتقاتل جنبا إلى جنب القوات الكونغولية، وتفيد التقارير بأن نحو 40 ألفا من “الماي ماي” خضعوا للتدريب منذ 2020.

  • مرتزقة أوروبيون

وهي قوة عسكرية مكونة من مرتزقة تديرهم شركة “أقيميرا” والمسجلة في بلغاريا ويديرها مواطن فرنسي وتضم أفرادا من المتقاعدين الفرنسيين، ومجموعة أخرى عبر شركة تدعى حماية الكونغو ويديرها عضو سابق في الفيلق الفرنسي، وهو من رومانيا، وقوامها جنود سابقون من أوروبا الشرقية، وتعمل في تدريب وحدات الجيش الكونغولي وحماية مواقع دفاعية، وتقدر القوات التي تديرها الشركتان بنحو ألف جندي.

  • قوات بوروندي للعمليات السرية

تفيد تقارير داخلية للأمم المتحدة بأن لدى بوروندي قوة عسكرية قوامها ألف جندي في شمال وجنوب نورد كيفو يقاتلون جنبا إلى جنب مع القوات الكنغولية وبزيها الرسمي، وتستهدف هذه القوة الجماعات البوروندية المتمردة التي تعرف بمليشيا “ريد تابارا”، وتتهم بوروندي رواندا بتمويلها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version