القدس المحتلة- استعرضت وثيقة للجيش الإسرائيلي المحاور التي أدت إلى الإخفاق في منع هجوم طوفان الأقصى، ومن أبرزها “سياسة الغطرسة والازدراء التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي، مقابل جهوزية حركة حماس، والفشل الإسرائيلي في استخلاص العبر والنتائج، وكذلك الإخفاق الاستخباراتي في استشراف المستقبل”.
وكُشف النقاب عن هذه الوثيقة بكتاب جديد لضابط الاحتياط بالجيش الإسرائيلي اللواء غاي حازوت، ومن المترقب أن يصدر الأسبوع المقبل هذا الكتاب، الذي يرسم خريطة إخفاقات الجيش من خلال تحقيق لصحيفة هآرتس، التي وصفت الوثيقة بأنها “الأكثر إثارة للصدمة” بشأن حالة الجيش الإسرائيلي قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعنون اللواء في قوات الاحتياط حازوت، الذي كان في السابق قائد فرقة في القيادة الجنوبية، كتابه بـ”جيش التكنولوجيا الفائقة وجيش الفرسان: كيف تخلت إسرائيل عن جيش الميدان؟”، وتساءل فيه إذا ما كانت الدروس المستفادة ستكون كافية في حال اندلاع حرب إقليمية.
وسيصدر الكتاب، الذي يعتمد في فصوله ومضامينه على الوثيقة التي صاغها حازوت، عن دار النشر “أنظمة” التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
تطوير جيشين
يصف حازوت -في مقدمة كتابه- اجتماعا لمنتدى العمليات رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي، الذي شارك فيه عام 2018، حيث قرر رئيس الأركان في ذلك الوقت غادي آيزنكوت أن يكشف للقادة عن بعض أسرار الحملة السرية التي انخرطت فيها الاستخبارات العسكرية “أمان” والقوات الجوية وجناح العمليات منذ بداية ذلك العقد.
صاغ حازوت المحاور الأولية للوثيقة، التي اعتمدت في بدايتها على الاجتماع مع آيزنكوت، “المفهوم والعمليات التي تم تقديمها تشهد على جيش متقدم ومتطور، وفي أفضل حالاته، ويمتاز بالجرأة، ويمتلك تكنولوجيا مبتكرة. لكن الضباط الميدانيين الذين استمعوا للمحاضرات، وهم أغلب المشاركين في أعمال المنتدى، لم تكن لهم أي علاقة بهذه التطورات”.
وحسب وثيقة حازوت، فقد أدرك أفراد الجيش الإسرائيلي تدريجيا أنه “تم تطوير جيشين، واحد يتألق ويقود الجيش في ميدان العمليات، وهو الجيش ذو التقنية العالية وجيش فرسان التكنولوجيا. أما الآخر، الذي ينتمون إليه، فهو رمادي وغير ذي صلة مع الواقع، ويعمل بشكل رئيسي في مهام أمنية روتينية شاقة”.
إهمال القوات البرية
استثمرت إسرائيل على مدار 3 عقود مبالغ ضخمة في مجتمع الاستخبارات، وفي القوة الجوية، وفي القدرات التكنولوجية، وقللت من الاهتمام والاستثمار بالقوات البرية. وتراجعت الجدوى لدى الإسرائيليين من التوغل البري مقابل الاهتمام بالتفوق التكنولوجي، وهكذا نشأت حلقة مفرغة، حيث تم إهمال الوحدات البرية، وخاصة قوات الاحتياط التي تراجع مستواها واحترافها العسكري.
وبدأ الجنود الشبان ذوو المهارة العالية يبحثون عن مستقبلهم المهني في الوحدات التكنولوجية الأخرى، مما أدى إلى تدهور مستوى القيادة العسكرية للوحدات والقوات البرية، وهو ما عبرت عنه الوثيقة من خلال التوقف عند عملية “حارس الأسوار” (معركة سيف القدس) في مايو/أيار 2021.
وسلط الكتاب -من خلال الوثيقة- الضوء على القصف الجوي الفاشل لسلاح الجو الإسرائيلي لشبكة الأنفاق ولهيكل قيادة حماس تحت الأرض، حيث أصر الجيش الإسرائيلي على تقديم العملية على أنها نجاح كبير، وضربة موجعة لحماس، لكن في الواقع، ما حدث هو العكس، حسب وثيقة حازوت.
عدم استخلاص العبر
أشار ضابط الاحتياط في الوثيقة إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يستخلص العبر من الفشل في تحقيق أهداف عملية “حارس الأسوار” عام 2021، فالخطة التي تم إعدادها بعناية منذ سنوات، والتي كان من المفترض أن تكون ورقة حاسمة ضد حماس، تم إطلاقها من دون مبرر.
وكانت القيادة العليا لهيئة الأركان تخشى إدخال القوات البرية في مناورة برية محدودة تهدف إلى دفع مئات المقاتلين من حماس للبحث عن مخبأ في شبكة الأنفاق تحت الأرض، ومن ثم ضربهم ضربة جوية دقيقة، ومن دون مناورة.
لم تقع حماس في الخداع الذي نصبه لها الجيش الإسرائيلي وبقي مقاتلوها في أماكنهم فوق الأرض، حيث قُتل عدد قليل من المسلحين، وأهدرت إسرائيل قدرة إستراتيجية.
وحسب وجهة نظر حازوت، تتلخص عيوب الجيش الإسرائيلي خلال العقود الأخيرة في الخوف من نشر قوات برية والمخاطرة بالفشل أو الخسائر، وتحييد التفكير الجماعي، والاعتماد على طرح وفكر شخص واحد، وهو في الغالب لم يكن يعرف ما يمكن توقعه بالمستقبل.
عيوب القوات البرية
عند اندلاع الحرب في الجنوب، تم تعيين حازوت رئيسا لجهاز التعلم العملياتي في الذراع البرية، وقدم ادعاءات ذات ثقل وصياغة حادة توفر دليلا دقيقا على عيوب الجيش الإسرائيلي، وفشله وإخفاقه في كل ما يتعلق بتطوير القوات والوحدات البرية.
لكن خاتمة الوثيقة تترك أهم انطباع في الكتاب، لأن حازوت يشكل سابقة، فهذه في الواقع أول وثيقة ينشرها ضابط في الخدمة العسكرية لقوات الاحتياط عن إخفاقات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خاصة ما يتعلق بالجيش البري، والإخفاق في الذراع البرية وفي القيادة الجنوبية.
في صيف 2023، انضم حازوت إلى فريق بحث مدني قدم المشورة للجيش بشأن كيفية تطوير الرد على التهديد المتزايد من قبل وحدة الرضوان، وهي قوة النخبة التابعة لحزب الله المنتشرة في جنوب لبنان، بالقرب من الحدود، من دون أن تفعل إسرائيل أي شيء حيال ذلك.
على وشك الاندلاع
بينما كان حازوت يتعمق أكثر في التهديدات البرية على جبهتي غزة ولبنان، غمره خوف عميق. وتبين له أن حزب الله حقق اختراقا في إعداده وفي بناء قدراته، وأن الجيش الإسرائيلي ليست لديه إجابات مناسبة.
وحسب شهادته التي أوردها في الكتاب، تحدث حازوت بشكل شخصي مع 4 من قادته السابقين، منهم العميد إيتسيك كوهين، الذي تم تعيينه في ذلك الصيف لقيادة “الفرقة 162”.
بعث حازوت لجميع الضباط رسالة موحدة مفادها أن الحرب على وشك الاندلاع قريبا، وستكون أسوأ ما شهدته إسرائيل على الإطلاق، و”سوف يحدث ذلك خلال خدمتكم العسكرية، أوقفوا كل شيء وركزوا كل جهودكم على إعداد الوحدات البرية لمواجهة التحديات”.
الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي
يقول حازوت في كتابه إن أعداء إسرائيل -على مدار 3 سنوات- كانوا يتتبعون وضعية الجيش البري بإسرائيل، وإن الطريقة التي لاحظ بها الأعداء الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي، بعد خطة حكومة بنيامين نتنياهو لإحداث تعديلات على الجهاز القضائي، “أزعجتني ولم ترحني، ولهذا أشعر منذ الحرب بالفشل، لأنني لم أجتهد بما فيه الكفاية لنشر هذا الكتاب والنجاح في التحذير قبل الكارثة”.
وركز حازوت اهتماماته أيضا على ما يحدث في الشمال. وفي لقاء مع قائد الفرقة على الحدود اللبنانية، أرعبته الصورة الاستخبارية والعملياتية المقدمة له.
“كيف تنام ليلا؟”، هكذا سأل العميد شاي كلافر، الذي عرض نفسه ليكون عضوا في “الفريق الأحمر”، الذي سيعرض الصورة المزعجة في الشمال على نتنياهو، ولتنسيق المحادثة الأولية تم تشكيل الفريق في السادس من أكتوبر/تشرين الأول، ولم تكن الفكرة كافية لتحقيقها بسبب اندلاع الحرب.
فشل استخباراتي سبق الحرب
يتطرق حازوت بالوثيقة بإيجاز للفشل الاستخباراتي الذي سبق الحرب، “الحارسة من الوحدة 8200 في برج المراقبة، التي دقت ناقوس الخطر بشأن تدريبات حماس، لم تؤخذ تحذيراتها على محمل الجد، ولم يتم التعامل مع المعلومات والمشاهد التي رصدتها ووثقتها”، بل ردّت الاستخبارات العسكرية على هذه المعلومات -التي وثقتها المجندة في برج المراقبة- على أنها مناورة لأغراض الانطباع فقط.
وبالعودة إلى الماضي، يجد حازوت قاسما مشتركا بين هذا الواقع الذي سبق السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبين الموقف تجاه استعدادات مصر وسوريا لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولخص واقع الجيش وسياساته بالقول: “الغطرسة والازدراء والقول إن كل شيء سيكون على ما يرام. ومفهوم أن الطرف الآخر لا يريد الحرب”.
الحرب مع حماس بدأت بهزيمة إسرائيلية
كتب حازوت أن الحرب مع حماس “بدأت بهزيمة إسرائيلية ساحقة، فقد احتل جيش أجنبي مساحة كاملة من الأرض لعدة ساعات وتغلب على القوة العسكرية التي دافعت عنها. وقتل مئات الإسرائيليين، وعذبوا، واختطفوا. لقد أصبح سكان مستوطنات غلاف غزة لاجئين في وطنهم، وانضم إليهم سكان الجليل، بعد أن تمكن حزب الله من إنشاء شريط أمني في أراضينا… انهار الجدار الحديدي وكان لا بد من إعادة بنائه”.
“كيف تمكنت حماس من هزيمة فرقة من الجيش والاستيلاء على النقب الغربي؟”، لم تستوعب إسرائيل التهديد المتمثل في غزو جيوش حزب الله وحماس، وتكرار سيناريو الحرب المتعددة الساحات، بعد مرور 50 عاما على حرب عام 1973.
وأضاف لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعدا لذلك، ولم توجه إسرائيل ضربة استباقية تزيل التهديد الذي كان يلوح في الأفق على حدودها، كما لم يكن الجيش الإسرائيلي في حالة جهوزية.
بعد أن أدرك “العدو”، بحسب ما ورد في الوثيقة، أن إسرائيل مردوعة وامتنعت عن القيام بغارات ومناورات برية في الجولات القتالية، بنى قدرة عسكرية جديدة وهي المناورة داخل الأراضي الإسرائيلية.