تُحدث النوبة القلبية ندبة دائمة في قلب الإنسان، إلا أن الفقاريات الأخرى بما في ذلك بعض الأسماك والبرمائيات، يمكنها تجديد القلب بشكل كامل عبر إزالة أنسجة القلب التالفة وإعادة نمو العضلات. ولكن نظرا للاختلافات الفسيولوجية الكبيرة بين الأسماك والثدييات، فإن الاستفادة من الأبحاث العلمية التي توضح طريقة تعافي أنسجة القلب في هذه الكائنات من أجل تطوير علاجات طبية لمرضى القلب من البشر أمر صعب.
يساهم احتشاء عضلة القلب المعروف باسم النوبة القلبية في معدلات المرض والوفيات البشرية بشكل كبير، فأثناء احتشاء عضلة القلب يؤدي انسداد الشريان التاجي إلى قطع تدفق الدم عن عضلة القلب، مما يؤدي إلى موت الخلايا وتكوين ندبة غير قابلة للشفاء.
وفي الثدييات البالغة بما في ذلك البشر، تكون هذه الندبة دائمة وتُضعف وظيفة القلب. وفي المقابل تمتلك العديد من أنواع الأسماك والبرمائيات قدرة مذهلة على إزالة أنسجة القلب وإعادة نمو العضلات التالفة. وعلى الرغم من التقدم العلمي فإن العوامل الجزيئية والخلوية والوراثية الدقيقة التي تمكّن بعض الحيوانات من تجديد أنسجة القلب التالفة تظل غير معروفة بشكل كامل.
بين سمك الزرد وسمك الميداكا
ولصعوبة المقارنة بين الكائنات القادرة على تجديد أنسجة القلب التالفة والكائنات التي لا تستطيع تجديد أنسجة القلب كالثدييات، عمل علماء أحياء في جامعة يوتا بالولايات المتحدة في دراسة جديدة على مقارنة استجابات إصابات القلب في أسماك الزرد وسمك الميداكا بعد وقوع صدمة قلبية للأسماك عن طريق مسبار بارد، وهذه الصدمة تشبه النوبة القلبية. وقارن الباحثون استجابة الخلايا بطريقة علمية تسمى التنميط المقارن للخلية الواحدة. ونشرت الدراسة في 5 أبريل/نيسان الماضي بمجلة “أوبن بيولوجي”.
وأسماك الزرد وأسماك الميداكا نوعان من الأسماك يشتركان في تشريح القلب المتشابه والسلالة العظمية المشتركة، ولكنهما يختلفان في القدرة على التجدد، فأسماك الزرد تستطيع تجديد أنسجة القلب التالفة ولا تستطيع أسماك الميداكا ذلك. وكلتا السمكتين المستخدمتين في الدراسة من نفس العائلة وهي الأسماك ذات الزعانف الشعاعية، ويبلغ طول كليهما نحو 1.5 بوصة، وتسكنان المياه العذبة ولهما قلب مكون من غرفتين.
سمكة الميداكا موطنها الأصلي اليابان، وأسماك الزرد موطنها الأصلي حوض نهر الغانج الهندي. وأسماك الزرد نوع من أسماك الزينة يحظى بشعبية كبيرة بفضل خطوطها الأفقية المميزة، وفي سبعينيات القرن الماضي استخدمها علماء الأحياء ككائن حي نموذجي لدراسة التطور الجنيني للفقاريات. ويفضل العلماء أسماك الزرد لأنه يمكن نشرها بالآلاف بسرعة في المختبرات، كما أنها سهلة الدراسة وثبت أنها شديدة التحمل.
ووفقا لهذه الدراسة، فإن وجود الأسماك غير المتجددة يسمح بمقارنة الاستجابات المختلفة للإصابة القلبية بهدف تحديد السمات الخلوية الفريدة للأنواع المتجددة، كما يحاول الباحثون من خلال فهم أسباب فقدان القدرة على تجديد أنسجة القلب التالفة لدى بعض الأسماك العظمية، معرفة أسباب عدم قدرة الثدييات أيضا على تجديد أنسجة القلب التالفة.
ولم يتمكن الباحثون حتى الآن من الإجابة على هذه الأسئلة، لكن الدراسة ألقت ضوءا جديدا على الآليات الجزيئية والخلوية التي تلعب دورا في تجديد قلب أسماك الزرد، وحدد الفريق البحثي بعض التفسيرات المحتملة المرتبطة في الغالب بجهاز المناعة لكيفية إصلاح سمك الزرد لأنسجة القلب التالفة.
صدمة باردة لقلب الأسماك
لإحداث صدمة لقلوب الأسماك تشبه النوبات القلبية لدى البشر، استخدم الباحثون جهازا يسمى المسبار البارد، وهذا المسبار مصنوع من قطعة من الأسلاك النحاسية بردت في النيتروجين السائل في درجة 170 مئوية تحت الصفر. فقطع الباحثون شقوقا صغيرة في بطون الأسماك لإظهار قلوبها، ثم وضعوا المسبار لمدة 23 ثانية على حافة القلب. وبعدها بفترة زمنية معينة استخرجوا القلوب لمعرفة كيفية استجابة النوعين من الأسماك بشكل مختلف.
في 95% من الحالات نجت الأسماك بعد وقوع الصدمة ولم تمت، وبعد ثلاثة أيام إلى 14 يوما استخرجوا قلوب الأسماك وأذيبت في محلول خلية واحدة وهي إحدى خطوات عملية التنميط المقارن للخلية الواحدة، ثم بعد ذلك تأتي خطوة إجراء تسلسل الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) بحثا عن علامات تشير إلى كيفية استجابة الأسماك للإصابة.
وتتمتع أسماك الزرد باستجابة مناعية مشابهة للتي تحدث عند التعرض للعدوى الفيروسية والتي تسمى “استجابة الإنترفيرون”، لكن هذه الاستجابة غائبة تماما في الميداكا.
كما وثقت الدراسة الاختلاف بين السمكتين في تجنيد واستجابة الخلايا المناعية وسلوكها، والاختلاف في إشارات الخلايا النخابية والبطانية القلبية الداعمة لعملية التجدد، حيث تنقص هذه الإشارات في أسماك الميداكا. كما وثقت الدراسة التغيرات في بنية القلب وتركيبه. فعلى سبيل المثال تفتقر أسماك الميداكا إلى نوع معين من الخلايا العضلية الموجودة في أسماك الزرد.
كيف تجدد أسماك الزرد أنسجة القلب التالفة؟
تشير الدراسة إلى أن قدرة أسماك الزرد على التجدد لها علاقة بجهازها المناعي، لكنّ فهم كيفية حدوث ذلك بالضبط يتطلب المزيد من البحث. فعلى سبيل المثال، بعد إحداث الصدمة القلبية الباردة هاجر عدد أكبر بكثير من الخلايا البلعمية (خلايا مناعية متخصصة) إلى موقع الإصابة في أسماك الزرد مقارنة بسمك الميداكا. وعلى عكس الميداكا تتكون في سمك الزرد ندبة عابرة لا يحدث لها عملية تكلس وتحوّل إلى أنسجة صلبة.
ويقول الباحث بهذه الدراسة “جيمس غانيون” عن كيفية تجديد أسماك الزرد للأنسجة التالفة الناتجة عن هذه الندبة: “نعتقد أن استجابة الإنترفيرون تؤدي إلى وصول الخلايا البلعمية المناعية المتخصصة إلى موقع الإصابة والبدء بتعزيز نمو الأوعية الدموية الجديدة”. ومع مرور الوقت، تحل العضلات الجديدة محل أنسجة القلب التالفة ويشفى القلب.
ويعتقد غانيون أنه كلما تعرف الباحثون على معلومات أكثر عن كيفية تجديد بعض الحيوانات لأنسجتها ولماذا تفقد حيوانات أخرى هذه الميزة، فإنه من الممكن إجراء دراسات مفصلة وتجارب على الثدييات، ومن ثم ربما في يوم من الأيام على المرضى من البشر.