في شمال النرويج، تحكي الأشجار والشجيرات قصة بقاء عبر القرون، حيث اكتشف العلماء طريقة فريدة لتتبُّع الصيف البارد من الماضي من خلال دراسة “الحلقات الزرقاء” الغامضة الموجودة في أخشاب أشجار الصنوبر وشجيرات العرعر.

هذه الحلقات، التي تظهر عند صبغ عينات الخشب، تشبه يوميات الطبيعة، حيث تسجل لحظات كان الطقس فيها باردا جدا لتنمو الأشجار بشكل صحيح.

كشفت الدراسة، التي نشرت يوم 22 يناير/كانون الثاني في مجلة “فرونتيرز إن بلانت ساينس”، أن هذه الحلقات الزرقاء تتشكل عندما لا تتصلب جدران خلايا النمو الجديدة في الأشجار بشكل صحيح، وهي عملية تسمى “التخشب”.

يحدث هذا عندما تكون الأصياف باردة بشكل غير عادي، تاركة وراءها علامة مرئية في الخشب. ومن خلال فحص هذه الحلقات، يمكن للباحثين تحديد أحداث البرد القاسية في التاريخ، مثل صيفي 1902 و1877 الباردين.

نمو غير مكتمل

تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة “أجاتا بوشوال” – الباحثة في معهد الجيولوجيا البيئية والجيومعلوماتية، بجامعة آدم ميكيفيتش في بولندا، في تصريحات لـ”الجزيرة نت”- “تبدو الحلقات الزرقاء مثل حلقات نمو غير مكتملة وترتبط بظروف البرد خلال موسم النمو. تحتاج الأشجار والشجيرات إلى أيام دافئة لتنمو بشكل صحيح. عندما يكون الجو باردا جدا، يتعطل نموها، وتتشكل هذه الحلقات الزرقاء”.

وفقا للباحثة، فإن فهم هذه الظاهرة يمكن أن يساعدنا في فهم الظروف البيئية التي مرت بها الأرض، ويحسّن طريقة تعاملنا مع التنبؤات التي تحذر من كارثة بيئية وشيكة بسبب الاحترار العالمي وتفاقم تأثيرات التغيرات المناخية.

درس فريق البحث 25 شجرة صنوبر أسكتلندي و54 شجيرة عرعر من جبل إيشوراس في شمال النرويج. وحللوا عينات الخشب بعناية، وصبغوها وفحصوها تحت المجهر لتحديد الحلقات الزرقاء.

ما وجدوه كان مذهلا، بحسب “بوشوال” التي قالت إن “الحلقات الزرقاء كانت نادرة، حيث ظهرت في 2.1% فقط من حلقات أشجار الصنوبر و1.3% من حلقات شجيرات العرعر. ومع ذلك، في عامي 1902 و1877، كانت هذه الحلقات أكثر شيوعا، مما يشير إلى أن هذين الصيفين كانا باردين بشكل استثنائي”.

في عام 1902، أظهرت 96% من أشجار الصنوبر و68% من شجيرات العرعر حلقات زرقاء. وبالمثل، في عام 1877، كانت 84% من أشجار الصنوبر و36% من شجيرات العرعر تحمل هذه العلامات، وفقا للدراسة.

ويعتقد العلماء أن هذه الأصياف الباردة قد تكون ناجمة عن ثورات بركانية. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الطقس البارد في عام 1902 مرتبطا بثوران بركان جبل بيليه في مارتينيك، بينما يمكن أن يرتبط حدث عام 1877 بثوران بركان كوتوباكسي في الإكوادور.

ومن المثير للاهتمام أن الدراسة وجدت أن أشجار الصنوبر كانت أكثر عرضة لتشكيل الحلقات الزرقاء مقارنة بشجيرات العرعر.

وتضيف المؤلفة الرئيسية للدراسة: “يبدو أن الشجيرات تتكيف بشكل أفضل مع أحداث البرد، ولهذا تنمو في مناطق أبعد شمالا من الأشجار، لهذا أحب دراسة الشجيرات، إنها الأبطال الحقيقيون للشمال”.

ليست مجرد فضول تاريخي

لكن الحلقات الزرقاء ليست مجرد فضول تاريخي؛ إذ يمكن أن تؤثر أيضا على صحة الأشجار. ففي أشجار الصنوبر، يمكن أن تضعف الحلقات الزرقاء الخشب، مما يجعله أكثر عرضة للتلف أو المرض. وإذا حدث هذا على مدى عدة سنوات، فقد يؤثر على قدرة الشجرة على التعافي.

وقارن الباحثون نتائجهم مع سجلات الطقس المحلية ووجدوا أن عامي 1902 و1877 كانا بالفعل باردين بشكل غير عادي. في عام 1902، أدى أبرد شهر يونيو على الإطلاق إلى تأخير بدء موسم النمو، مما ترك الأشجار مع وقت قليل جدا للنمو بشكل صحيح. وبالمثل، حدث الطقس البارد في عام 1877 في أغسطس/آب، مما عطل المراحل المتأخرة من النمو.

وتشير الدراسة أيضا إلى أن الحلقات الزرقاء يمكن أن تساعد العلماء في فهم كيفية استجابة الأشجار للبرودة في أوقات مختلفة من العام. على سبيل المثال، قد يؤدي الطقس البارد في بداية موسم النمو إلى تكوين حلقات زرقاء أكثر وضوحا، بينما قد تؤدي أحداث البرد المتأخرة إلى ظهور علامات أقل وضوحا.

ويعتقد الباحثون أن الحلقات الزرقاء يمكن العثور عليها في الأشجار والشجيرات في جميع أنحاء العالم، مما يوفر طريقة جديدة لدراسة أحداث المناخ الماضية.

وتضيف “بوشوال”: “نأمل أن نلهم علماء آخرين للبحث عن الحلقات الزرقاء في أبحاثهم. من خلال إنشاء شبكة عالمية من بيانات الحلقات الزرقاء، يمكننا إعادة بناء أحداث التبريد على مدى فترات طويلة وفهم كيفية تكيف النباتات مع الطقس القاسي بشكل أفضل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version