يستضيف فراء حيوان “الكسلان” الكوستاريكي مجتمعات نشطة من الحشرات والطحالب والفطريات والبكتيريا وغيرها، قد يؤدي بعضها للإصابة بالأمراض، لكن يبدو أن هذه الثدييات الشهيرة مقاومة للعدوى بشكل مدهش.
في العام 1928 اكتشف العالم البريطاني ألكسندر فلمنغ أن التلوث الفطري لمزرعة مختبرية يقتل البكتيريا المسببة للأمراض، وقد أكسبه اكتشافه لأول مضاد حيوي قاتل للبكتيريا في العالم -البنسلين- جائزة نوبل في الطب عام 1945، إلا أن مشكلة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية قد بدأت في الظهور وتحولت إلى معضلة متنامية، إذ إن بعض الأدوية لم تعد تعمل على مكافحة العدوى التي صُممت لعلاجها.
مقاومة المضادات الحيوية وأمل جديد
وتعدّ مقاومة مضادات الميكروبات ظاهرة طبيعية، لكن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية وإساءة استخدامها لدى البشر والحيوانات والنباتات زاد من تفاقم المشكلة، حيث بدأ العلماء في ملاحظة ظهور “الجراثيم الخارقة” المقاومة للترسانة البشرية المتزايدة من الأدوية، ويمكن أن نقدر حجم المشكلة عند النظر إلى تقديرات منظمة الصحة العالمية التي تفيد بأنه بحلول عام 2050 يمكن أن تتسبب مقاومة المضادات الحيوية في وفاة 10 ملايين شخص سنويا.
لكن يبدو أن هناك أملا جديدا قد بدأ يلوح في الأفق للتغلب على مشكلة الجراثيم الخارقة، حيث أفاد علماء من جامعة كوستاريكا (University of Costa Rica) بأن أبحاثهم قد توصلت إلى أن فراء حيوان “الكسلان” (Sloth) الكوستاريكي يستضيف مجتمعات نشطة من الحشرات والطحالب والفطريات والبكتيريا، قد يؤدي بعضها للإصابة بالأمراض، لكن يبدو أن هذه الثدييات الشهيرة ببطء الحركة، مقاومة للعدوى بشكل مدهش، وقد نشر الباحثون نتائجهم في دورية “إنفيرومنتال ميكروبيلوجي” (Environmental Microbiology).
وفي حوار أجرته وكالة الصحافة الفرنسية، يقول ماكس شافاريا الباحث الرئيسي من جامعة كوستاريكا “إذا نظرت إلى فراء حيوان الكسلان سترى نشاطا.. حيث ترى حشرات مختلفة.. موطن مفعم بالحيوية. ومن الواضح أنه عندما يكون هناك تعايش لأنواع عديدة من الكائنات الحية، يجب أن تكون هناك أنظمة تتحكم فيها”.
حيوان الكسلان مهدد بالانقراض
شهدت كل من أنواع الكسلان ثنائية الأصابع (Choloepus Hoffmanni) وثلاثية الأصابع (Bradypus variegatus) انخفاضا في أعدادها، وفقا للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة للأنواع المهددة بالانقراض، ويعدّ حيوان الكسلان رمزا وطنيا في كوستاريكا، وهو عامل جذب سياحي رئيسي لأميركا الوسطى، ويعيش في ظلال الأشجار في الغابة على ساحل البحر الكاريبي، حيث المناخ حار ورطب.
وتدير الأميركية جودي آفي أرويو محمية في غابة كوهيتا لرعاية الكسلان المصاب بعد احتكاكه بالإنسان أو الحيوانات الأخرى، حيث تعالجه وتعيد تأهيله بهدف إطلاقه مرة أخرى في البرية، وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية “لم نستقبل قط حيوان كسلان مريضا أو به علة أو مرض. وصلت إلينا حيوانات كسلان أحرقتها خطوط الكهرباء ودمرت ذراعها بالكامل.. ولا توجد عدوى. أعتقد أنه ربما في غضون 30 عاما (عمر المحمية) رأينا 5 حيوانات جاءت وجراحها ملوثة. وهذا يخبرنا أن هناك شيئا ما يحدث في نظامها الجسدي”.
وأخذ الباحث شافاريا وفريقه عينات من الفراء من حيوانات الكسلان ثنائية الأصابع وثلاثية الأصابع في الملجأ الذي تديره أرويو لفحصها في مختبره، لتبيّن ما يمكن أن يكون عليه نظام التحكم هذا، وتوصل الفريق لاحتمال وجود بكتيريا منتجة للمضادات الحيوية “تجعل من الممكن التحكم في تكاثر البكتيريا المسببة للأمراض.. أو تثبيط المنافسين الآخرين” مثل الفطريات.
بدأ شافاريا بحثه منذ عام 2020، وقد توصل بالفحص إلى تحديد 20 كائنا دقيقا مرشحا، ولكنه قال إن أمامنا طريقا طويلا لتحديد ما إذا كانت كائنات الكسلان الدقيقة مفيدة للبشر، ويقول شافاريا “قبل التفكير في تطبيق ذلك فيما يفيد صحة الإنسان، من المهم أن نفهم أولا.. نوع الجزيئات المتضمنة”.
ويختم شافاريا حديثه قائلا “يمكن لمشاريع مثل مشروعنا أن تسهم في إيجاد جزيئات جديدة يمكن -على المدى المتوسط أو الطويل- استخدامها في هذه المعركة ضد مقاومة المضادات الحيوية”.