يُعد التصنيع الحيوي للبروتينات من غاز ثاني أكسيد الكربون تقدما كبيرا في هذا المجال الواعد.
تمكن باحثون -لأول مرة- من تحويل ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة إلى أحد مكونات البروتينات بنجاح باستخدام إنزيمات اصطناعية في عملية متعددة المراحل، وتظهر هذه الخطوة العملية مستقبلا واعدا للتمثيل الضوئي الاصطناعي في تحقيق أداء عالي الكفاءة لإنتاج المواد الغذائية بطريقة مستدامة من مصادر طبيعية.
وحسب بيان صحفي لجامعة ميونيخ التقنية (TUM) بتاريخ 27 أبريل/نيسان الماضي، فإن المجموعة البحثية في مركز البحوث التكاملية للتكنولوجيا الحيوية والاستدامة في شتراوبينغ (TUM Campus Straubing) -وهو مركز أبحاث جديد بالجامعة- نجحت في تطوير طريقة للتصنيع الحيوي للبروتين الغذائي باستخدام نوع من التمثيل الضوئي الاصطناعي.
التمثيل الضوئي الاصطناعي
يستخدم التمثيل الضوئي الاصطناعي الطاقة الشمسية لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون والماء إلى مركبات كيميائية مفيدة، مثل الهيدروجين والأحماض الأمينية، ويستخدم كذلك في إنتاج الوقود والمواد الكيميائية الأخرى من مصادر متجددة.
في السابق، كان يتطلب الأمر خطوات متعددة وأنظمة محفزة لتحقيق ذلك، ويحتاج التمثيل الضوئي الاصطناعي إلى مزيد من التحسينات في كفاءة ومردود وتخفيض التكلفة قبل أن يصبح تقنية ناضجة تجاريا.
لكن في الطريقة الجديدة المنشورة في دورية “كيم كتاليسيز” (Chem Catalysis)، استخدم الباحثون محفزات جزيئية قائمة على الكوبالت لزيادة كفاءة تحليل الماء إلى هيدروجين وأكسجين، ثم يتم تجميع الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة، بعد إزالته من الغلاف الجوي، لتكوين الميثانول، وهو مادة وسيطة، ومركب رئيسي مهم لإنتاج الغذاء والمذيبات والوقود الاصطناعي.
ونجح الباحثون في تحويل الميثانول إلى الألانين اليساري (L-alanine)، الذي يعرف أيضا بحمض “ألفا أمينوبروبيونيك”، وهو حمض أميني غير أساسي عند الإنسان، في عملية متعددة المراحل باستخدام الإنزيمات الاصطناعية. وأثبتت الدراسة أن الطريقة فعالة للغاية وتنتج عوائد عالية جدا.
ابتكار يمهد الطريق لبصمة بيئية أصغر
يعد التصنيع الحيوي للبروتينات من غاز ثاني أكسيد الكربون تقدما كبيرا في هذا المجال الواعد، ويقول الدكتور أندرياس بيرغر، رئيس قسم الكيمياء في معهد تكنولوجيا ميونخ، “حققنا تقدما كبيرا للغاية في تطوير التمثيل الضوئي الاصطناعي. لأول مرة، نستطيع إنتاج ميثانول من ثاني أكسيد الكربون والماء في خطوة واحدة في ظروف تتناسب مع التطبيق الصناعي”.
ويوضح قائد الدراسة البروفيسور فولكر سيبر، أستاذ كيمياء الموارد الحيوية بمركز جامعة ميونيخ التقنية، أنه “بالمقارنة مع النباتات النامية، تتطلب هذه الطريقة مساحة أقل بكثير لإنتاج الكمية نفسها من الألانين اليساري، عندما تأتي الطاقة المستخدمة من مصادر الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح”.
وأضاف أن “الاستخدام الأكثر كفاءة يعني أنه يمكن استخدام نوع من التمثيل الضوئي الاصطناعي لإنتاج الكمية نفسها من المواد الغذائية من عدد أقل من الأفدنة بشكل ملحوظ، وهذا يمهد الطريق لبصمة بيئية أصغر في الزراعة”.
ويقول الباحث الذي طور العملية فيفيان ويلرز، طالب الدكتوراه بالمركز، “نريد أيضا إنتاج أحماض أمينية أخرى من ثاني أكسيد الكربون باستخدام الطاقة المتجددة وزيادة الكفاءة في عملية الإنتاج”.
أغذية صديقة للبيئة
يتم إنتاج البروتين المستخدم في العلف الحيواني بشكل نموذجي في نصف الكرة الجنوبي مع متطلبات مساحة زراعية واسعة النطاق وعواقب سلبية على التنوع البيولوجي.
وتعد صناعة الأعلاف الحيوانية المحرك الأساسي لارتفاع الطلب على كميات كبيرة من البروتين الغذائي، وغالبا ما يكون ضمان توفير الغذاء لسكان العالم -الذين يتزايد عددهم باستمرار- وحماية البيئة في الوقت نفسه أهدافا متضاربة.
وفي هذه الدراسة، أثبت الباحثون أن الطريقة الجديدة أكثر كفاءة وإنتاجية في تصنيع البروتينات، نظرا لاستخدامها مساحة أقل وطاقة متجددة. ويري الباحثون أن المشروع مثال جيد على كيف يمكن للاقتصاد الحيوي واقتصاد الهيدروجين معا أن يجعلا من الممكن تحقيق مزيد من الاستدامة.
ومع مواصلة التحسينات، قد يساعد هذا المجال الناشئ في معالجة ندرة الموارد وأزمة الغذاء مع تلبية احتياجات السكان المتنامية والحماية من المخاطر البيئية.