في ظل استعداد باريس لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية 33 العام المقبل، أقرت الحكومة الفرنسية قانونا جديدا يقول منتقدوه إنه يفتح الباب أمام تبني تقنية المراقبة الآلية بالفيديو القادرة على انتهاك الخصوصية.

ورغم معارضة 38 مجموعة من منظمات المجتمع المدني لمشروع القانون، فإن الأغلبية ضمن مجلس الشيوخ صوتت لصالح النص الذي يقنن الاستخدام المؤقت لأنظمة المراقبة الذكية من أجل حماية دورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024)، التي من المتوقع أن تجذب ملايين الزوار.

وإلى جانب مجلس الشيوخ، فإن الجمعية الوطنية وافقت على مشروع القانون بأغلبية أشادت بها وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا، بوصف ذلك خطوة أساسية. ونتيجة لذلك، تحول مشروع القانون -الذي نوقش بشدة ويمنح الدولة سلطة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لأغراض المراقبة- إلى قانون رسمي.

ومن خلال إقرار هذا القانون تسعى الحكومة الفرنسية إلى تجنب الإخفاقات التي أضرت بسمعتها سابقا، مثل الأحداث التي رافقت نهائي دوري أبطال أوروبا، كما أن البلاد لم تشف بعد من صدمة هجمات باريس عام 2015.

وسعت الحكومة الفرنسية عبر القانون الجديد إلى تكثيف ترسانتها من صلاحيات المراقبة لضمان سلامة الملايين من السائحين المتوقع حضورهم خلال أولمبياد باريس في الفترة من 24 يوليو/تموز إلى الثامن من سبتمبر/أيلول من العام المقبل.

وتتضمن الخطط كاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي لأول مرة، ولكن ليس للتعرف على الوجه، حيث أصرت السلطات الفرنسية على أن المراقبة لن تشمل التعرف على الوجه. لكن المنظمات غير الحكومية المعنية بالحريات المدنية نظمت حملات ضد كاميرات المراقبة التجريبية العاملة بالذكاء الاصطناعي.

المواد المثيرة للجدل

يتضمن القانون العديد من المواد، لكن المادة 7 تمثل الجانب الأكثر إثارة للجدل، وذلك لأنها تنص على إمكانية استخدام المراقبة الآلية بالفيديو المعتمدة على الخوارزميات، على أساس تجريبي للكشف عن السلوك غير الطبيعي وضمان سلامة الألعاب الأولمبية، إلى جانب ضمان سلامة الأحداث الرياضية أو الترفيهية أو الثقافية المعرضة بشكل خاص للمخاطر.

ودانت منظمات حقوق الإنسان هذا الإجراء، ورأت أنه “يشكل سابقة خطيرة” رغم أن الحكومة تؤكد أن التقنيات المستخدمة لن تتضمن أي تقنية للتعرف على الوجه، حيث ينص القانون على أن هذه الأجهزة لا تستخدم أي نظام تحديد بيومتري، ولا تعالج أي بيانات بيومترية، ولا تنفذ أي تقنية للتعرف على الوجه.

وتهدف المراقبة الآلية بالفيديو إلى تغذية الخوارزميات بصور من الكاميرات والطائرات المسيرة لتحديد الأحداث التي يحتمل أن تكون خطرة بشكل أسرع، مثل بداية حركة الجماهير أو التخلي عن الأمتعة أو السلوك المشبوه، على أن يجري بعد ذلك إبلاغ هذه المعلومات إلى فرق الأمن التي تراقب التجمعات خلف شاشاتها.

وحسب القانون، يمكن تحليل هذه الصور بواسطة الشركات الخاصة، ومن ثم الاحتفاظ بها مدة أقصاها 12 شهرا، على أن تنتهي التجربة في 31 مارس/آذار 2025.

إلى جانب ذلك، يسمح القانون بتوسيع إجراءات التحقيقات الأمنية الإدارية لتشمل مناطق المشجعين والمشاركين في الأحداث الكبرى، مثل الرياضيين والوفود، ووسائل الإعلام المالكة لحقوق البث الحصرية أو الشركاء، مثل الرعاة.

كما أصبح من الممكن استخدام الماسحات الضوئية للجسم عند مداخل الملاعب وغيرها من الأماكن الرياضية أو الترفيهية أو الثقافية التي تضم أكثر من 300 شخص، ولكن يجب على الأشخاص إعطاء الموافقة الصريحة قبل تطبيق المسح الضوئي.

اعتداء شامل على الخصوصية

تمثل المراقبة الآلية بالفيديو شكلا جديدا من أشكال التكنولوجيا التي تستخدم برامج الحاسب لتحليل الصور الملتقطة بواسطة كاميرات المراقبة في الوقت الفعلي.

ويدعي أنصار هذه التقنية أنها قادرة على توقع تحركات الحشود وتحديد الأمتعة المهجورة أو الحوادث التي يحتمل أن تكون خطرة. وبالمقارنة مع المراقبة التقليدية بالفيديو فإن كل شيء يتم بخوارزميات مسؤولة عن التحليل، التي تحد من الأخطاء البشرية.

وحاولت التعديلات البرلمانية تعزيز الضمانات الحاكمة لهذه التجربة عبر توفير المعلومات المسبقة للجمهور ومتطلبات تدابير الرقابة البشرية ونظام إدارة المخاطر والتدريب المنهجي للأشخاص المصرح لهم بالوصول إلى التقارير ودعم ومراقبة اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحرية وإشراك البرلمانيين في تقييم النظام.

لكن أجهزة المراقبة التي تتجاوز الأحداث الرياضية تمثل أحد أكثر الإجراءات التي تعرضت للانتقاد في القانون.

وفي حين أن الحكومة لا تذهب إلى حد السماح بالتعرف على الوجه، فإن القانون لا يزال يثير مخاوف، ولا يزال النشطاء قلقين من أنه قد يؤدي إلى السماح بالمراقبة الآلية مع احتمال التمييز وانتهاك الخصوصية.

وفي هذا الصدد، قالت مجموعة المناصرة الفرنسية (لا كوادراتور دو نت) “يمهد القانون الطريق لإضفاء الشرعية على المراقبة الآلية بالفيديو، وتستخدم الحكومة الألعاب الأولمبية ذريعة لتمرير إجراءات تهدف إلى تسريع مراقبة السكان، ويخفي هذا القانون صلاحيات هائلة بحجة التجريب”.

وأضافت المجموعة -نقلا عن تقرير قضائي- “يقترح القانون تجربة المراقبة الآلية بالفيديو رغم عدم وجود تقييم عام لتلك الأجهزة الحالية ولا أي فائدة مثبتة علميا”.

بدورها، قالت منظمة العفو الدولية “بينما تروج فرنسا لنفسها على أنها نصير لحقوق الإنسان على مستوى العالم، فإن قرارها إضفاء الشرعية على المراقبة الجماعية العاملة بالذكاء الاصطناعي أثناء الألعاب الأولمبية يؤدي إلى اعتداء شامل على الحق في الخصوصية والاحتجاج وحرية التجمع والتعبير”.

وقالت 38 منظمة من منظمات المجتمع المدني في رسالة إن “الألعاب الأولمبية تعد حدثا ضخما يسمح بحجمه الاستثنائي بتنفيذ وتسريع سياسات استثنائية مماثلة، وتمثل هذه الأحداث فرصة للابتكارات التشريعية الأمنية، ونرفض المادة 7 التي من شأنها أن تؤسس لسابقة مقلقة للمراقبة غير المبررة وغير المتناسبة في الأماكن العامة”. في حين طالبت الجمعية الوطنية للمعلوماتية والحريات بضمانات من أجل الحد من مخاطر البيانات وانتهاكات الخصوصية.

ورأت منظمة هيومن رايتس ووتش أن المادة 7 تشكل “تهديدا خطيرا للحريات المدنية والمبادئ الديمقراطية، ويمثل تطبيق القانون خطوة أخرى نحو تطبيع سلطات المراقبة الاستثنائية تحت ستار تحقيق الأمن للأحداث الكبرى”.

 

وتجادل منظمات المجتمع المدني بأن فرنسا تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال كونها أول دولة من بين 27 دولة في الاتحاد الأوروبي تقنن المراقبة العاملة بالذكاء الاصطناعي، حتى ولو مؤقتا.

وقالت منظمة العفو الدولية إن “استخدام أنظمة المراقبة يهدد بتحويل فرنسا إلى دولة مراقبة، ويمثل اعتداء شاملا على الحق في الخصوصية والاحتجاج وحرية التجمع والتعبير”.

ويشعر معارضو القانون بالقلق من أن التكنولوجيا تخاطر بالتركيز على الأشخاص الذين يقضون الكثير من الوقت في الأماكن العامة، مثل المشردين. كما يقولون إن القانون يمهد الطريق لاستخدام التكنولوجيا مع الكاميرات المثبتة على الطائرات المسيرة.

ويتعلق أحد المخاوف بشأن الخوارزمية في إمكانية تضمنها تحيزا تمييزيا، حيث إنها مدربة بواسطة مجموعة من البيانات التي صممها البشر، وبالتالي فإن الأشخاص الذين صمموها قادرين على دمج التحيزات التمييزية.

ومن جانبها، تعتقد الحكومة الفرنسية أن الحدود التي وضعها القانون كافية لمنع الممارسات التمييزية. لكن المعارضين يقولون إن “الضمانات الحكومية لا تطمئننا، ولا يوجد تعديل حقيقي ممكن، وهذه التكنولوجيا بحد ذاتها إشكالية وخطيرة على حقوق الإنسان، وتظل كذلك حتى إجراء تقييم جاد، وإثبات ضرورة وتناسب استخدامها”.

كما يخشى معارضو المراقبة الآلية بالفيديو من أن استخدامها الاستثنائي في البداية قد يصبح شائعا لاحقا، إذ تُستخدم غالبا الأحداث الرياضية أرضا لاختبار التكنولوجيا الجديدة. وتشعر منظمة العفو الدولية بالقلق من أن المراقبة بالفيديو قد تؤدي لاحقًا إلى مراقبة بيومترية أو صوتية.

دق ناقوس الخطر في أوروبا كلها

وأعرب عدد من نواب الاتحاد الأوروبي عن القلق بشأن إجراءات المراقبة لدورة الألعاب الأولمبية (باريس 2024).

وتحدد اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي البيانات الحيوية على أنها أي خصائص جسدية أو فسيولوجية أو سلوكية يمكن استخدامها لتحديد هوية الشخص.

وإذا كان الغرض من الكاميرات اكتشاف أحداث معينة مشبوهة في الأماكن العامة، فإنها تلتقط بالضرورة وتحلل السمات والسلوكيات الفسيولوجية للأفراد الموجودين في هذه المساحات.

وتعترض رسالة من أعضاء البرلمان الأوروبي إلى أعضاء الجمعية الوطنية على المادة 7 من القانون، مشيرة إلى أنها تهدد الحق في الخصوصية وحماية البيانات وحرية التعبير، حيث تنص المادة على أن الصور الملتقطة بكاميرات المراقبة الآلية بالفيديو قد تخضع للمعالجة، بما في ذلك نظام الذكاء الاصطناعي.

وجاء في الرسالة أنه “يجب وقف مستقبل المراقبة الجماعية البيومترية في أوروبا. تؤسس فرنسا الأساس لسابقة مراقبة من النوع الذي لم يسبق له مثيل في أوروبا، باستخدام ذريعة الألعاب الأولمبية. هذا الإجراء يهدد جوهر الحق في الخصوصية وحماية البيانات وحرية التعبير، مما يجعله مخالفًا للقانون الدولي والأوروبي لحقوق الإنسان”.

ويؤكد الموقعون على الرسالة أن القانون يتعارض مع اللغة المستخدمة في قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي، الذي يحظر استخدام التحليل الآلي للسمات البشرية والإشارات البيومترية والسلوكية.

كما حذرت الرسالة أيضا من أن السماح بالمراقبة عبر الذكاء الاصطناعي تشكل سابقة خطيرة، خاصة أن التكنولوجيا لم تتبنها سوى الصين حتى الآن، حسب ما لاحظ أعضاء البرلمان.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version