شهدت ساحة الألعاب في السنوات الماضية توجهًا واسعًا من الشركات العالمية إلى تعريب ألعابها بشكل كامل، أي تعريب يشمل النصوص المذكورة في اللعبة سواء كانت في واجهة التحكم أو حتى النصوص المستخدمة داخل اللعبة فضلًا عن تعريب الأصوات والدبلجة المباشرة، وهو الأمر الذي يسّر على الكثيرين الدخول إلى هذا العالم والانغماس فيه بشكل أفضل.

ورغم رواج فكرة تعريب الألعاب في السنوات الماضية، فإنها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها ألعاب معربة، كما أن الشركات المطورة للألعاب ليست الوحيدة التي حاولت الدخول إلى هذا القطاع وتقديم نسخ معربة من ألعابها، إذ حصلت العديد من الألعاب على جهود مستقلة لتقديم نسخ معربة منها.

بفضل تضافر جهود الشركات والفرق المستقلة، أصبح من المعتاد في الوقت الحالي وجود ألعاب تعمل باللغة العربية وتستخدمها كلغة أساسية، ولكن كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وهل كان لها أثر في قطاع الألعاب محليًا؟

إرث مرتبط بالحواسيب

ارتبط المجتمع العربي بشكل واسع مع التقنية والحواسيب تحديدًا منذ بدايات ظهورها وانتشارها في تسعينيات القرن الماضي، ولا يوجد مثال أوضح على هذا الارتباط من شركة “صخر” وتطوير “مجموعة برامج الأسرة” التي ضمت كوكبة من البرامج والألعاب المخصصة للغة العربية فضلًا عن نقل بعض الألعاب إلى العربية.

ضمت “مجموعة برامج الأسرة” نسخة معربة من لعبة “برينس أوف بيرشيا” (Prince of persia) التي طرحت عام 1989 من تطوير “برودربوند” (Broderbund) قبل أن تستحوذ “يوبي سوفت” (Ubisoft) على العنوان في عام 2001، كما ضمت أيضًا ألعاب من تطوير شركة “صخر” نفسها مثل لعبة “اختبر معلوماتك” و”كلمات ومعاني” التي كانت أقرب إلى ألعاب أسئلة عامة.

ورغم النجاح المهول الذي حققته “مجموعة برامج الأسرة” وشركة “صخر”، فإن الزمن لم يكن رحيمًا بها وبدأت بالاندثار لتعود اللغة العربية إلى غياهب النسيان مع تطوير الإنترنت والتقنية بشكل عام، ويمكن القول إن الـ20 عامًا الأخيرة شهدت عودة اللغة العربية إلى الساحة مجددًا دون وجود لحظة فارقة بعينها في هذه الجهود.

جهود غير رسمية

ربما بدأت شركات تطوير ونشر الألعاب تنظر إلى المنطقة العربية مؤخرًا وطرحت العديد من العناوين المميزة التي تحمل بداخلها ترجمة ودبلجة عربية بالكامل، ولكن قبل هذا الوقت، كان الوصول إلى الألعاب العربية يعتمد بشكل رئيسي على جهود المطورين الفردية.

لذلك ظهرت فرق متنوعة تختص بترجمة الألعاب بشكل غير رسمي وإتاحة تحميل الترجمة بمفردها ودمج هذه الترجمة مع ملفات اللعبة الأصلية التي يتم شراؤها رسميًا من متجر التطبيقات، ولأن هذه العملية كانت تتطلّب معرفة برمجية ولغوية مناسبة فضلًا عن الجهد الكبير المبذول بها، كان الأمر يقتصر على مجموعة قليلة من الألعاب التي تستطيع هذه الفرق ترجمتها.

كما أن عملية الترجمة المستقلة هذه كانت بشكل أساسي موجهة للحواسيب والألعاب الخاصة بها، إذ لا يمكن الوصول إلى ملفات النظام في منصات الألعاب مثل “بلاي ستيشن” أو “إكس بوكس”، لذلك كان يحرم ملاكها من متعة تجربة الألعاب بالعربية.

توجد العديد من الفرق التي كانت تعمل في هذا القطاع وتتخذ من مختلف المنصات منازل لها، وفي مقدمة هذه الفرق يأتي فريق “إيه آر تيم” الذي يتخذ من خادم منصة “ديسكورد” (Discord)  منزلًا له، وقد تمكن الفريق منذ تأسيسه عام 2019 من تقديم عدد كبير من الترجمات للعديد من الألعاب الرائدة مثل “ميترو أكسودس” (Metro Exodus)  أو “ستار وورز: جيداي فولين أوردر” (Star wars: Jedi Fallen order) وغيرها من العناوين الأخرى رغم توقف الفريق مؤخرًا عن تقديم الترجمات.

كما يوجد فريق آخر له جهود عديدة في هذا القطاع وهو “غيمز إن آرابيك” (Games in arabic) الذي اختفى فجأة في عام 2022 وقبل ذلك تمكن من تقديم العديد من التعريبات المميزة لعناوين مختلفة مثل “ستراي” (Stray) أو “إيلدن رينغ” (Elden Ring)، كما توجد بعض الفرق التي قدمت جهودًا خاصة بها بشكل فردي مثل فريق “تويو إن 4 إي” ( Toyo_N4e) أو “إس جي آر إف إل” (SGRFL).

تطور الدعم الرسمي

تقدم العديد من الشركات الآن عددًا من الألعاب باللغة العربية، وفي مقدمة هذه الشركات تأتي “يوبي سوفت” صاحبة سلسلة “أساسنز كريد” (Assassin’s Creed) الشهيرة والمبنية على الحضارة العربية بشكل أساسي، ويمكن القول إن الشركة من أوائل الداعمين للغة العربية في القوائم والنصوص، وذلك بالاعتماد على فرق ترجمة محلية.

كما قدمت “سوني” (Sony) دعمًا واسعًا للغة العربية في بعض العناوين الحصرية الخاصة بها منذ عام 2018 الذي شهد إطلاق ألعاب مثل “ديترويت: بيكوم هيومين” (detroit become human) التي جاءت مع دبلجة عربية ونصوص عربية أو “دايز غون” (Days Gone) التي قدمت الأمر ذاته، وكذلك “مايكروسوفت” التي قدمت ترجمة عربية لإحدى أشهر الألعاب عالميًا وهي “ماين كرافت”.

ولا يمكن ذكر تعريب الألعاب دون المرور على “بابجي” (PUBG) و”فورتنايت” (Fortnite) اللذين قدما دعمًا متكاملًا للغة العربية في أكثر من مجرد الترجمة والدبلجة، حيث تم تقديم شخصيات من المجتمع العربي على غرار المطربة مريام فارس كبطلة داخل “بابجي” فضلًا عن تقديم أحداث خاصة في رمضان وغيرها من المناسبات داخل اللعبتين.

ورغم وجود العديد من الألعاب التي تصدر سنويًا، فإن قلة منها تدعم اللغة العربية بشكل كامل سواء كان في المنصات أو أجهزة الحاسوب. وبحسب تقرير نشرته “نيكو روبنز” مؤخرًا، فإن نسبة الألعاب المترجمة إلى العربية في متجر “ستيم” (Steam) لا تتخطى 3% من إجمالي الألعاب المنشورة فيه، كما أن شركة مثل “نينتندو” (Nintendo) مازالت ترفض دعم اللغة العربية حتى في أنظمة المنصة.

لماذا تواجه الشركات صعوبة في دعم اللغة العربية؟

تواجه شركات الألعاب تحديات جمة عندما يتعلق الأمر بالتعريب، وهي تحديات كان يصعب تفاديها سابقًا، إذ تتمتع اللغة العربية بخصوصية فريدة من نوعها لا تشاركها فيها لغة أخرى، وهي خصوصية تجعل الاقتراب منها أمرًا صعبًا للغاية.

في البداية، تكتب اللغة العربية من جهة اليمين، كما أن كلماتها أكبر في الحجم وتحتاج إلى مساحة عرض أكبر فضلًا عن تمتع الحروف بأكثر من شكل مختلف بحسب موقعها في الكلمة والجملة، وهذا يضع المزيد من المتطلبات على محرك تطوير اللعبة الذي يحتاج لعرض اللغة والنصوص بشكل مناسب.

وعلى عكس اللغة الإنجليزية، فإن محركات وأدوات البحث التلقائية لا تقدم نتائج مثالية في اللغة العربية، إذ تنتج تعريبًا معيبًا يحتاج إلى المزيد من السياق والمراجعة والضبط النحوي واللغوي، وهذا يجعل عملية الترجمة يدوية بشكل مباشر حتى إن وجدت أدوات آلية، فسوف تحتاج إلى مراجعة يدوية.

ولا يسهل التنوع في اللغة العربية، المهمة على الشركات؛ إذ تحتاج الشركة لاختيار اللهجة وطريقة الكتابة والحديث المناسب مع المنطقة التي تستهدفها، ومن الجدير ذكره أن “سوني” أثارت حنق اللاعبين السعوديين في لعبة “ديترويت :بيكام هيومين” عندما استخدمت اللهجة المصرية رغم كون السوق الأكبر موجودا في السعودية، ومن تلك اللحظة قررت الشركة الاعتماد على اللغة العربية البيضاء.

بالطبع يجب أن تراعي الشركة الجوانب الأخرى الموجودة في اللعبة والتي قد تسيء للمجتمع العربي، سواء من محتوى غير مناسب أو هجوم على المعتقدات الدينية، وهذا الأمر يجعل العديد من الشركات تتجه بعيدًا عن اللغة العربية هربًا من تعقيداتها.

هل تخسر الشركات بابتعادها عن اللغة العربية؟

يشير تقرير “نيكو بارتنرز” إلى أن سوق الألعاب في المنطقة العربية حقق مبيعات وصلت إلى 1.92 مليار دولار في 2023 مع توقعات بتجاوز 2.65 مليار دولار بحلول عام 2027، وهذا رغم ضعف الدعم للمنطقة من قبل الألعاب.

يبلغ عدد المتحدثين باللغة العربية حول العالم أكثر من 420 مليون شخص، لذا فإن دعم اللغة العربية يقدم فرصة للشركات للوصول إلى جزء كبير من هذا القطاع المتحدث بلغة واحدة مفهومة للجميع وهي العربية البيضاء.

فضلًا عن ذلك، فإن 45% من اللاعبين السعوديين الذين يمثلون القطاع الأكبر للاعبين في المنطقة العربية وحجم الإنفاق الأكبر بنسبة 57.6% يفضلون الألعاب التي تمتلك دعما للغة العربية ويشترونها على أي حال للاستفادة من التجربة بشكل كبير.

لذا، فإن تجاهل دعم اللغة العربية يفقد الشركة فرصة الوصول إلى مئات الملايين من اللاعبين حول العالم المتحدثين بهذه اللغة، ويضع الشركات في مواجهة مباشرة معهم.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version