بعد مرور أشهر من التكهنات والتوقعات حول طموحات الشركة في مجال البحث على الإنترنت، كشفت أوبن إيه آي عن محركها البحثي الجديد بالذكاء الاصطناعي “سيرش جي بي تي” (SearchGPT)، وهو حاليا نموذج أولي لمحرك بحث على الإنترنت قد يفيد الشركة في انتزاع حصة من أرباح عملاق البحث غوغل.

يعتمد محرك البحث على نموذج “جي بي تي-4″، وذكرت أوبن إيه آي أن الخدمة الجديدة ستساعد المستخدمين على الوصول إلى ما يبحثون عنه بطريقة أسرع وأسهل باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يجمع روابط مواقع الإنترنت ويجيب على استفسارات المستخدمين بأسلوب المحادثات.

وذكرت الشركة في منشور على مدونتها أنها “تختبر خدمة سيرش جي بي تي، وهو نموذج أولي مؤقت لميزات بحث جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي توفر إجابة سريعة وفي الوقت المناسب مع مصادر موثوقة وواضحة وملائمة”.

سيرش جي بي تي

حصل روبوت المحادثة “شات جي بي تي” على إمكانية البحث على الإنترنت في أواخر العام الماضي، لكن يوجد فرق بين روبوت المحادثة الذي يمكنه استخدام المعلومات الحية ومحرك بحث كامل يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل محرك “بيربلكستي” (Perplexity) وخدمة “ملخصات الذكاء الاصطناعي” (AI Overviews) التي أضافتها غوغل لمحركها البحثي في شهر مايو/أيار الماضي.

خدمة “سيرش جي بي تي” تجمع بين إمكانات روبوت المحادثة وترشيح قائمة روابط لمواقع على الإنترنت، مما يضفي عليها طابعا تحاوريا أكثر من الخيارات المنافسة لها حاليا في هذا المجال. تبدأ عملية البحث بسؤال بسيط، ثم يتلقى المستخدم بعض المعلومات الأساسية، مع مجموعة مختارة من روابط المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى إمكانية طرح سؤال لمتابعة البحث.

في الأمثلة التي عرضتها الشركة، تتميز واجهة الاستخدام بأنها بسيطة ولا تظهر بالضرورة فقرات مكتوبة بالذكاء الاصطناعي في كل عملية بحث، مما قد يساعد روبوت المحادثة على تجنب أخطاء ميزة غوغل الأخيرة. تعتمد الخدمة على توجيه المستخدم لها، ويمكنه أن يطلب إجابات أطول وأكثر تفصيلا إن أراد ذلك.

كما سيتمكن المستخدم من استعراض الشريط الجانبي الذي يحتوي على روابط مواقع إضافية، مما يتيح له تجربة بحث عادية تشبه التجربة المعتادة أكثر. كما ذكر موقع “ذا فيرج” أن الشركة ستضيف ميزة تسمى “الإجابات المرئية” (visual answers)، التي يُفترض أنها مشابهة لبحث صور غوغل ولكن بالذكاء الاصطناعي.

قد يُدمج محرك البحث “سيرش جي بي تي” في المستقبل مع روبوت المحادثة “شات جي بي تي” الذي يحظى بشعبية كبيرة حاليا بين المستخدمين. وإلى جانب إمكانية البحث الشامل على شبكة الإنترنت، سيستفيد محرك البحث الجديد من محتوى ومعلومات منصات النشر التي عقدت صفقات مع أوبن إيه آي تتيح لها الوصول إلى المحتوى الذي تنشره.

وأكّدت كايلا وود، المتحدثة باسم أوبن إيه آي، أن الشركة قد أتاحت إمكانية استخدام المحرك الجديد لبعض الشركاء والناشرين الذين لم تذكُر أسماءَهم، كما حسّنت الشركة عدة جوانب من محرك البحث استنادًا إلى ملاحظاتهم.

وذكرت الشركة أنها ستطرح الأداة أمام مجموعة محدودة من المستخدمين لإبداء آرائهم وملاحظاتهم، ويمكنك تجربة حجز مقعد في تلك القائمة عبر الضغط على “الانضمام إلى قائمة الانتظار” في الصفحة الرسمية لهذه الخدمة الجديدة.

التغلب على الهلوسة

بعد طرح أوبن إيه آي لروبوت المحادثة “شات جي بي تي” للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رأى المستخدمون الأوائل في قدرة روبوت المحادثة على البحث عن المعلومات من شبكة الإنترنت وتلخيصها بديلا محتملا لعملية البحث التقليدية على الإنترنت.

إلا أن أوجه القصور في النماذج اللغوية الكبيرة تضعف من كفاءة روبوتات المحادثة في مجال البحث على الإنترنت. وأحد أوجه القلق والمخاوف الرئيسية من هذه الميزة الجديدة هي استمرار احتمالية “هلوسة” نموذج الذكاء الاصطناعي، التي تحدث عندما يقدم النموذج إجابات مُختلقة تماما ولا يوجد أي أساس لها في البيانات التي تدرب عليها.

حاولت مايكروسوفت التغلب على هذه المشاكل في نسخة محركها “بينغ” لكنها لم تنجح نجاحًا بارزًا، ولم تتمكن الشركة العملاقة من زحزحة محرك بحث غوغل عن استحواذه على هذا السوق.

ظهرت نفس المشكلة أيضًا بعد تجربة تلك الميزة الجديدة في بحث غوغل، وتصاعدت الانتقادات بعد أن أظهر مستخدمو الميزة نتائج غير منطقية أو غير دقيقة ضمن الإجابات التي يمنحها النموذج للمستخدمين. إذ شارك مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة متنوعة من لقطات الشاشة تظهر ميزة الذكاء الاصطناعي الجديدة وهي تقدم إجابات غير صحيحة ومثيرة للجدل.

يرجع ذلك جزئيًا إلى أن النماذج المعقدة للغاية التي تدعم روبوت المحادثة مدرّبة على التنبؤ بأنماط اللغة، ولم تتدرب على تعقب المعلومات وفهرستها وإظهارها على شبكة الإنترنت مثل خوارزميات محركات البحث التقليدية.

قد تستخدم أوبن إيه آي في خدمة “سيرش جي بي تي” نهجًا للذكاء الاصطناعي التوليدي يُطلق عليه اسم “التوليد الاسترجاعي المُعزّز”، وهو أحد معايير قطاع البحث بالذكاء الاصطناعي ومصمّم للحد من معدل الهلوسة في إجابات روبوتات المحادثة. باستخدام هذا النهج، تشير أداة البحث بالذكاء الاصطناعي إلى مصادر المعلومات الموثوقة، مثل شبكات الأخبار الشهيرة، بينما تولد نتائجها وتربطها بالمصدر الذي حصلت منه على المعلومات.

بحث بالذكاء الاصطناعي

كانت مايكروسوفت، وهي أكبر مستثمر في شركة أوبن إيه آي، من أوائل الشركات التي أطلقت محرك بحث يقوم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، عندما أصدرت نسخة من محركها “بينغ” مدعومة بالذكاء الاصطناعي في عام 2023، وكانت تلك النسخة تعتمد على النماذج اللغوية الكبيرة التي طورتها شركة أوبن إيه آي. أعادت مايكروسوفت تسمية تجربة البحث بالذكاء الاصطناعي منذ حينها إلى اسم “كوبيلوت”.

توجد تجارب أخرى في هذا السوق، مثل محركات البحث بالذكاء الاصطناعي من شركة “بيربلكسيتي” وشركة “يو” (You). كما أعلنت غوغل، في مؤتمرها السنوي للمطورين، أنها ستبدأ في طرح “ملخصات الذكاء الاصطناعي”، التي كانت تُعرف سابقا باسم “تجربة البحث التوليدية” “إس جي إي” (SGE)، للمستخدمين في الولايات المتحدة وقريبا في جميع أنحاء العالم داخل محرك البحث الأشهر.

تُقدِّم ميزة “ملخصات الذكاء الاصطناعي” الجديدة في بحث غوغل للمستخدمين إجابات مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي على طلبات البحث التي يصلح أن تقدم لها إجابات ملخصة. يجمع النموذج معلومات مختلفة من مواقع على شبكة الإنترنت، ويعرضها بطريقة ملخصة تمنح المستخدم الإجابة التي يبحث عنها دون أن يضطر إلى الضغط على رابط الموقع، أو حتى معرفة عناوين المقالات التي استخدمها الذكاء الاصطناعي كمصادر.

وأشارت الشركة إلى أن ملخصات الذكاء الاصطناعي ستظهر في أول نتائج صفحة بحث غوغل عندما يكون طلب البحث معقدا، وهذا ستحدده أنظمة بحث غوغل، أي ستختار متى تظهر تلك الملخصات تحديدا على طلبات المستخدمين. هذه النتائج، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مُكلفة أكثر بالنسبة لغوغل مقارنةً بنتائج البحث التقليدية لأن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي تستهلك موارد حوسبة أكبر بكثير.

وبرغم النجاح الضخم الذي حققه روبوت المحادثة “شات جي بي تي”، إلا أن شركة أوبن إيه آي تبحث عن مصادر عائدات جديدة في ظل ضخها أموالًا ضخمة لتدريب نماذج ذكاء اصطناعي أكبر حجما. إذ يقدر تقرير حديث، من موقع “ذي إنفورميشن”، أن الشركة قد تخسر 5 مليارات دولار هذا العام نتيجة تكاليف توظيف المزيد من العاملين، وطرح عروض جديدة للخدمات التجارية، بالإضافة إلى تدريب نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة.

توجد عائدات ضخمة في مجال البحث على الإنترنت، وشركة غوغل هي الرائدة بلا منازع، إذ تستحوذ على أكثر من 90% من سوق محركات البحث على الإنترنت. وتأتي أكبر عائدات غوغل من نشاط البحث على الإنترنت، إذ بلغت عائدات الشركة 175 مليار دولار من البحث والإعلانات الملحقة به خلال العام الماضي، مقارنةً بنحو 162.45 مليار دولار في عام 2022، حسبما أوضح التقرير السنوي للشركة.

قد يفيد دخول أوبن إيه آي لعالم البحث على الإنترنت في مواجهتها لمنافسها الأساسي حاليا وهي شركة غوغل. وتملك غوغل حاليا روبوت المحادثة “جيميناي”، وهو المنافس الأكبر لـ”شات جي بي تي” حاليًا. كما كثّفت غوغل جهودها لدمج هذه التقنيات في الخدمات التجارية ومنها برمجياتها المكتبية ونظام تشغيل الهواتف الذكية أندرويد، بالإضافة إلى خدمات البحث على الإنترنت.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version