تخطت القيمة السوقية لشركة “إنفيديا” (Nvidia) الأميركية لصناعة الرقائق مؤخرا حاجز 3 تريليونات دولار لأول مرة، متجاوزةً شركة آبل لتحتل المرتبة الثانية بعد مايكروسوفت.

وشهد سهم إنفيديا ارتفاعا بنسبة 147% هذا العام بفضل الطلب الكبير على رقائقها المستخدمة في تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويُتوقع أن تلعب الشركة التي أسسها جِنسن هوانغ وكريس مالاكوفسكي وكيرتس برييم عام 1993؛ دورا رئيسيا في الثورة الصناعية الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مما يعزز مكانتها كأكبر شركة لأشباه الموصلات في العالم.

ولكن كيف صعدت إنفيديا بهذا الشكل الصاروخي متخطية عمالقة التكنولوجيا، ولماذا تدعم هذه الشركة إسرائيل بشكل واضح؟

رئيس تقنية مختلف

يعود الفضل الأكبر لبروز إنفيديا إلى شعبية رئيسها هوانغ المولود في تايوان في 17 فبراير/شباط 1963، والذي هاجر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة أوريغون الحكومية، ثم درجة الماجستير في نفس التخصص من جامعة ستانفورد.

فهذا الرئيس لا يجد حرجا في الظهور بشكل مميز أمام الجمهور، ويُعتبر بطلا قوميا في بلاده تايوان حيث يصطف الجمهور بالساعات للقائه وأخذ صور تذكارية معه بل وطلب توقيعه على ملابسهم، كما حدث مؤخرا في مشهد مفاجئ وغير مألوف في معرض “كومبيوتكس 2024″، حيث طلبت إحدى المعجبات توقيعه على ملابسها في وسط أحداث المعرض التقني الشهير.

وتسلط هذه الواقعة الضوء على مدى التباين الملحوظ بين هوانغ وقادة شركات التقنية الآخرين مثل تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل، أو سوندار بتشاي الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، اللذين عادةً ما يظهران بملابس رسمية ويُبرزان كشخصيات عامة أكثر تحفظا في التعامل مع الجماهير.

أما هوانغ من ناحية أخرى، فهو معروف بارتداء السترات الجلدية وأسلوبه الودي والهادئ الذي يلقى قبولا لدى المعجبين والمتخصصين في المجال التقني.

“لحظة آيفون” أم “حرب رقائق”؟

ومع احتدام الصراع القائم الآن بين الشركات العملاقة أمثال مايكروسوفت وغوغل في سباق الذكاء الاصطناعي، فإن المستفيد الأكبر شركة إنفيديا ورئيسها جنسن هوانغ الذي أراد أن يُبرهن على أهمية المرحلة الحالية بوصفها  “لحظة الآيفون” بالنسبة إلى مجال الحوسبة، مشبها نمو المجال بالنمو الهائل للهواتف الذكية بعدما أطلقت شركة آبل أول هاتف آيفون عام 2007.

ولكنّ الحقيقة أن المرحلة الحالية هي حرب واضحة بين شركات التقنية للفوز بالقطعة الأكبر من الكعكة، فعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية أقرت تمويل كل من إنتل وتايوان لصناعة أشباه الموصلات وسامسونغ إلكترونيكس وميكرون تكنولوجي بموجب قانون الرقائق، فإن ثروات هذه الشركات لم ترتفع بجنون مثل إنفيديا.

حرب غزة تكشف “علاقة حب”

ليست حرب الرقائق وحدها التي كان هوانغ نجمها، فحتى حرب غزة الأخيرة برز هو وشركته كأحد أكبر المدافعين عن إسرائيل ووجودها، بل وصل الأمر للتبرع لها بمبلغ كبير والبكاء على ضحاياها من الإسرائيليين دون إظهار أي تعاطف يذكر مع الجانب الآخر.

فهناك عدة محطات برز اسم إنفيديا فيها خلال العدوان على غزة والتي لم يسبقها إليها أحد آخر من شركات التقنية، منها إرساله رسالة خاصة لموظفي الشركة في إسرائيل يطمئنهم بأن وظائفهم ليست في خطر وأن إسرائيل لديها مكانة خاصة لديه.

فقد أورد في رسالته أن “إسرائيل تُعد واحدة من أكبر مراكز إنفيديا للتطوير من حيث نسبة الموظفين، كما أنها موطن بعض مهندسينا الأكثر موهبة، وأحد أهم استثماراتنا وهو إنفيديا سويتش الذي جاء من إسرائيل”.

وكتب معزيا الإسرائيليين: “أتقدم بأحر التعازي لعائلاتنا التي عانت من خسائر فادحة. نحن نحزن معكم.. العالم يتابع الأخبار القادمة من إسرائيل برعب، ومن الصعب فهم حجم ووحشية الهجمات والمعاناة التي تسببها. بالنسبة لعائلاتنا في إسرائيل، تعتبر هذه الأخبار كابوسا حيا”.

وأضاف “لدينا 3300 عائلة من موظفي إنفيديا والعديد من الأصدقاء في إسرائيل. عاد المئات من موظفينا إلى الخدمة العسكرية. أفكارنا معكم دائمًا، ونأمل عودتكم بالسلامة”.

وشدد على دعم الشركة للعائلات الإسرائيلية والتبرع لها بمبالغ مالية حين قال: “يتعين على العديد من العائلات إخلاء منازلهم، ولكن بفضل أعمال الخير المذهلة يتطوع المئات من موظفي إنفيديا بدعمهم وإفساح المجال في منازلهم للعائلات التي غادرت أحيائها بحثًا عن الأمان، وسوف نقدم لتلك العائلات كل ما تحتاجه من مساعدة”.

تعاطفٌ مع “إيال” أم مع المال؟

ربما توضح الرسالة التي أرسلها هوانغ لإيال والدمان مؤسس شركة ميلانوكس (Mellanox) بعد مقتل ابنته دانييل في الحرب الأخيرة على غزة؛ مدى اهتمام وتعاطف رئيس إنفيديا مع الحالة التي تعرض لها والدمان خلال حرب غزة.

فقد استحوذت إنفيديا على شركة ميلانوكس الإسرائيلية في عام 2019 مقابل 7 مليارات دولار، وأنشأت مركزا في إسرائيل يعتمد على الشركة، ويعمل في المركز حاليا أكثر من 3 آلاف شخص.

مِن هؤلاء المهندسين نوعام شاي الموظف السابق في إنفيديا وصديق دانييل ابنة والدمان الذي قُتل معها أثناء حضورهما مهرجان “موسيقى سوبر نوفا” على حدود غزة حين بدأ طوفان الأقصى.

ومن مهندسي إنفيديا الذين تأسرهم حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أفيناتان أور وصديقته نوا أرغماني التي استعيدت أمس السبت مع مجموعة أخرى من الأسرى.

وتُعتبر شركة ميلانوكس المدخل لفهم علاقة الحب بين هوانغ وإسرائيل، فقد نَسب الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا الفضل بشكل مباشر إلى شراء شركة ميلانوكس الإسرائيلية في جزء مهم من نجاح إنفيديا التي تتجه إلى تحقيق معدل إيرادات سنوية لا يمكن تصوره.

ووجد كثير من الخبراء الاقتصاديين العام الماضي صعوبة في تصديق أن الشركة -التي تمتلك حاليا التكنولوجيا الرائدة للمعالجات التي يمكنها تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي- ستكون قادرة على تلبية التوقعات الطموحة التي حددتها لنفسها، ولكن إنفيديا فاقت التوقعات وحققت نموا مخيفا بسبب تقنيات الرقائق التي طورتها.

ولإسرائيل دور مهم في هذا النجاح، فقد ذكر هوانغ بشكل واضح أن استحواذ شركته على شركة ألدمان قبل 5 سنوات هو أحد الأسباب التي جعلت منتجات إنفيديا ضرورية لأي بنية تحتية للحوسبة ترغب في تشغيل تطبيقات ذكاء اصطناعي قوية ومولدة.

وقال هوانغ في الإعلان الرسمي في حفل الإعلان عن النتائج المالية العام الماضي: “وحدات معالجة الرسوميات إنفيديا المتصلة بشبكات ميلانوكس وتقنيات التبديل الخاصة بنا وتشغيل مجموعة برامج كودا إيه آي (CUDA AI) الخاصة بنا؛ تشكل البنية التحتية لحوسبة الذكاء الاصطناعي التوليدي”.

لا يوجد الكثير من الرؤساء التنفيذيين لشركات تبلغ قيمتها تريليون دولار يَذكرون الشركات الإسرائيلية التي اشتروها وينسبون لها جزءا من نجاحها مثل ما فعل هوانغ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا في موقفه تجاه إسرائيل.

قد يكون هذا الأمر مبررا في عالم الأعمال، فبينما هناك أشخاص في هذا العالم الواسع يعتبرون أن موت آلاف الضحايا من الأطفال جريمة تحتاج للتعاطف، هناك آخرون يرون أن المال هو “روح الروح”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version