عاد ترامب مجددا بعد غياب دام 4 سنوات إلى المكتب البيضاوي، وفي حفل التتويج البهي، ظهر عمالقة التقنية في الصف الأول للمرة الأولى، بدءًا من إيلون ماسك الذي ينتظر منصبه في حكومة ترامب، وحتى مارك زوكربيرغ الذي أعلن تغيرات مفاجئة في سياسات “ميتا” مرورًا بجيف بيزوس عملاق التجارة الإلكترونية وعدد من أثرياء الولايات المتحدة.

ورغم أن هذا المشهد قد يبدو طبيعيًا ولا يحمل أي معان خفية، فإنه يشير وبقوة إلى السمة التي تسود عصر ترامب القادم، وهو عصر تقترب فيه الشركات التقنية من القيادة الأميركية لأسباب عديدة بعد تنافر شديد في السنوات الماضية.

من المعارضة في 2016 إلى النقيض

اتسمت دورة دونالد ترامب السابقة بالعديد من اللحظات الهامة، وربما كان من أبرزها حظر “هواوي” من الوصول إلى التقنيات الأميركية فضلًا عن المعارضة الشديدة من أثرياء التقنية للرئيس الأميركي آنذاك.

حتى إن إيلون ماسك نفسه الذي قاد جزءًا من حملة ترامب الانتخابية وتبرع بالكثير كان من أشد المعارضين له في عام 2016 لدرجة أنه انتخب هيلاري كلينتون بدلًا من ترامب، حتى جيف بيزوس هاجم ترامب بشكل مباشر بسبب معارضته للديمقراطية، وفي حين لم يكن لمارك زوكربيرغ موقف واضح، إلا أنه كان يدعم قضايا الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين.

اتسم خطاب ترامب آنذاك بالميل الواضح لجانب اليمين والقضايا الجمهورية على حساب الديمقراطية، وربما كان هذا من الأسباب التي جعلت رؤساء التقنية يعارضونه بشكل مباشر، ولكن الآن، تحول هؤلاء من أشد المعارضين إلى أصدق الموالين، إذ تبرع أغلب رؤساء الشركات التقنية بالملايين والمليارات لصالح حملة ترامب الانتخابية باستثناء جينسن هوانج المدير التنفيذي لشركة “إنفيديا”.

تتسع قائمة حضور حفل تتويج ترامب للعديد من الأسماء البارزة في عالم التقنية، فإلى جانب زوكربيرغ وبيزوس وماسك يمكن أن تجد سام ألتمان مؤسس “أوبن إيه آي” وتيم كوك المدير التنفيذي لشركة “آبل” سوندار بيتشاي المدير التنفيذي لشركة “غوغل” وساتيا ناديلا المدير التنفيذي لشركة “مايكروسوفت” وبالطبع شو تشيو المدير التنفيذي لمنصة “تيك توك” التي تنتظر عودة ترامب بفارغ الصبر.

لم ينتقل هؤلاء من المعارضة إلى التأييد الواسع بشكل مفاجئ، فقد بدأ هذا التحول تدريجيًا في فترة دونالد ترامب السابقة، ولكن في عام 2024 أصبح هذا التأييد أكثر وضوحًا من السابق، لدرجة أن بايدن في خطاب الوداع حذر من حكم الأقلية المدفوع بالشركات التقنية نظرًا لتهديده لجوهر الديمقراطية نفسه.

خطوات جادة من ترامب

ربما تختلف الأسباب التي جعلت كل واحد من عمالقة التقنية ينتقل إلى جانب دونالد ترامب في لحظة ولاء تناقض ما حدث في ولاية 2016 التي اقتصر فيها ولاء ترامب بين عمالقة التقنية على بيتر ثيل المدير التنفيذي لمنصة “باي بال” وأحد مؤسسيها.

ولكن هذه الأسباب تجتمع في عامل مشترك واحد، إذ كانت الخطوة الأولى دومًا من جانب دونالد ترامب، سواءً كان عبر عرض مناصب إدارية في الحكومة القادمة مثل ما حدث مع إيلون ماسك، أو حتى زيارات رسمية للشركات مثل “سبيس إكس”.

حالة زوكربيرغ المحايدة

ويمكن وصف ماسك وبيزوس بالمعارضين الصريحين لسياسات دونالد ترامب، لذا تطلب الأمر خطوات من الرئيس المنتخب من أجل استمالتهم، إلا أن حالة مارك زوكربيرغ مختلفة قليلًا، فهو لم يكن معارضًا بشكل واضح لدونالد ترامب، وقد وصل الأمر إلى إتهام زوكربيرغ في حادثة “كامبريدج أناليتكا” التي أسهمت في فوز ترامب بالانتخابات عام 2016.

اتخذ زوكربيرغ بعدها مجموعة من الخطوات الواضحة لنفي هذا الاتهام، وهي خطوات أثارت حنق الجمهوريين وترامب في مقدمتهم، بدءًا من دعم القضايا التي ينبذها ترامب بوضوح وحتى إطلاق سياسة التحقق من المعلومات ومقاومة المعلومات الزائفة عبر المنصة، وهي السياسة ذاتها التي تخلى عنها زوكربيرغ مطلع هذا العام.

وفي حين لم يدعم زوكربيرغ ولاية ترامب الجديدة بشكل واضح أو صريح، إلا أن جميع تصريحاته منذ مطلع العام تميل في هذا الاتجاه، بدءًا من التخلي عن فرق تدقيق المعلومات وحتى تحيز الخوارزمية للصحف اليمينية وانتهاءً بالتصريح المباشر بأن الشركات تحتاج إلى المزيد من “الطاقة الذكورية”.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحول اليميني في الآراء لم يقتصر على مارك زوكربيرغ، فقد انتقل إيلون ماسك من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين عبر مراحل تدريجية بدأت في عام 2016، وذلك بعد صراع وتراشق بالتغريدات عبر “تويتر” قبل الاستحواذ عليه.

انتقال ماسك التام إلى اليمين

في عام 2017، كان إيلون ماسك أحد أفراد مجلس الأعمال الذي أنشأه ترامب في العام ذاته، ورغم أن ماسك استقال بعد عدة أشهر، فإنه حتى ذلك الوقت كان معارضًا بشدة لدونالد ترامب، وقد استمرت هذه المعارضة حتى عام 2023، حين صرح ماسك قائلا بأن ترامب يجب عليه أن يختفي تمامًا، ليخرج الأخير قائلا بأن ماسك كان يحاول التودد إليه بأي طريقة.

في العام ذاته، دعم ماسك حملة حاكم فلوريدا رون دي سانتيس من أجل الترشح لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية قبل انسحابه في عام 2024، وهنا قرر ماسك أن التحالف مع ترامب هو الخيار الأمثل، وبدأ في استمالة الآخر عبر تصريحات مؤيدة بشكل طفيف من خلال “إكس”.

تجدر الإشارة إلى أن ماسك اتخذ خطوات قبل ذلك قربته من الجناح اليميني، بدءًا من نقل مصنع “تسلا” إلى ولاية تكساس وحتى المواجهات المحتدمة مع ابنته المتحولة جنسيا والتصريحات المضادة لها ووصف “فيروس العقل المستيقظ” الذي أصاب ابنته.

لاحقًا، تقابل ترامب وماسك ليحصل الأخير على وعد بمنصب إداري في حكومة ترامب القادمة، وفي يوليو/تموز 2024، يخرج ترامب بمنصب جديد يلائم شخصية ماسك، وهو قسم الكفاءة الحكومية إلى جانب مكتب داخل البيت الأبيض، ومنذ تلك اللحظة، تحول الدعم المستتر إلى آخر واضح للغاية.

أنفق إيلون ماسك 250 مليون دولار كتبرعات في حملة ترامب الانتخابية، كما ظهر في كافة اللقاءات الجماهيرية التي ظهر فيها ترامب، وقاد العديد من حملات التأييد لترامب، ليؤكد وبدون محل للشك موقفه في الانتخابات القادمة.

“تيك توك” أيضًا تستفيد

وفي حين كانت كل هذه الخطوات متعلقة بشركات أميركية، فإن دعم “تيك توك” المتمثل في إرسال مديرها التنفيذي لحضور حفل التنصيب فضلا عن التبرع بشكل مباشر لدعم دونالد ترامب كان أمرًا مفاجئًا للغاية.

فترامب، الذي أكد في أكثر من مناسبة عداءه المباشر للشركات الصينية وحتى بدء الحرب على “تيك توك” من أجل حظره لم يكتف بوعد المنصة بإيجاد حل للهروب من قضية الحظر، بل تواصل مع الرئيس الصيني مباشرةً لتأكيد هذا الحل وطمأنة المستثمرين، فضلا عن مشاركة حفل التنصيب عبر المنصة واستخدامها بكثرة في حملته الانتخابية.

من جانبها، شكرت “تيك توك” الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأعادت التطبيق للعمل في الولايات المتحدة إيمانًا منها بأن ترامب سيجد حلا مرضيًا لها، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلًا حقيقًا حول نية ترامب مع الشركات الصينية، وإن كان قد يعيد النظر في سياسته التجارية.

ترك المجال مفتوحًا

تثبت الأيام الماضية وحفل تنصيب ترامب أنه لن يتخذ موقفَا معارضًا ضد الشركات التقنية، ولكن السؤال الحقيقي هو عن مدى توافقهم معًا، فهل من الممكن أن يترك ترامب المجال مفتوحًا أمام الشركات التقنية لتفعل كما تشاء طالما كانت تدعمه، أم سيتخذ موقفًا مضادًا لها وسيعمل على إيقاف تقدمهم قدر الإمكان؟.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version